قضايا وآراء

رحمة وعدالة الإسلام في ميراث المرأة

عصام تليمة
1300x600
1300x600

أصدر الرئيس التونسي السبسي قراره بالنص على قانون يساوي بين المرأة والرجل في الميراث، رغم مخالفة كل علماء الشريعة لذلك، ولا نعلم أحدا وافق على ذلك وجاء بأدلة معتبرة من الشرع على صحة هذا التوجه، ولا أظن حاكما مستبدا يبحث عن تأييد الشرع، ولا تنفيذه بالأساس، إنما فقط يجتهد بعض المشايخ لتجميل المشهد، والتبرع من أنفسهم بالتبرير باسم الشرع لما ينتهجون.

 

إقرأ أيضا: فعلها السبسي في تونس!

ومن هؤلاء المتطوعين بالدفاع عن توجه السبسي: سعد الدين الهلالي، وهو أستاذ فقه مقارن في جامعة الأزهر، والمصيبة الكبرى أنه من ضمن تبريراته التي تنم عن جهل شديد، أنه ضرب نموذجا للمقارنة بين أسرتين، أسرة قررت أن تساوي بين الذكر والأنثى في الميراث، وأسرة قررت أن تعمل بنص الشرع (للذكر مثل حظ الأنثيين)، ثم تساءل: أيهما أكثر رحمة، وعدلا، وتحضرا؟ لا شك من ساوت بينهما؟ وكأن العدل والرحمة والتحضر ينفي عمن يلتزم بالشرع، ويوصف به من يظن بإعمال عقله مخالفا للشرع أنه العادل والرحيم والمتحضر؟!!

وهو كلام ينطلي على بعض من لم يطلعوا على الشرع جيدا، وينخدعوا بظاهر الكلام، وبريقه الشكلي، فهل يقرر الشرع حقا أو أمرا لا يتفق مع العدل والرحمة والتحضر؟! ربما تصور بعض السذج أن عقله يصل به إلى تشريع أو تفكير أكثر رقيا ورحمة وعدلا من التشريع الإسلامي، ناسيا مسلمات عقلية وشرعية ينبغي ألا يتجاوزها الإنسان المسلم العاقل.

 

 

ادعاء أن المساواة في ميراث المرأة للرجل هو الرحمة والعدل، كلام لا ينطلق من شرع، بل ينطلق من هوى شخصي،


لقد خلق الله تعالى الخلق، وهو أعلم بهم، وأعلم بطبيعتهم، وبما يتناسب معهم، في كل زمان ومكان، يقول تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك: 14، واللطيف هو العالم بدقائق الأمور، والخبير هو العالم بأسرار الأمور، ومن خلق الله تعالى: الإنسان، وهو أعلم بما ينفعه ويضره، ولذا كان أول باب في كتب أصول الفقه الإسلامي، باب: التحسين والتقبيح، أي: بماذا نحكم على الحسن والقبيح؟ بالعقل أم الشرع؟ وجمهور علماء أهل السنة أن التقبيح والتحسين يكون بالشرع، فلو حكمنا العقل في ذلك، فالعقل يختلف من شخص لآخر، ومن بلد لبلد، وجنس لجنس، فأي عقل سنحكم؟

أما ما لا مجاملة فيه، ولا يحابي، فهو الشرع، لأن مصدره خالق الخلق سبحانه وتعالى، فحينما يشرع، فهو يشرع بما فيه مصلحة الجميع، دون محاباة لأحد، لكن العقل يتحيز شاء من شاء إلى جنسه، ومعتقده، ومثيله، ولو أننا تركنا للعقل الحكم في التشريع، لمعنى ذلك أننا نحكم المخلوق في الخالق سبحانه وتعالى، وهو أمر لا يقوله عاقل، ولا مسلم يسلم بالحكم في أمر لله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) النساء: 65.

ولذا اشتهر قول ابن القيم رحمه الله: (الشريعة عدل كلها، رحمة كلها، حكمة كلها، رفق كلها)، وعندما تدخل الإنسان بالتشريع، فيما عرف في حياتنا بالقانون الوضعي، ظن الإنسان الحديث أنه سيجلب لنفسه ومجتمعه الراحة والرحمة والطمأنينة، ومع ذلك لم نجد في تشريع الإنسان بما يخالف تشريع الرحمن إلا كل شقاء، وهو ما قرره غربيون وغير مسلمين كثر، في مؤتمرات دولية في بدايات القرن العشرين، حين قرروا عظمة التشريع الإسلامي، وشهد الواقع المعيش بذلك.

فادعاء أن المساواة في ميراث المرأة للرجل هو الرحمة والعدل، كلام لا ينطلق من شرع، بل ينطلق من هوى شخصي، ولا رحمة وعدل للمرأة إلا بتطبيق التشريع الإسلامي كاملا، وسر ظلم المرأة في الميراث لم يكن في عدم مساواتها بالرجل، بل في حرمانها من ميراثها، وكل المحاولات التي يتم فيها التجرؤ على الشرع بدعوى إنصاف المرأة، لا ينتج عنها إلا شقاؤها، والمتاجرة بها للأسف. 

 

 

إقرأ أيضا: هل يصوت البرلمان على مبادرة السبسي للمساواة في الميراث؟

ولو كان رأي سعد الهلالي صادقا عن علم، ما رأينا تراجعه فيما بعد تصريحه بيومين مع نفس المذيع عمرو أديب، يقرر أن أحكام المواريث ثابتة ودائمة، وبدأ يتهرب ويلتف بدعوى أنه قصد أن يوصي الأب بالمساواة بين أبنائه الذكور والإناث في الميراث، بعد أن رأى مهاجمة هيئة كبار العلماء له، وكثير من المتخصصين، وهكذا يطل علينا برأسه كل صاحب هوى مدعيا أنه مجدد، ولكن على حساب الثوابت، والتلاعب بقضايا المرأة!!

[email protected]

التعليقات (0)