كتاب عربي 21

لماذا هناك شح في ذوي الحضور والكاريزما؟

جعفر عباس
1300x600
1300x600

شهدت العديد من الدول العربية أمطارا غير مسبوقة في عنفها وعنفوانها خلال الأسبوعين الماضيين، ما تسبب في خسائر فادحة في الممتلكات والبنى التحتية؛ وفي حالة الأردن في الأرواح. وجاءت تلك الأمطار في غير موسمها المعتاد، فكانت دليلا قاطعا بأن التّغيُّر المناخي صار حقيقة ثابتة من حقائق الحياة المعاصرة، بدرجة أن رجلا مثل الرئيس الأمريكي دونالد أبي جهل ترامب، لم يعد يقول إن التغير المناخي ليس مجرد إشاعة يرددها أعداء أمريكا، والأمريكيون ذوو الحس الوطني الضعيف.

وهناك جهود مبذولة لكبح جماح المناخ وحمله على الثبات بمختلف المعالجات، ولكن ماذا نفعل بشأن خلو العالم من الشخصيات "الملهِمة" أعني الأيقونات ذوات الكاريزما، والتي تحظى باحترام عابر للقارات؟ هل من بعد رحيل فيدل كاسترو (كوبا) ونلسون مانديلا (جنوب أفريقيا) من زعيم ما في بلد ما يسهر الخلق جرّاه ويختصمون؟ بل لماذا هناك شح في الشخصيات التي تحظى بالتقدير خارج حدود بلدانها؟


ملأ الدنيا وشغل الناس

 

هل من بعد رحيل فيدل كاسترو (كوبا) ونلسون مانديلا (جنوب أفريقيا) من زعيم ما في بلد ما يسهر الخلق جرّاه ويختصمون؟

عادى الإسلاميون والماركسيون جمال عبد الناصر، وعادته حكومات عربية عديدة، ولكنه كان زعيما ملأ الدنيا وشغل الناس في حياته وما زال، وخطبت حكومات كثيرة وده، وسعت حكومات أخرى للقضاء عليه؛ قاد مصر إلى هزيمة منكرة، ومع  هذا ظل رقما صعبا محليا وإقليميا ودوليا، ولا يخلو بلد عربي اليوم من تنظيم سياسي يحمل اسم "الناصرية"، رغم أن ناصر نفسه لم يزعم أنه صاحب نظرية في الحكم والسياسة.

ومن بعد ناصر جاء خمسة رؤساء لمصر (اثنان منهم ترانزيت)، ولكن ولا واحد منهم يبقى في الذاكرة بعد أن تسمع أو تقرأ عنه لدقائق معدودة في وسيلة إعلامية، وأين بشار الأسد من أبيه حافظ؟ حتى ولو كان حافظ الأسد في دائرة الضوء للأسباب الخطأ، فقد كان ملء السمع والبصر ويتعذر تناول قضايا المنطقة دون الاستئناس برأيه، مع علم من كانوا يمارسون ذلك الاستئناس أن رأيه سيكون "نشازا".

في تقديري الشخصي لم يكن الرئيس العراقي صدام حسين قائدا ملهما برغم الأسماء "الحسنى" التي أضفاها عليه المنافقون، ولكن ألا يبدو كبيرا جدا أمام من خلفوه في السلطة في بغداد: المالكي والعبادي ونكرات كثر لا تتسع الذاكرة لأسمائهم لأنهم زبد يذهب جفاء فور ذهابهم خارج المنطقة الخضراء في بغداد؟

أين زعماء أفريقيا اليوم من كوامي نكروما غانا وجوليوس نايريري تنزانيا وأحمد سيكوتوري غينيا وأوغستينو نيتو أنغولا وسامورا ماشيل موزمبيق؟

اسأل تسعة أشخاص حولك عن اسم الرئيس الإندونيسي الحالي وستكتشف أن عشرة (!!!) منهم لا يعرفونه بينما سبعة سيتذكرون أحمد سوكارنو رغم قصر مدة حكمه؛ ومن يعرف من هو رئيس كوبا الحالي الذي حل محل الأخوين كاسترو؟

وليس من الممكن استعادة تاريخ الولايات المتحدة الحديث (وكل تاريخها على بعضه حديث)، دون استحضار ذكرى واشنطن ولنكولن وجيفرسون وترومان وروزفلت، وانتهاءً بكلينتون وأوباما، فكيف تأتّى لشخص درويش مشوش الفكر مثل جورج دبليو بوش أن يحسب ضمن القائمة أعلاه؟ ثم تأتي الطامة الكبرى ويصبح ترامب رئيسا لتلك البلاد التي أنجبت خيرة المفكرين والعلماء والمخترعين، وهو رجل سطحي ومسطح التفكير ولا يحسن حتى الكلام؟

معنى السلام

ثم انظر حال جائزة نوبل للسلام في السنوات الأخيرة، وستكتشف أنك لا تعرف معنى السلام: هذه نالتها لأنها زرعت عددا من الأشجار، وتلك لأنها تؤيد تعليم البنات وثالث لأنه عالج نساء من ضحايا حرب أهلية، وقبلهم فاز بها الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، وعلاقة الاثنين بالسلام تقتصر على ممارستهما السلام (التحية) على بعضهما البعض "سلام حبيبي/ شلوم خبيبي"..

أين أهل الطرب اليوم من أم كلثوم؟ هل يجوز أن نتكلم عن المطرب عبد الحليم حافظ ثم نسمي شعبان عبد الرحيم مطربا؟ هل من الممكن لو عجنا جينات نجوى كرم وأليسا وهريسا وهردبيسا في خلاط طبي عملاق ثم كلفنا علماء الاستنساخ المشهود  لهم بالكفاءة أن يخرجوا لنا من تلك الخلطة بمطربة واحدة من نوع فيروز في بداية مسيرتها؟

حتى عتاة الإسلامويين الذين يزعمون أنهم سيعيدون أمجاد الإسلام بالسيف وما زالوا يرابضون في أطراف سوريا والعراق وليبيا ومالي وأفغانستان، يرتدون قمصانا تحمل صورة المناضل الأرجنتيني أرنستو غيفارا الماركسي (الذي ينبغي أن يوصم بالكفر الصراح من قِبل أناس يُكفِّرون من يقولون: لا إله إلا الله...)..

والشاهد هو أن عالمنا المعاصر يشهد قحطا في ميادين كثيرة، وربما لهت مقتضيات العولمة الناس عن الكد والجد والمجاهدة والمكابدة في مجالات الفكر الإنساني والسياسة والأخلاق، وصار المجد وقفا على من يقفون وراء الهواتف الذكية والكمبيوتر اللوحي، وما إلى ذلك من أدوات عابرة للحدود يتم استخدامها تدريجيا لإلغاء الحدود، وها هي الولايات المتحدة تطبق علينا حد الردة عن "مبادئها"؛ كيف؟:

صار السودان سودانيْن، واليمن في طريقه ليصبح يمنين، وعراق اليوم يتعرّق دما قد يؤدي إلى قيام ثلاثة عراقات، وما تبقى من فلسطين ينقسم إلى مازنستان وحماسستان، وهناك ليبيا حفتر وليبيا طرابلس وليبيا درنة وليبيا الزنتان، والحبل على الجرار، وليس في أي منها ولا في ما حولها من دول، قائد عليه بعض إجماع يقيل عثرتها.

التعليقات (1)
حمدى مرجان
السبت، 17-11-2018 01:41 م
استاذنا الفاضل ما سطرته الحق والحقيقة والواقع ، ولكن السبب هو ايضا ما تفضلت به انها ( الكاريزما ) هذه الكلمة تسويق البائر والبسر والمالح والحامض فالناس اليوم تنظر الي المرشح بعين الاعلام وتسمع باذنه وترى بعينه اما الفراسة فقد ولي عهدها مع التعليم والثقافة والذكاء والالمعية وسرعة البديهة والايمان بكل ما يعتقد و يؤمن ( سيماهم في وجوههم )