ملفات وتقارير

لماذا تغيب مظاهر الحياة المدنية عن المناطق المحررة في سوريا؟

وفقا لمراقبين وناشطين فقد أُتيحت الفرصة لكثير من فصائل وقوى المعارضة السورية لإقامة نموذج حضاري مدني- جيتي
وفقا لمراقبين وناشطين فقد أُتيحت الفرصة لكثير من فصائل وقوى المعارضة السورية لإقامة نموذج حضاري مدني- جيتي

توجه انتقادات شديدة لكثير من الفصائل السورية المعارضة بسبب غياب كثير من مظاهر الحياة المدنية عن المناطق المحررة الخاضعة لسيطرتها، كالبلديات والشرطة النظامية، والمؤسسات القضائية المستقلة، وكثير من المؤسسات الخدمية الأخرى، تتسلم إدارتها سلطة مدنية مستقلة بعيدا عن نزاعات الفصائل المسلحة ومواجهاتها الدامية.


ووفقا لمراقبين وناشطين فقد أُتيحت الفرصة لكثير من فصائل وقوى المعارضة السورية لإقامة نموذج حضاري مدني في الحكم والإدارة يغاير في كثير من معالمه وتجلياته نموذج نظام بشار الأسد، لكنها فشلت في إنجاز ذلك، ما خيب آمال الكثيرين من مؤيديها ومحبيها.


من جهته، علق الأكاديمي والباحث السوري الدكتور أيمن هاروش على ما يقال عن "غياب مظاهر الحياة المدنية عن المناطق المحررة"، بأنه "صحيح إلى حد ما، وليس بالمطلق"، مبينا أنه "بعد انحسار سلطة النظام عن المناطق المحررة، مرت تلك المناطق بفراغ إداري وقضائي وخدماتي".


وأضاف في حديث لـ"عربي21" أنه "بسبب ذلك الفراغ سعى بعض المعنيين إلى إيجاد البديل عن مؤسسات النظام، فنشأت محاكم مستقلة" لافتا إلى أنه "من أول من أنشأ أول محكمة في المناطق المحررة، والتي تطورت لتصبح محكمة كبيرة يديرها مشايخ مستقلون، مهمتها فض النزاعات، وحفظ الأمن دول التدخل في القضايا التي تحتاج لسلطة الدولة".


وتابع هاروش: "ونشأت كذلك المجالس المحلية التي قامت على إدارة الخدمات في المحرر، ونشأت مؤسسة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء)، إلا أن بعض المؤسسات الأخرى كالتعليم، والسجلات المدنية بقيت غائبة".

 

اقرأ أيضا: تركيا ترفض الدوريات المشركة بين أمريكا والمقاتلين الأكراد بسوريا


ولفت هاروش إلى أن "تدخل الفصائل المسلحة ذات الطابع المتشدد والمغالي في طبيعة عمل تلك المؤسسات، أفضى إلى شل حركتها، وحولها بالتالي إلى أداة بيد تلك الفصائل"، محددا بالاسم كلا من "جبهة النصرة، وحركة أحرار الشام"، لكن الأخيرة مارست ذلك بعنف أقل من الأولى، على حد وصفه.


وأوضح الأكاديمي والناشط السوري هاروش أن "كثيرا من المصلحين حاولوا توحيد جهود الفصائل في إدارة واحدة، لكن جهودهم باءت بالفشل، لأن كل فصيل يريد أن يُظهر نفسه بمثابة الدولة وهو المتحكم في كافة شؤونها".


وقال هاروش: "مررنا بتجربة تحرير إدلب، وسعينا وسعى المصلحون لتقديم نموذج في الإدارة يشجع على تحرير باقي المحافظات، لكن للأسف فإن تعنت الفصائل، لا سيما جبهة النصرة سابقا جعل الأمور أسوأ مما كانت عليه زمن سيطرة النظام".


وأشار هاروش إلى أن "منطقة درع الفرات أحسن حالا إلى حد ما من إدلب، لكن الفوضى ما زالت ضاربة فيها رغم وجود مؤسسات مدنية كثيرة فيها".


بدوره، أوضح الكاتب والباحث والمنسق بين الفصائل الدكتور عبد المنعم زين الدين أن "المؤسسات والأجهزة المدنية موجودة في كثير من المناطق المحررة في سوريا، لكن ما يمنع من ظهورها بشكل واضح في كثير من الأحيان تخوف القائمين عليها من استهدافها من قبل الروس والنظام".

 

اقرأ أيضا: قيادي في المعارضة السورية يعرض على "قسد" الحوار


وأردف قائلا في حديثه لـ"عربي21": "كذلك فإن كثيرا من الفصائل السورية المسلحة، كانت للأمس القريب منشغلة بتأمين الحماية لمناطقها المحررة من تهديدات النظام وحلفائه، ما أشغلها كثيرا عن التفرغ لتأسيس كثير من المؤسسات والأجهزة المدنية المطلوبة".


وشدد زين الدين على أن "المناطق المحررة لا تعيش حالة استقرار تامة، تمكنها من العمل المدروس والجاد لإنشاء حياة مدنية شاملة ومتكاملة، لا سيما مع ضيق ذات اليد، ومحدودية الإمكانات، وشح الموارد والتمويل الذي لا يتوفر في غالب الأحيان بشكل منتظم ودائم".


ولفت زين الدين إلى أنه ومن خلال جولاته الميدانية والدعوية والإرشادية وجد أن بعض المناطق المحررة تتمتع بقدر جيد من التنظيم والإدارة، وهو ما تجب الإشادة به، والبناء عليه لتطوير القائم، وتحسين الأداء والخدمات في جميع القطاعات والمجالات.


من جهته، قال الكاتب والباحث السوري أحمد الرمح إنه "توجد في المناطق السورية المحررة بلديات وشرطة وقضاء ومؤسسات خدماتية مختلفة، لكن المشكلة تكمن في سيطرة التنظيمات الإسلامية المتشددة، التي سعت إلى أسلمة هذه المؤسسات، وصبغها بصبغة معينة"، بحسب تعبيره.


وأضاف: "ما أفسد عمل تلك المؤسسات وفرغها من جوهر عملها، سوء استخدام تلك التنظيمات لها، فالمؤسسات المدنية حاضرة من حيث الشكل في كثير من المناطق المحررة، لكن ما فرغها من مضمونها الحقيقي والجوهري هو أسلوب إدارتها الخاطئ، والذي تغلب عليه التوجهات الأيدلوجية المتشددة".


وردا على سؤال "عربي21" حول ما يعنيه بالأسلوب الخاطئ في إدارة تلك المؤسسات والأجهزة، لفت الرمح إلى أن "حرص تلك التنظيمات على إشاعة أيدلوجيتها المتشددة داخل تلك المؤسسات والأجهزة أفسدها وفرغها من جوهر عملها المطلوب".


وختم الرمح حديثه بذكر أمثلة عن الأسلوب الخاطئ "كتحويل كثير من تلك الفصائل جهاز الشرطة مثلا إلى أداة لقمع مخالفيهم أو تصفيتهم، وإسناد إدارة كثير من تلك المؤسسات والأجهزة لمن يسمونهم بالشرعيين، وهم في أغلبهم للأسف غير مؤهلين تأهيلا كافيا لا في المجال الشرعي الذي يتسمون باسمه، ولا في غيره من المجالات الأخرى"، وفق رأيه.

التعليقات (0)