مقالات مختارة

رام الله المحرّرة!

ماهر أبو طير
1300x600
1300x600

لم أشعر بالأسف الشديد في حياتي مثلما شعرت أمام صور آلاف المتظاهرين في رام الله؛ احتجاجا على قانون الضمان الاجتماعي المتعلق بحقوق الموظفين والعمال، ومطالبتهم برحيل وزير العمل الفلسطيني، واحتجاجهم على المشروع في كل الأحوال بشأن حقوقهم.


لكنها كارثة التوقيت من جهة، ورام الله المحررة من جهة أخرى، إذ إنه في الوقت الذي كانت فيه غزة، تتعرض للقصف الإسرائيلي، والشهيد تلو الشهيد، والجريح تلو الجريح، كانت رام الله المحررة تنتفض، ليس نصرة لغزة، بل من أجل الحقوق المالية للموظفين.


عن أي رام الله نتحدث هنا، وقد شهدنا في تواقيت سابقة كيف أوقد سكان رام الله المحررة الشموع، تضامنا مع أبناء غزة، حتى كأنها أقل في ردود فعلها من أي مدينة عربية وإسلامية، بعد أن كانت رام الله مركزا للانتفاضتين الأولى والثانية، ورمزا لما تعنيه المدن التي تكافح الاحتلال وتحاربه، وتدفع الثمن بكل بسالة.


لماذا سنلوم إذا اليوم غياب العرب والمسلمين عن مشهد التضامن مع غزة، إذا كانت رام الله المحررة تنشغل في اليوم الأول ما بعد عمليات القصف الإسرائيلي، والقتل والتذبيح، بحقوق الموظفين المالية، هذا مع الإقرار أن حقوقهم تستحق الدفاع، لكنني أتحدث هنا عن الأولويات، وبكل تأكيد فإن الأولوية للدم، وليس للحقوق المالية.


لقد كان دور السلطة الوطنية، سابقا وحاليا، دورا واضحا في حدوده وامتدادته، ولا يمكن هنا أن نتعامى عن الحقائق تحت ذرائع  يدعي بعض أصحابها أن مشروع الدولة الفلسطينية يوجب التضحيات والتنازلات، وعدم تقديم أي ذرائع للاحتلال، من أجل أن يتمادى أو يعرقل مشروع الدولة.


وراء هذه المبررات، تم إنتاج دور جديد للمدينة بما تعنيه من مركز سياسي فلسطيني، ومركز تنظيمي تقليدي، لبعض الحركات، ونرى اليوم كيف أصبح هناك مدن غائبة عن نصرة غزة، بذريعة أن نصرة غزة تعني نصرة تنظيمات مغضوب عليها، تنظيمات منشقة تختطف غزة، وفقا لمعايير السلطة، هذا على الرغم من أن الكل يدرك أن الأبرياء في غزة يدفعون الثمن الأكبر من كل هذه الصراعات والتحديات والمواجهات، نيابة عن قوى أخرى.


ربما بنظر كثرة، فإن تسجيل موقف ضد رام الله بمعناها السياسي يعد ترفا، نمارسه من بعيد، باعتبارنا مجرد متفرجين، نطالب غيرنا بدفع الثمن، ونكتفي نحن بمتابعة نشرات الأخبار، لكن بالتأكيد فإن ما نراه من رام الله الجديدة لا يمكن احتماله، وهو يتطابق مع مناطق ثانية، بحيث لم يعد غريبا أن يتظاهر سكان رام الله، مطالبين بحقوقهم المالية، وبعد أن بات كل همهم تأمين رواتبهم نهاية الشهر، تاركين الغزيين لمصيرهم.


فلا نطالب إذا مدن العرب بالغضب، ولنشعل الشموع في العالم العربي، باعتبار أن ذلك أكثر ما يمكن أن نقدمه لأهل غزة، وسط هذه المحن، وهذا أضعف الإيمان.

عن صحيفة الدستور الأردنية

1
التعليقات (1)
رائد عبيدو
الأربعاء، 14-11-2018 06:28 م
رام الله انتفضت لأجل غزة، وليس مطلوبا من أحد أن يشعل أي شموع ولا أن يخرج في مسيرات، بل أن يقاطع الصهاينة وحلفاءهم من الحكومات والشركات والأفراد، ولو فعل من ينتقد أهل رام الله ذلك فهذا يكفي، لكن تراهم يمدحون ويثنون على حكام يسمحون برفع العلم الصهيوني في عواصم عربية وإسلامية ولم يؤثر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس شيئا في علاقاتهم مع النظام الأمريكي وجيشه الإرهابي، وينتقدون شعبا تحت الاحتلال يضحي بحياته خلف القضبان وفوق الشوارع وبين أزقة المخيمات وأروقة المستشفيات. التحية لغزة والقدس والخان الأحمر ورام الله والخليل ونابلس، ولخضر عدنان ومروان البرغوثي ونائل البرغوثي وعبد الله البرغوثي ومعتصم رداد، ولأزهار أبو سرور وخالدة جرار وعهد التميمي وياسمين شعبان وسوزان أبو غنام ولمى خاطر، ولحماس والجهاد وفتح والجبهات والمبادرة ولكل مقاوم فلسطيني، والعار لحكام الدول العربية والإسلامية المستقلة التي وافقت على مبادرة الاستسلام وبيع فلسطين، ولوزرائهم، ولكل من يمدح أيا منهم، ولكل نائب لا يرفض هذه المبادرة البلفورية ولا يطالب بقطع كل العلاقات مع الصهاينة ومع النظام الأمريكي.