كتاب عربي 21

رأيتها بالعين المجردة

جعفر عباس
1300x600
1300x600

كان يوم الإثنين الماضي، من تلك الأيام القليلة التي تسمرت فيها أمام شاشة التلفزيون مستمتعا بما أراه وأسمعه، رغم أن جميع الشخوص الذين تعاقبوا على الشاشة، كانوا ذوي وجوه تقطع الخميرة، فقد كان معظمهم من العواجيز، وحتى النساء منهم، كنَّ في المرحلة الإنتقالية ما بين الأنوثة وتلك الحالة التي تصاب فيها النساء بخلل هرموني يجعلهن لا هنا ولا هناك.

ففي ذلك اليوم كان مجلس العموم البريطاني (البرلمان) يناقش الاتفاق الذي أبرمته رئيسة الحكومة تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي بشأن الطلاق البائن بين بريطانيا والإتحاد بحلول شهر آذار/ مارس من عام 2019، وتبارى معظم النواب، ومنهم أعضاء بارزون في حزب ماي نفسها (المحافظون) في انتقاد ماي والإتفاق بقسوة بالغة، وحتى من كانوا يؤيدونه طلبوا إيضاحات أكثر حول تفاصيل وعواقب إنفاذه.

 

اقرأ أيضا: ماي تطالب "العموم البريطاني" بالتصويت لصالح بريكست

الممتع في الأمر لشخص مثلي عاش جميع سنوات عمره وهو يخاف من "الحكومة"، وكانت أمه مثل كثير من نساء العالم العربي تردعه عن الخطأ بالتحذير من أنها ستبلغ عنه الشرطة، شخص كهذا لابد وأن يشعر بالإنبهار ورئيسة الحكومة البريطانية ترد في أدب على من يهاجمونها، بل ويصرحون بأن الإتفاق سيكلفها منصبها.

فالمنطقة التي أنتمي إليها لا تعرف معظم بلدانها منصب "رئيس الوزراء"، وحتى في حال وجود المنصب فإنه يكون ديكوريا، لأن أصول الحكم عندنا تقضي بأن الرأس الكبير هو الكل في الكل، ولا سلطة لرئيس الوزراء على وزير إلا بتفويض مؤقت من الرأس الكبير.

 

في عالم اليوم لا تعرف منطقتنا برلمانا حقيقيا سوى في تونس


وحتى برلماناتنا الديكورية غير مسموح فيها باستجواب رئيس الوزراء، بل إن صاحب المعالي هذا لا يقف أمام هذا البرلمان، إلا بتكليف فوقي ليقول كلاما معلَّباً، تنقله وكالة الانباء الرسمية، ويتم إلزام الصحف بنشره بالمسطرة، ولو تم فتح باب النقاش حول كلامه تتبارى نوائب الزمان للتعقيب على "هذا الخطاب التاريخي، الذي ينبغي أن يتم إدراجه في مناهج المدارس، والذي يبشر بعهد جديد من الرخاء والاستقرار لدولتنا الفتية".

يتبارى ببغاوات الإعلام العربي في وصف بلدانهم أمام حكامهم بـ "الفتية"، ولا يرون بأسا في ترديد تلك المفردة على مدى ستين عاما مثلا، وربما لا يدركون أن بقاء دولة ما فتية لعقود طوال، دون أن تشب عن الطوق، يعني أنها "قاصر".

وفي عالم اليوم لا تعرف منطقتنا برلمانا حقيقيا سوى في تونس، ولكن حتى البرلمان التونسي يعاني من مشاكل التسنين، لأنه ما زال في المهد، ولكن هناك ما يدعو الى التفاؤل بأنه في طريقه لأن يصبح سلطة تشريعية، تستبدل أسنان اللبن بأضراس قوية مستدامة، محصنة ضد سوس الترويع والترويض والبيع والشراء.

ورغم أن البرلمان اللبناني هو الأطول عمرا واستمرارية في المنطقة، ورغم أن الفوز بعضويته يتم بما يسمى بالإنتخاب الحر، إلا أن حرية معظم الناخبين في الإختيار مصادرة، وعليهم أن يقترعوا في ضوء توجيهات "السادة"، أما حق التَّرشُّح فلم يعد مكفولا للجميع منذ منتصف سبعينات الألفية الماضية، فالديمقراطية الوراثية المطبقة في لبنان لا تمنح ذلك الحق إلا للمكفولين من قبل البيوت السياسية السيادية.


أما بقية الدول العربية والعربعبرية، ففيها برلمانات مداولاتها تكسف، ولا يدخلها المغضوب عليهم حكوميا، ومن ثم فعضويتها تنابلة وطراطير على رؤوسهم الطير، ينحصر دورهم على النفخ في المزامير، لأن أرباب البيوت ضاربو دفوف، والمطلوب من الشعب أن يرقص.

وشهدت واقعة الملاسنة بين صحفي قناة "سي إن إن" جون كوستا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال مؤتمر صحفي للأخير، وجه فيه كوستا انتقادات لاذعة لترامب، فما كان من الأخير الذي يكنُّ عداء شديدا للإعلام الحر، إلا أنه أصدر فرمانا بحرمان كوستا من دخول البيت الأبيض.

 

اقرأ أيضا: ترامب يلمح لإنشاء قناة منافسة لـ"سي أن أن"

رفعت "سي إن إن" دعوى قضائية على ترامب، من منطلق أنه انتهك حقا دستوريا لكوستا، وصدر حكم المحكمة ببطلان قرار ترامب، فسألته قناة فوكس الناطقة باسمه عن خطوته التالية فقال: نستأنف الحكم، وإذا خسرنا القضية لن أعقد مؤتمرا صحفيا مرة أخرى.

وقبلها قضت محكمة ببطلان قراره بعدم منح حق اللجوء لمن يدخلون الأراضي الأمريكية بصورة غير شرعية، فما كان من ترامب صاحب اللسان المتبرئ منه، إلا أن فتح صنابير السباب على قاضي تلك المحكمة، فزجره "رئيس القضاء الأمريكي" ووبخه توبيخا قاسيا، فكان أن أعلن ترامب أنه سيستأنف القرار.

 

رأيت الديمقراطية تفعل سحرها بالعين المجردة، وأذناي تشهدان على روعة ذلك السحر.

هذه هي الديمقراطية عندما تصفع شخصا مثل ترامب، لا يؤمن بمعظم تعاليمها، رغم أنها أوصلته الى منصب أكبر من قدراته العقلية والجسدية، وإذا كانت الديمقراطية قد ارتكبت خطيئة تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، فهي وحدها التي تملك الفرامل/ الكوابح للحد من شطحاته.

وهكذا وبرصد النقاش البرلماني الحاد جدا بين تيريزا ماي ونواب البرلمان البريطاني، الذين بهدلوها وشرشحوها دون خوف من "العواقب"، ووقائع المؤتمر الصحفي في البيت الأبيض حينما فتح صحفي النار على الرئيس الأمريكي، دون أن يلقي به جماعة المخابرات في مكان وراء الشمس، بهذا أكون قد رأيت الديمقراطية تفعل سحرها بالعين المجردة، وأذناي تشهدان على روعة ذلك السحر.

التعليقات (1)
سمر
السبت، 01-12-2018 06:13 م
فقد كان معظمهم من العواجيز، وحتى النساء منهم، كنَّ في المرحلة الإنتقالية ما بين الأنوثة وتلك الحالة التي تصاب فيها النساء بخلل هرموني يجعلهن لا هنا ولا هناك. عبارة تعكس سطحية المثقف العربي ، فالتفاز ما لم تكن به نساء جميلات مغريات ليس للمشاهدة ، والمراة اما ان تكون شابة و جميلة تصلح للجنس او ليست انسان