ملفات وتقارير

السودان.. جدل حول سؤال البديل للبشير وتحديات التوافق السياسي

مخاوف من أن يكون تمرير قانون الإنتخابات مقدمة لترشيح البشير لولاية رئاسية جديدة (الأناضول)
مخاوف من أن يكون تمرير قانون الإنتخابات مقدمة لترشيح البشير لولاية رئاسية جديدة (الأناضول)

أحدثت مصادقة البرلمان على قانون الإنتخابات بـ (الأغلبية الميكانيكية) في السودان، ردود فعل واسعة وسط القوى المشاركة في السلطة وتلك المعارضة، وأثارت احتمالية مقاطعة العملية الانتخابية من قبل أطراف مهمة، فضلا عن شكوك من أجندة غير معلنة وراء تمرير القانون أبرزها تجاهل مبدأ التوافق في تعديلات مقبلة على الدستور تسمح بإعادة ترشيح الرئيس عمر البشير لدورة جديدة في انتخابات 2020م.

ترشيح البشير مجددا

وفي خضم جدل القانون الإنتخابي، عادت قضية إعادة ترشيح البشير الذي يحكم السودان قرابة 30 عاما، تطرأ من جديد، في ظل عجز النخب السياسية في الحكم والمعارضة عن التوافق على شخصية وطنية جديدة لتولي المنصب في المرحلة المقبلة.
 
وكان لافتا، أن الرئيس البشير نفسه أول من رحب بإجازة قانون الإنتخابات الجديد أمس الخميس، وبدا متباهيا أمام وزراء العدل العرب في الجلسة الإفتتاحية لاجتماعاتهم رقم "34" في الخرطوم، وقال: "إن القانون جاء تنفيذاً لتوصيات مؤتمر الحوار الوطني"، وأضاف: "صدر قانون مجمع عليه تمهيداً لانتخابات العام 2020".

ومرر البرلمان السوداني أول أمس الأربعاء مشروع قانون الإنتخابات المعدل في مرحلة العرض الأخير، بأغلبية الحاضرين بعد انسحاب 71 نائبا عن الجلسة احتجاجا على عدم تضمين تعديلات تتصل بمواقيت التصويت في انتخابات 2020.

وحكم البشير السودان عبر انتخابات رئاسية وفقا للدستور الحالي، مدة ولايتين بدأت الأولى منذ عام 2010 وحتى الآن، وينص الدستور، على أن "يكون أجل ولاية رئيس الجمهورية خمس سنوات، تبدأ من يوم توليه لمنصبه ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانية فحسب".

لكن النص الدستوري لم يمنع حزب المؤتمر الوطني الذي يرأسه البشير، أو الحركة الإسلامية الرافد الرئيسي للحزب، من إعلانها رسميا تأييد إعادة ترشيح البشير لدورة ثالثة، ما يعني إجراء تعديلات دستورية، وهي ممكنة في ظل سيطرة المؤتمر الوطني على الأغلبية المطلقة في البرلمان مع تحالفات سهلة أيضا مع أحزاب عادة ما تؤكد أن تحالفها في السلطة قائم على قبولها برئاسة البشير، وأبرز هذه القوى أحزاب الاتحاديين وجماعة أنصار السنة المحمدية التي يصعب تجاهلها في جدل الكتل الإنتخابية الملتزمة التي يمكنها تشكيل ثلثين البرلمان وهي النسبة التي يحتاجها تعديل الدستور.

الأغلبية الميكانيكية

لكن مسؤول قطاع الإعلام بالمؤتمر الوطني إبراهيم الصديق، يرفض توصيف عدم التوافق في تمرير قانون الإنتخابات، ويقول لـ "عربي21": "لقد تم بث مناقشات البرلمان على الهواء مباشرة، وشهد الجميع التداول، ومن الضروري أخذ الوقائع بأبعادها ودلالاتها، والتي تشير إلى أن بعض المجموعات تسعى إلى عدم التوافق".

وفي ذات المنحى، قال عبد الرحمن الخضر رئيس القطاع السياسي في حزب المؤتمر الوطني المهيمن على السلطة: "إن الضرورة اقتضت إجازة قانون الإنتخابات في البرلمان للوفاء بالترتيبات الإجرائية للعملية، وتأسف على تصلب مواقف ممثلي بعض القوى حيال بعض بنود القانون، وذكر أن حزبه سعى لتحقيق إجماع وطني حول قانون الإنتخابات وتم الإتفاق على أكثر من 108 مواد وتبقت واحدة".

وأشار الخضر، في تصريحات صحفية له، إلى أن أكثر من 55 حزبا وحركة في البرلمان وافقوا على القانون بينما انسحبت 5 أحزاب، مع بعض المستقلين.

وقالت 34 من الأحزاب السياسية: إن المؤتمر الوطني رفض تعديل تحديد يومين لإجراء الإنتخابات بدلا عن ثلاثة أيام.

ووصف النائب البرلماني عن حزب الإصلاح الآن الدكتور فتح الرحمن فضيل، إجازة القانون بالأغلبية بأنه أعطى دروسا، أهمها أن المؤتمر الوطني سيلجأ للأكثرية الميكانيكية عند كل تصويت أو تعديل يفشل في إقناع الشركاء به.

ورأى فضيل في حديث مع "عربي21" أن المؤتمر الوطني ارتد عن توصيات مشروع الحوار الوطني الذي على أساسها شاركت العديد من القوى السياسية في الحكومة والبرلمان، مشددا على أن "التوافق السياسي" كان هو المبدأ الجوهري لمشروع الحوار الوطني.

واعتبر فضيل الخطوة بأنها تنسف الحوار الوطني من أساسه باعتبار إنه كان قائما على التوافق وليس له ضامن غير التوافق، وقال: "المؤتمر الوطني ضاق ذرعا بتعديل صغير في قانون الإنتخابات ولا أتوقع أنه يتورع في استخدام الدكتاتورية والعصبية الحزبية لضمان ترشيح الرئيس".

ويقول المحلل السياسي الدكتور ياسر محجوب لـ "عربي21": "إن النخبة السياسية الحاكمة تقبع هي نفسها بين جنازير الدبابة وتخضع لسلطة الرجل الواحد وتم تدجينها شخوصا ومؤسسات لتسير خلف رغبات قائد الدبابة الذي تحلل من كل التزام حزبي أو فكري. لكن مسؤوليتها مضاعفة في تردي الأوضاع السياسية لأنها تشارك في الحكم وتدعمه خوفا وطمعا".

ويرى محجوب أن الأغلبية الميكانيكية البرلمانية منتج عكف الحزب الحاكم على صناعته ببراعة ولم يكن نتاج انتخابات حرة ونزيهة. 

ويضيف: "تؤكد الأغلبية الميكانية بهذه الصورة أن شرعية الدبابة التي أصبحت واقعا منذ 1989 لا تزال ماثلة. لقد كرس الحزب الحاكم نهجه الاقصائي والاستبدادي مؤكدا على تمرير كافة القوانين بصورة انفرادية رضي من رضا وأبى من أبى ومن لا يعجبه يشرب من البحر المالح".

ورغم أن الخلاف الأساسي بين نواب بعض القوى السياسية والمؤتمر الوطني في قانون الإنتخابات حول نقطة واحدة، إلا أن استخدام المؤتمر الوطني للأغلبية الميكانيكية يثير شكوك نواب الأحزاب والقوى المعارضة للحكومة على حد سواء.

فقد أعلنت الأمانة العامة لحزب الأمة القومي المعارض بزعامة الصادق المهدي في بيان لها رفضها القاطع لقانون الإنتخابات في نسخته الجديدة لأنه لا يخدم مصلحة البلاد في الإنتقال الديموقراطي كما يكرس لمزيد من "الشمولية والديكتاتورية".

وأضاف البيان: "البرلمان الحالي غير مؤهـل لأي دور تشريعـي أو رقابي فهو صدى رغبات الرئيس، والحزب الحاكم غير أمين على مصالح البلاد وغير موثوق به".

كما انتقد حزب المؤتمر السوداني المعارض الذي يتوقع المراقبون مشاركته في الإنتخابات، إجازة قانون الإنتخابات دون توافق القوى المشاركة في البرلمان، واعتبر بعض مواد القانون المجاز تم تصميمها لـ "تزوير واختطاف إرادة السودانيين".

وقال بيان للحزب أمس: "إن الاجازة للقانون تمت قسرا وفق إرادة المؤتمر الوطني شبه المنفردة واضعا شعارات التوافق ومخرجات حواره المعروف بالوثبة في سلة المهملات".

خلافات المعارضة

لكن انتقادات المعارضة لقانون الإنتخابات لا يبرئها من عجزها حتى الآن في التوافق بين مكوناتها على قيادة بديلة للرئيس البشير سواء عبر سيناريو الإنتخابات أو أي تغيير انتقالي محتمل.

على صعيد مختلف، فإن ذات سيناريو "صراع الخلافة" يظهر على القوى السياسية المعارضة، بعد أن تصدر المشهد السياسي سؤال من هو البديل؟

إذا استطاعت الإتفاق على خوض الإنتخابات وفق الشروط التي تطرحها، وذهب البعض بعيدا في هذا الإتجاه لدرجة أن طرح اسم رئيس حزب المؤتمر السوداني السابق إبراهيم الشيخ خيارا في هذا السباق، لكن الأمر سريعا ما تراجع في لجة خلافات تحالفات المعارضة الداخلية.

في غضون ذلك، يستمر حزب المؤتمر الوطني الأكثر تأثيرا في المشهد السياسي السوداني، سواء بتمرير قانون للإنتخابات بالأغلبية أو عبر استخدام ذات الآلية في تعديل الدستور ليناسب مرشحه الرئاسي.

لكن المحلل السياسي الدكتور ياسر محجوب يرى أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم كسب بالأغلبية الميكانيكية تمرير قانون الإنتخابات؛ بيد أنه خسر في ذات الوقت صدقيته وقدرته مستقبلا على طرح أي برنامج للوفاق الوطني ومساعدة البلاد على تجاوز حالة الاحتراب والتمزق والسيولة السياسية فضلا عن امكانية الخروج من مأزق الأزمة الإقتصادية الخانقة التي لم تجد معها رفع العقوبات الإقتصادية الأمريكية التي ظلت مفروضة لأكثر من عقدين على البلاد.
 
ويضيف محجوب في تصريحات خاصة لـ "عربي21"، قائلا: "إن السؤال الذي يؤرق النخب السياسية السودانية هل الحزب الحاكم يمكن أن يزوّر في الإنتخابات من خلال تلك الثغرات محل الجدل والإختلاف، وإلا لماذا يضحي بهذه الخسارة السياسية الجسيمة؟ ويعتقد أن الحزب الحاكم أهدر بهذه الآلية كل طاقاتها المادية والإعلامية للإعلان عن توصيات مؤتمر الحوار الوطني في تشرين أول / أكتوبر 2016، مما خلق حالة احتفالية غير مسبوقة بحضور 4 رؤساء دول وقائمة طويلة لممثلي عدد من الدول الأخرى والمنظمات الإقليمية.

ووقع ممثلو الأحزاب وبعض الحركات المسلحة على 993 توصية في ختام المؤتمر وأُعلن أن نسبة التوافق عليها تمت بنسبة 100%.

ويشير المحلل السياسي الدكتور ياسر محجوب إلى أن إجازة قانون الانتخابات بهذا "العسف"، دقّ الحزب الحاكم آخر مسمار في نعش "الحوار الوطني" المزعوم، وأن القانون يرسم الخريطة السياسية لفترة ما بعد انتخابات 2020.

 

وينص قانون الإنتخابات المجاز على اعتماد السجل المدني كأسس للسجل الإنتخابي، واستمرار الإقتراع لمدة 3 أيام، وعدم السماح للمستقلين التحالف مع الأحزاب السياسية، وتصويت القوات النظامية من داخل ثكناتها. 

يذكر أن تحالف "قوى الإجماع الوطني" المعارض، (يضم 11 حزبا أبرزها: الشيوعي، والبعث، والعربي الناصري)، كان قد أعلن في وقت سابق رفضه لمشروع قانون الإنتخابات، ومقاطعته لعملية الإنتخابات برمتها.

اقرأ أيضا: "شورى الحزب الحاكم" يجيز ترشيح البشير لرئاسة السودان 2020

التعليقات (0)