كتاب عربي 21

ليبيا.. ماذا بعد حزمة الإصلاحات الاقتصادية؟

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

الإصلاحات الاقتصادية التي تم إقرارها من قبل المجلس الرئاسي في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي كانت بالأساس برنامجا استثنائيا لمجابهة النقص الشديد في السيولة المالية وارتفاع أسعار السلع بشكل كبير جراء تراجع قيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية حتي وصلت قيمة الدولار إلى 9 دنانير ليبية في مقابل سعر رسمي هو 1.4 دينار للدولار.

أثر إيجابي

لا جدال حول الأثر الإيجابي لتطبيق الإصلاحات الاقتصادية بمعيار مصلحة المواطن في المدى القصير، فقد تراجع الدولار بشكل ملحوظ ومشجع خلال الأشهر القليلة الماضية، وتوفرت السيولة نسبيا، ومن علامات ذلك تراجع الطوابير الطويلة أمام المصارف، وصار بإمكان المواطن الحصول على مرتبه كاملا في مدن عدة.

بقيت مسألة أسعار السلع والتي لم تشهد تراجعا يكافئ تراجع سعر صرف الدولار، فبالنسبة للمواطن فإن الكثير من السلع لا تزال تحافظ على أسعارها خلال الفترة التي وصل فيها الدولار 9 دينار ليبي، وتفسير ذلك يرجع إلى عوامل عدة منها أن الكثير من السلع ما تزال مقيَّمة بسعر العملات الصعبة السابق، كما أن غياب الرقابة الصارمة على تجار الجملة والقطاعي تفسح لكثير منهم المجال لاستغلال الفراغ، غير أن استمرار تراجع سعر الدولار سيقود في النهاية إلى انخفاض الأسعار.

ماذا بعد الإصلاحات؟

ينبغي التأكيد أولا على أن الضمانة الرئيسية في الوصول إلى النتائج المرجوة من الإصلاحات الاقتصادية منوط بتحقيق تقدم على المسارين السياسي والأمني، ويمكن القول إن التطورات السياسية والأمنية ساهمت في تفعيل الإصلاحات، وما كان لها أن تُفعَّل لولا الدور الضاغط للبعثة الأممية ومن خلفها المجتمع الدولي.

 

صحيح أن الإستقرار المالي والنقدي الكاملين يتطلبان استقرارا سياسيا وأمنيا، غير أننا هنا نتحدث عن مخاطر ينبغي التعامل معها والسعي لتلافيها،


أيضا من المهم التنويه إلى أن الإصلاحات الإقتصادية هي بمثابة إجراءات استثنائية لمجابهة وضع مأساوي، فهي ليست إصلاحات واسعة تمس الجوانب الأساسية للاقتصاد الوطني لتبعثه من مواته أو توقظه من سباته، فالمواطن تأثر بشكل كبير بتراجع الدينار ونقص السيولة في البنوك، فكان لابد من القيام بخطوات سريعة لتخفيف المعاناة الكبيرة.

غير أن الوقوف عند الأثر الإيجابي الظاهر للإصلاحات الإقتصادية قد لا يكون كافيا حتى للمحافظة على ما تم تحقيقه من تقدم، ذلك أن الوضع الهش للدولة وللحكومة في ظل الانقسام والصراع يمكن أن يقود إلى ارتدادات كبيرة تعود بالوضع المالي إلى ما كان عليه قبل أيلول (سبتمبر) الماضي.

لهذا ينبغي التفطن إلى أن الإصلاحات في وضعها الحالي تحتاج إلى سند ليتم البناء عليها والانطلاق منها باتجاه الاستقرار المالي والنقدي.

صحيح أن الاستقرار المالي والنقدي الكاملين يتطلبان استقرارا سياسيا وأمنيا، غير أننا هنا نتحدث عن مخاطر ينبغي التعامل معها والسعي لتلافيها، وحاجات ملحة تجاهلها قد يسهم في تأزيم الوضع أكثر.

وأكرر القول إن المطلوب ليس تخطيطا تنمويا واسعا وطويل المدى، فالمقصود التفكير في مقاربة اقتصادية تكون بمثابة الضمانة لنجاح حزمة الإصلاحات الحالية وتستفيد منها لتحريك عجلة الاقتصاد لتحقيق بعض الانتعاش بالأنشطة الاقتصادية الراكدة.

عوائد الرسوم على بيع الدولار

توفر الإصلاحات الاقتصادية فائضا في المال يُقدّر بنحو 15 مليار دينار ليبي خلال سنة جراء فرض رسوم على بيع الدولار، أعتقد أنها يمكن أن تلعب دورا في تلبية الحاجات الضرورية وتحقيق ما نقصده من تحريك عجلة الاقتصاد وإنعاشه، وإذا أضفنا إلى ذلك ما يمكن أن يتحقق من وفرة في الإيرادات العامة مقبولة نسبيا قياسا بالسنوات الماضية، فإن صانع القرار الليبي ينبغي أن يتجه إلى الإعداد المبتكر لبرنامج تكميلي قصير المدى (1-3) سنة.

فبالإضافة إلى أولوية مجابهة أزمة انقطاع الكهرباء ومشاكل قطاع الصحة وقطاع المرافق ينبغي أن يوجه جزء من الوفرة المالية لدعم الانشطة الإنتاجية والخدمية الصغيرة من خلال برنامج وطني مدروس للمشروعات المتوسطة والصغيرة.

تحدي الأزمة السياسية

سيُطرح سؤال: كيف يمكن أن ينفذ هكذا مخطط في ظل الإنقسام والنزاع الحاد وضعف وتشظي مؤسسات الدولة، وأكرر بأنني لا أتحدث عن برنامج تنموي شامل، بل عن جهد مركز لمعالجة مشاكل ملحة، كما أن البرنامج يمكن أن يكون أحد وسائل التقريب بين الخصوم، وأداة تحفيز من خلال نجاحه في المناطق الأكثر استقرارا لتكون نموذجا يحتذى به دون المساس بحصة المناطق الأخرى في المخصصات إلى حين جاهزيتها لتنفيذه.

والأهم عندي هو الاستعداد من خلال تجهيز خطة قصيرة المدى مدروسة بعناية لتكون حاضرة للعمل مع انتهاء الأزمة السياسية بالتوافق وفق أي من المسارات المطروحة.

ومرة أخرى أقول المطلوب مبادرة مدروسة ومحدودة لكن مركزة وفعالة تنتقل بالوضع الاقتصادي خطوات إلى ما بعد الأثر الايجابي للإصلاحات الحالية وتكون نتيجتها تحسين الخدمات الأساسية وتحريك عجلة الاقتصاد بتحريك الراكد من بعض أنشطته.

 

إقرأ أيضا: لماذا نحتاج للإصلاحات الاقتصادية في ليبيا وما ضمانات نجاحها؟

التعليقات (0)