قضايا وآراء

أحزابنا الإسلامية.. لا تفرطوا فيها

خالد الشريف
1300x600
1300x600
المتابع للأحداث في مصر يدرك لأول وهلة تضاؤل هامش الحريات بصورة كبيرة، في ظل تصاعد الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والاعتقالات التي طالت كل الرموز الوطنية، في محاولة اجتثاث للنخب والقوى الوطنية والإسلامية، لعل أبرزها مؤخرا اعتقال وزير العدل في حكومة هشام قنديل، المستشار أحمد سليمان، وهو الرجل المناضل الذي علا صوته في زمن القهر؛ يندد بالاستبداد ويطالب بالعدالة في كل مناسبة ومحفل.

فحالة القمع طالت الجميع بلا استثناء، حتى أضحت مصر كلها في محنة، مما يستوجب التواصي بالحق والصبر على ما لحق بنا من بلايا ومحن، كما أمر القرآن في كتابه العزير: "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".

وأعتقد أنه من واجب السياسي والمفكر في هذه المحنة أن يصنع السلام والاستقرار لأمته وقومه، فيشحذ همم الناس والشباب، وينشر الأمل في تغيير الواقع الأليم للأمة، ويبدد عنهم الإحباط واليأس. والحمد لله هذه الأمة لا تموت.. قد تمرض، لكنها لا تموت. والتاريخ يؤكد أن الاستبداد والظلم لا يدوم: "وتلك الأيام نداولها بين الناس".

والله ينصر عباده بأسباب وبغير أسباب؛ لأن النصر من عنده وحده سبحانه. لذلك، في هذه المحنة، يجب المحافظة على مقدرات الأمة ومؤسساتها ونخبتها الفكرية والسياسية. وهذا واجب وطني، فالنخبة، وفي القلب منها العلماء، هم الدرع الواقع للأمة والمحرك لنهضتها.

وأمتنا، وهي في حالة المحنة والقهر، في أمسّ حاجة إلى مثقفيها ونخبتها لتقودها إلى الخروج من مأزقها، حتى لا تقع بين أيدي نخبة تهوي بها في مهاوي التخلف أو تخرج بها عن سكة النهضة وتحقيق الازدهار.

وباستقراء التاريخ، فإننا نجد أن الأمم في حركتها الحضارية، صعودا ونزولا وانهيارا، لا تحركها الجماهير والعامة، بل تقودها النخبة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافية وعلميا، تحمل لواء التغيير وتقود المبادرة نحو الحرية والنهضة والتقدم وتحقيق أهدافها.

أقول ذلك وسط هجوم عارم من البعض على نبأ خروج حزب البناء والتنمية من تحالف دعم الشرعية، رغم أن الكل يعلم أن التحالف لا وجود له في الوقت الراهن، وأن الخروج منه ليس نهاية المطاف أو ترك النضال، ولا يعني بأي حال من الأحوال الاصطفاف مع السلطة؛ فطريق النضال لا يزال طويلا، والخروج من التحالف أقرب لأن يكون حالة للمراجعة وإعادة التموضع مرة أخرى، في ظل فاشية سياسية تسود المشهد، وحالة انتقام من المعارضين تجعل من كل فعل سياسي مشروع إرهابا.

حزب البناء والتنمية استفرغ الجهد والوسع في دعم إرادة الجماهير والمظلومين، وسعى لحل الأزمة المصرية بكل ما يملك، وقدم الشهداء والأرواح، وكان من بينهم مؤسس الحزب الدكتور عصام دربالة رحمه الله، فضلا عن مئات المعتقلين والمهاجرين، فليس عيبا أن ينسحب اليوم من التحالف الذي لا وجود له الآن.

فيجب ألا نحمل الناس فوق طاقتهم، والله يقول للمؤمنين السائرين على درب الدعوة والإصلاح: "فاتقوا الله ما استطعتم"".

الأمر ليس حفاظا على لافتة الحزب، كما زعم البعض، بل هو الحفاظ على النخبة وأحزابنا الإسلامية الحاملة للواء النضال والتغيير في المجتمع. والخروج من التحالف ليس مجموعة تنازلات ولا وجود لها سوى في أذهان البعض الذين يغيب عنهم أن السياسة هي فن الممكن، وهي مرنة متغيرة. وأهم ما يتميز به أردوغان وحزبه في تركيا حسن المناورة السياسية التي تحقق كل يوم مكاسب، وينال إعجاب الجميع بفضل مرونته السياسية. لذلك، يجب على هؤلاء وأولئك أن ينظروا إلى إخوانهم القابضين على الجمر نظرة رحمة، ولا ينظروا إليهم نظرة جحود وقسوة.

وأعتقد أن كلام أخي فضيلة الشيخ أسامة حافظ كان واضحا جليا يبدد أي لبس أو فهم خاطئ، حيث يقول: "لقد نشأ تحالف دعم الشرعية في ظروف كانت البلاد فيها ملتهبة ومتوترة، وكان أي مسلم مصري يشعر بالقلق على مستقبل البلاد من العنف، وقد رأينا ساعتها أن نحاول بجهدنا المتواضع الاستفادة من خبرتنا الطويلة في التحذير من خطر مواجهة تلك الأزمة بالعنف، وساهمنا في منع تطوير الأحداث في اتجاه الصدام؛ للحفاظ على لحمة الوطن وتماسكه، وحماية مؤسسات الدولة، وعدم التعرض لدور العبادة. وقد كان لنا جهد ملموس في هذا المجال، هذا فضلا عن أملنا في أن يكون لنا دور في تفعيل مادة الدستور التي تحدثت عن إجراء المصالحة الوطنية، وأنشأت لذلك وزارة خاصة بها لتفعيل تلك المصالحة.

وقد تجاوز الزمن هذه المرحلة، وصار للأزمة أبعاد أكبر من التحالفات والكيانات، واستدعى الأمر تفكيرا جديدا في التعامل مع الأزمة، وبالتالي لم يعد ثمة جدوى من التواجد في هذا التحالف، ولم يعد للجماعة وجود فيه.

وختاما أقول: الحمد لله، الأحزاب الإسلامية عقب الثورة، رغم حداثة تجربتها، إلا أنها تطوّرت بسرعة مذهلة، وقد تعلمت كيف تخوض عباب بحر السياسة والعمليات الديمقراطية الملتبسة في بلدانها. كما إنها في الحقيقة عمل لمّ يكتمل بعد، كما أكد ذلك تقرير مركز كارنيجي للشرق الأوسط حول الأحزاب الإسلامية.

لذلك، يجب علينا أن ندعم حزب البناء والتنمية وكل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، بل يجب أن ندعم كل إنسان شريف وطني في مصر في هذه المحنة التي لن تستمر كثيرا؛ لأن دوام الحال من المحال، الطغيان والظلم نظام غير قابل للحياة.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
التعليقات (0)