قضايا وآراء

هل ينقذ "التطبيع الزاحف" نتنياهو من ضائقته؟

عبد الناصر عيسى
1300x600
1300x600

حرص رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو، و مع تزايد احتمالات خوضه لانتخابات مبكرة، على تحقيق إنجازات علنية و إعلامية و ذلك من خلال إظهار و كشف علاقات كانت سرية مع بعض الدول العربية والإسلامية، وذلك على خلفية الإخفاقات والتحديات التي يواجهها، ومن أهمها أزمة مشروعه الإقليمي بعد ضائقة حليفه من الرياض، ثم قيود بوتين الإستراتيجية على هجمات الجيش على سوريا و لبنان وأخيرا تهاوي سياسته و ترنح حكومته بعد استقالة ليبرمان على إثر جولات المواجهة الناجحة للمقاومة الفلسطينية في غزة، فهل سينجح التطبيع المتدرج في إنقاذ نتنياهو و تمكينه من استعادة زمام المبادرة و شعبيته المتراجعة؟

لم تكن الوتيرة المتسارعة لإعلانات نتنياهو المتباهية حول تزايد الطلب على إسرائيل- ذات الجودة العالية !- في السوق العربي و الإسلامي، كما ظهر في زيارات ولقاءات شخصيات إسرائيلية رسمية و علنية للعديد من الدول العربية كعمان و البحرين و غيرها، و كذلك زيارة الرئيس التشادي إدريس ديبي لإسرائيل، و من ثم الإعلان عن إمكانية لزيارات أخرى، لم يكن كل هذا على سبيل المصادفة بل وعلى الأرجح محاولة منه لإنقاذ نفسه من أزماته المتتالية والتي كان أبرزها اعترافه المدوي بعدم إمكانية حل مشكلة غزة، مما أسخط جمهوره و أسقط أهم فرضيات اليمين المتطرف بأن القوة العسكرية ستجبر الفلسطيني على الخضوع و التعايش .

كما أن نتنياهو قد يستفيد شعبيا أيضا حتى من انتقادات بعض المعزولين من اليسار لسياساته وتحالفاته وتعاونه مع بعض الدول في المنطقة و المعروفة بقمعها لشعوبها و بمعارضتها لمبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان التي تزعم إسرائيل أنها تتبناها و تفتخر بها، بل وتتلقى دعم العالم الغربي على أساسها، ومن هذا ما كشفته صحيفة هآرتس 25-11 من قيام إسرائيل بتزويد الاستخبارات السعودية بمنظومة تجسس و اختراق لهواتف نقالة يشتبه باستخدامها بحملة تطهير وقمع واسعة لكل معارضي محمد بن سلمان من داخل و خارج العائلة الحاكمة في السعودية.

يدرك نتنياهو في طريقه الشاق لاستعادة شعبيته مدى الأهمية المعنوية على الأقل التي يوليها غالبية الإسرائيليين لاعتراف المحيط العربي و الإسلامي الرسمي بهم، حتى و إن كان ذلك من قبل دول شمولية و سلطوية غير رئيسية كعمان و البحرين و تشاد أو من دول فقيرة التي لا يتجاوز إنتاجها القومي الإجمالي مدينة سخنين العربية في الداخل الفلسطيني .

فالرأي العام في إسرائيل لم يعد مهتما في غالبيته بنوعية النظام السياسي المتعاون أو المتحالف معه، وذلك من منطلقين الأول: وهو عنصري استشراقي مغلف بالواقعية السياسية الزائفة بأن لا مجال لحدوث تغيير ديمقراطي متنور في العالم العربي بسبب الثقافة الإسلامية السائدة المناقضة جوهريا لذلك.

أما المنطلق الثاني فهو سياسي مصلحي ضيق، يقضي بتسليم معظم الرأي العام في إسرائيل بأن لا مجال بقبول الشعوب العربية و الإسلامية للاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية،بما فيها مدينة القدس، فالاحتلال والتعسف هو قرين الاستبداد و نقيض حرية الشعوب . 

هل يمكن أن يكون هذا التطبيع الزاحف جزءا من خطة ترامب، من المتوقع أن يكون الأمر كذلك، فوجود نتنياهو قويا إلى جانب ولي العهد السعودي متماسكا هو شرط ضروري يبرر التطبيع الزاحف و التدريجي، و تقديم كل أشكال الدعم الممكنة لأطراف الخطة، فهو نوع من التضامن الداخلي فيما بينهم، ومن هنا تظهر النتيجة المعروفة بأن الزيارات المتكررة ضمن التطبيع الزاحف مع إسرائيل هي برعاية بعض الدول العربية الرئيسية في المنطقة . فما كان لتشاد و عمان و البحرين و غيرها أن تقوم بذلك لولا الدعم و التشجيع الإقليمي، وكل ذلك يتم على حساب القضية الفلسطينية و القدس الشريف .

قد ينجح نتنياهو وإن نسبيا في الخروج المؤقت من ورطته بسبب غزة والشمال ومن ثم تحقيق بعض أهدافه السياسية الداخلية من حركة التطبيع التدريجي مع بعض دول المنطقة، ولكن هشاشة الوضع الأمني و تحديدا اتجاه غزة ثم الضفة الغربية قد تقلب الأمور وتعيدها إلى مربعها الأول، فالسبب العميق والحقيقي لمشاكل المنطقة وأزماتها هو الظلم و الطغيان بوجهيه: الاحتلال والاستبداد واللذان يستدعيان دوما الاستجابة و المقاومة، و بالتالي اللاإستقرار .


0
التعليقات (0)