مدونات

غزة تجتاز اختباراً صعباً وتتفوق

زهرة خدرج - كاتبة فلسطينية
زهرة خدرج - كاتبة فلسطينية
وتنتهي جولة أخرى من جولات صراع الأدمغة والعقول، قبل أن يكون صراع الأسلحة والقوى بين المحتل الغاصب ورجال المقاومة في غزة.. صراع أثبتت فيه المقاومة أنها الأكثر تفوقاً، وأنها القائد الفعلي الذي يملي التعليمات والأوامر على الأرض، حتى وإن كانت لا تمتلك ولو جزءاً يسيراً من الأسلحة مما يمتلكه العدو الصهيوني، أو حتى ما تمتلكه أصغر دولة عربية.

اعتقد نتنياهو وحكومته للوهلة الأولى أنهم قادرون على خداع غزة، وزرع أجهزة التجسس فيها بسهولة ويسر، واغتيال القائد القسامي الشهيد نور بركة، بل واختطافه دون أن يتعرض طاقم الاختراق لأذى، عل ليبرمان ورئيسه نتنياهو يخرجان بعدها رافعي الرؤوس والمناكب، يتفاخران بإنجازاتهما. كانا كأنهما متأكدان من أن النتيجة ستكون لصالحهم، فستذهب الوحدة، وتنفذ عمليتها وتزرع أجهزتها ثم تعود بأمان وسلام، ويكون حينها من المحتمل جداً أن يتمكنوا من الحصول على معلومات هامة وشديدة الحساسية عن الجنود الأسرى لدى المقاومة، وليس بمستبعد أيضاً أن يستطيع ليبرمان تحت قيادة نتنياهو من تحريرهم وإعادتهم إلى ذويهم.. أوه.. فيصبحان حينها بطلين قوميين لم تشهد دولة الاحتلال مثلهما، فتسطر اسميهما بماء الذهب. وجرت بهم الأحلام والأماني عميقاً، كما جرت بالراعي صاحب جرة العسل، الذي كسر جرته بضربة عصا بعد أن غرق في بحر الأحلام العميق، فأفاق على نفسه ليجد أنه قد خسر كل شيء دفعة واحدة.

ولا أدري هل نسي نتنياهو وليبرمان الدروس القاسية السابقة التي لقنتها لهم المقاومة الفلسطينية في غزة؟ أم أنهما اعتقدا بأن وعود التهدئة والانفراج في غزة قد آتت أُكلها، وحقنت غزة بمخدر سيبقى أثره فاعلاً لبعض الوقت، وسيجعل المقاومة تغفو وتأخذ قسطاً من الراحة؟

عنجهية نتنياهو وكذبه أنسياه حقيقة غزة، وحقيقة المقاومة فيها، ففي غزة مقاتلون أشداء لا ينامون الليل، ولا يتهاونون في الرباط على الثغور، فكل منهم يدرك تماماً أن أي تفريط في حماية ثغرته سيمكن الأعداء من الولوج إلى القلعة، ومعنى ذلك هزيمة  الجمع.. وهو ما لا يرضاه مجاهد على نفسه.. لا يرضى بأن يكون سبباً في هزيمة غزة.

وفي غزة شعب لم يعد يعبأ بالحياة ومفرداتها، فماذا بقي له؟ الرواتب مقطوعة، والكهرباء عملة نادرة، والدواء ضل طريقه على معبر رفح وتاه بين الزحام، والبطالة حدث ولا حرج، والحصار أطبق فكيه ككماشة على كل شيء، حتى عاد قطاع غزة لا يصلح للحياة البشرية، فماذا يفعل شعبٌ؛ البحر يهدر من ورائه والعدو يتوعده من أمامه، وإخوة الدم والتراب يبذلون ما بوسعهم لتركيعه وكسره، ويهددونه ويفرضون العقوبات عليه عن يمينه، وإخوة العروبة يهادنون أعداءه ويتسابقون لاسترضائهم ويهمون بافتراسه عن يساره؟ ولنسأل السؤال بصيغة أخرى: هل من خيارات بقيت إذن أمام هذا الشعب؟ فعلى كل الأحوال الموت يتربصهم بالمرصاد، والجوع وانعدام مقومات الحياة قدرهم الذي لا مفر لهم منه.. وهم قد جربوا التهجير من الأوطان مرة، فلا ولن يكرروها مرة أخرى.. فلتكن إذن موتة عزيزة شريفة على ثرى الوطن وبين أحضانه ولتكن شهادة في سبيل الله ودفاعاً عن الحِمى.

وفي غزة نساء لسن كأي نساء، نساء يساندن رجالهن بكل ما يستطعن فليس الذهب أغلى من روح مجاهد، وليست الأصباغ والملابس أجمل من دمائهم النازفة. وفي غزة أمهات يحرضن أبناءهن على القتال، والذود عن الحمى.

وفي غزة أطفال ليسوا ككل الأطفال؛ أطفال لم يلعبوا في الحدائق، ويستمتعوا باللهو تحت المطر، ويخرجوا في رحلات مدرسية إلى أحضان الطبيعة. أطفال غزة لعبتهم المفضلة ضرب الحجارة قرب السلك على جنود الصهاينة على الحدود، يجذبهم الفضول للخروج إلى الشارع لرؤية الصواريخ التي ترعد وتبرق وهي تسقط من السماء. أطفال لم يعرفوا معنى الطبيعة والزهور البرية لضيق مساحة القطاع واكتظاظه الشديد بالسكان.

فكيف لهؤلاء جميعاً أن لا يقفوا في وجه نتنياهو ووزير حربه المستقيل، ليبرمان، ويضعوا حداً لأحلامهما، بل ويصفعونهما بقوة، ويجعلون منهما أضحوكة أمام العالم؛ علهما يستيقظان ويدركان الواقع الجديد الذي فرضه شعب غزة الفلسطيني المقاوم الأبي؟


* كاتبة فلسطينية
التعليقات (0)

خبر عاجل