قضايا وآراء

أردوغان هاجم، ترامب انسحب، ونتنياهو وحيدا

عبد الناصر عيسى
1300x600
1300x600

أكدت مصادر مختلفة وموثوقة بأن مكالمة هاتفية في 14-12 بدأت (بهجوم) أو مبادرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أربكت ما استعد له ترامب وطاقمه، أردوغان لترامب: إن السبب الوحيد لوجود جنود أمريكا في سوريا هو داعش، وداعش قد هزمت، وتركيا مستعدة لإكمال مهمة القضاء التام على داعش. فنظر ترامب لمن حوله متسائلا: هل ما قاله الرئيس أردوغان صحيح؟ 


فأجابوا بنعم، فقال ترامب مفاجئا الجميع بمن فيهم الرئيس أردوغان: إن أمريكا تنسحب من سوريا، ثم لم تفلح كل محاولات ماتيوس وبومبيو وبولتون وبقية طاقمه من إقناعه بالعدول عن ذلك. نعم هكذا يتخذ ترامب قراراته.


من الصعب تحليل دوافع قرارات ترامب فهو في نظر كثير من الخبراء في الشؤون (الترامبية) غير متوقع ومتقلب المزاج، ولكن يمكن الإشارة لما أعلنه هو بنفسه من دوافع مثل: أن الانسحاب من سوريا هو وعد قطعه على نفسه في حملته للانتخابات الرئاسية، أو ضرورة توفير المليارات التي سينفقها في الدفاع عن الآخرين لأن أمريكا هي أولا، وليقم اللاعبون المحليون بحل مشاكلهم بأنفسهم. 


ويمكن الإشارة لبعض التحليلات الغربية أن ترامب كان يخشى أيضا صداما بين جنوده وجنود حليفته في الناتو تركيا، ولا حاجة للتوسع بعد ذلك في البحث عن دوافع ترامب في نظرية المؤامرة.


من المبكر معرفة مدى نتائج وتداعيات وتأثيرات إعلان ترامب قراره الانسحاب من سوريا، ولكن يمكن القول إن له تأثيرات وتداعيات إستراتيجية وعسكرية وسياسية ورمزية على المنطقة والعالم، فمن أهم التداعيات الإستراتيجية والعسكرية حدوث اختلالات في ميزان القوى على الأرض، فإغلاق معسكر النتف على الحدود السورية العراقية من جهة، وإغلاق المعسكرات الأمريكية في شمال سوريا، وعدم القيام بنشر قواعد مراقبة على حدود تركيا سيسهم في هذا الاختلال وسيعزز هواجس حلفاء أمريكا كإسرائيل بإمكانية تسلل مليشيات شيعية من العراق إلا إذا استجاب العراق فعلا لما قيل عن طلب أمريكي بدخول الجيش العراقي 70 كم داخل الحدود السورية، وأيضا تعزيز نفوذ داعش، وترك الأكراد وحدهم يواجهون الجيش التركي المندفع شرق الفرات.


ولقرار ترامب تداعيات رمزية هامة، فأمريكا تتخلى عن حلفائها ولا تحافظ على وعودها، خاصة إن كان الحليف تابعا كالأكراد، ولعل هذا هو السبب الرئيس في استقالة جيم ماتيوس وزير الدفاع الأمريكي بعد يوم واحد من إعلان ترامب نيته الانسحاب من سوريا، ولينضم بذلك إلى 62% من المستقيلين من إدارة ترامب - وفق بحث لمعهد بروكنز صدر في الأيام الأخيرة -، ولقد أشار ماتيوس في رسالة الاستقالة لسببها بقوله (قوة أمريكا هي في قوة المحافظة على تحالفاتها وشراكاتها وإظهار الاحترام للشركاء)، هي أسباب يبدو أن ترامب يعتبرها – خطأ – أسباب أخلاقية لا قيمة لها. 


سيؤثر القرار الأمريكي بالتأكيد على موازين القوى في المنطقة وعلى قدرة أمريكا وإسرائيل على التأثير في الصراع الدائر على النفوذ ضد روسيا وإيران وبشكل آخر ضد تركيا، ولقد حاولت إسرائيل بالأمس وعلى لسان رئيس أركانها ايزنكوت التقليل من حجم الصدمة التي أصابت أوساطا واسعة في إسرائيل في أعقاب قرار الانسحاب الذي وصفه ايزنكوت بقوله: "هو قرار جوهري ويجب عدم المبالغة في تداعياته، فإسرائيل كانت وحدها وستبقى كذلك في مواجهة إيران في سوريا".


أظهرت إسرائيل امتعاضها الشديد من العلاقة المتنامية بين الرئيس أردوغان وترامب، وخاصة بعد المكالمة الثانية بينهما في 23-12 حول الأوضاع في سوريا، لدرجة المبالغة في جعلها مؤشرا على علاقة إستراتيجية وشراكة جديدة بين الأمريكان والأتراك، وقد تغير ميزان القوى لصالح الأتراك وعلى حساب إسرائيل، وخاصة في أجواء ارتفعت فيها مستويات التوتر الدبلوماسي بين الرئيس أردوغان الذي اتهم نتنياهو باحتلال وقتل نساء وأطفال الشعب الفلسطيني، وبين نتنياهو الذي رد بوصف الرئيس أردوغان بالدكتاتور المعادي للسامية. 


لم يخسر نتنياهو في سعيه للتأثير على مستقبل سوريا لمصلحة إسرائيل من خلال تفاهمات دولية من جراء قرار ترامب أوراق ضغط ومساومة كانت بين يديه كمعسكر التنف، ورمزية الوجود الأمريكي في سوريا فحسب، بل خسر أيضا حليفا هاما هم الأكراد، الذين وصفهم يهود باراك أمس بحلفاء إسرائيل منذ عشرات السنين، وذلك في وقت يخسر فيه أو يكاد حليفه الهام في الرياض، مما قد يزيد من عزلة نتنياهو الإقليمية.


كما أن القرار الأمريكي أثر على صورة نتنياهو في الداخل الإسرائيلي، فقد كان يتباهى بقدرته على التأثير على قرارات صديقه ترامب، مستشهدا بقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وهو الأمر الذي دعا خصمه اللدود يهود باراك بالقول: "لقد تبخرت صورة نتنياهو كساحر"، وهو الوصف الذي يوصف به نتنياهو لقدرته على التأثير وتجاوز الأزمات واللعب بالأوراق، مما قد يمس بفرص نتنياهو على تحقيق أكبر قدر ممكن من المقاعد في الانتخابات القريبة القادمة. 


وهكذا أظهر قرار الانسحاب من سوريا عزم ترامب الاستمرار في سياسة أوباما بالانسحاب من المنطقة، كما أظهر حيوية وإرادة (عثمانية) جديدة للتقدم والتأثير المتزايد في المنطقة، يقابلها شعور إسرائيلي بتزايد العزلة بعد انسحاب وتساقط الحلفاء، وبالمناسبة ماذا عن العرب؟؟

 ‎

0
التعليقات (0)