صحافة دولية

NYT تكشف دور شركات الاستشارات بدعم سياسات ابن سلمان

نيويورك تايمز: شركات الاستشارات تحافظ على التحالف المربح مع السعودية لتشكيل رؤية ابن سلمان- جيتي
نيويورك تايمز: شركات الاستشارات تحافظ على التحالف المربح مع السعودية لتشكيل رؤية ابن سلمان- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقا استقصائيا عن شركات الاستشارات الأمريكية، التي قالت إنها الوحيدة التي لم تقطع علاقاتها مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان ورؤيته. 

ويشير التحقيق، الذي ترجمته "عربي21"، إلى زيارة ولي العهد إلى أمريكا هذا العام، واجتماعه مع مديري "غولدمان ساكس"، ومديري سيلكون فالي، لافتا إلى أنه منذ ذلك الوقت، فإن أهم مديري الشركات هم من يتابعون عملياته في واشنطن. 

وتقول الصحيفة إن مستشاره سعود القحطاني وقع في احتفال صغير في بناية لا تبعد إلا أمتارا عن البيت الأبيض، اتفاقا مع شركة "بوز ألين هاميلتون" للاستشارات؛ لمساعدة المملكة على تدريب كادر من مقاتلي السايبرز، ووصف القحطاني في بيان هذا الاتفاق بأنه فرصة تفتح المجال أمام تحسين المهارات لخبراء الأمن الإلكتروني في المملكة.

ويلفت التحقيق إلى أن هذا البيان لم يذكر الحملة المستمرة لملاحقة وإسكات الناقدين للمملكة على الإنترنت، مشيرا إلى أن القحطاني عزل من منصبه بصفته مستشارا، بعدما ربطه المسؤولون السعوديون بجريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، وقالوا إنه ساهم في خلق المناخ الذي أدى إلى عملية القتل.

وتجد الصحيفة أنه في الوقت الذي أبعد فيه رجال الأعمال والشركات حول العالم أنفسهم عن المملكة، في ضوء جريمة قتل خاشقجي، إلا أن "بوز ألين" ومنافستيها "ماكينزي أند كومباني" و"بوسطن كونسالتينغ غروب" استمرت في علاقاتها مع محمد بن سلمان، حيث أدت دورا مهما في توطيد ولي العهد لسلطته.

وينوه التحقيق إلى أن هذه الشركات تقوم، بالإضافة إلى تقديم النصيحة الاستشارية العادية الاقتصادية، بمساعدة الحكومة السعودية في أمور غير تقليدية، فشركة "بوز ألين" تقوم بتدريب البحرية السعودية لمواصلة حصارها على اليمن، الذي يشهد كارثة تهدد الملايين بالمجاعة، فيما قدمت "ماكينزي" تقريرا ربما ساعد القحطاني في محاولاته لإسكات المعارضين، أما شركة "بوسطن كونسالتينغ غروب" فتقدم النصيحة لمؤسسة الأمير محمد. 

وتكشف الصحيفة عن الاستشارات مربحة كثيرا، حيث حصلت الشركات مجموعة على ملايين الدولارات في مشاريع في السعودية، وتطور عمل "ماكينزي" في المملكة من مشروعين عام 2010، إلى 50 مشروعا، واستمر في النمو إلى 600 مشروع في الفترة ما بين 2011- 2016.

ويذكر التحقيق أن مستشاري "ماكينزي" انتشروا في أنحاء المملكة في السنوات الماضية، وعملوا مع وزارات الحكومة، مثل وزارة التخطيط الملقبة بوزارة "ماكينزي"، إلى الديوان الملكي، بما في ذلك سلسلة من الشركات والصناعات الاخرى، مثل المصارف والإعلام والاتصالات والعقارات والطاقة، وذلك بحسب وثائق داخلية اطلعت عليها الصحيفة. 

وتشير الصحيفة إلى أن "ماكينزي" اشترت شركة استشارية سعودية ذات روابط سياسية في العام الماضي، مضيفة 140 موظفا إلى 300 من موظفيها في المنطقة، وأدى تقريرها، الذي يحدد ناقدي المملكة على الإنترنت، إلى جدل كبير، خاصة عندما نشرت تفاصيله الشهر الماضي، وبينهم الكاتب الناقد للسعودية خالد الكامي، والمعارض في كندا عمر عبد العزيز. 

ويورد التحقيق نقلا عن تقرير الشركة، قوله إن "عمر كتب عددا من التغريدات السلبية حول موضوعات تتراوح من التقشف إلى المراسيم الملكية"، أما الكامي، الذي قال الباحث التابع لـ"ماكينزي" إنه كتب "تغريدات تتعلق بالتقشف"، وقالت "ماكينزي" إن التقرير أعد للأغراض الداخلية، مشيرا إلى أنه تم إغلاق حساب شخص لم يكشف عن اسمه، ولا يعرف ماذا حدث له. 

وتفيد الصحيفة بأن الحملة كانت إشارة أولى عن الإجراءات المتطرفة التي اتخذتها الحكومة السعودية لملاحقة المعارضين، ووصلت ذروتها بقتل خاشقجي، وعبرت الشركة عن "رعبها" من فكرة استخدام  المعلومات بطريقة سيئة، لافتة إلى أن "ماكينزي" قالت في ملاحظة لموظفيها السابقين، إن الباحث الذي نشر التقرير في كانون الثاني/ يناير 2017، على النظام الداخلي للشركة، كان يهدف لإظهار الطريقة التي يمكن من خلالها متابعة طرق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. 

وبحسب التحقيق، فإن شركتي "ماكينزي" و"بوسطن غروب" أقامتا علاقات مع الأمير محمد قبل صعوده إلى السلطة، وبنى مدير "بوسطن غروب" في الشرق الأوسط يورغ هيلبردانت علاقات مع الأمير محمد في السنوات الأخيرة، وذلك بحسب شركتين لهما علاقة في المنطقة، فيما رفض هيلبردانت التعليق. 

وتبين الصحيفة أنه عندما عين الأمير محمد وزيرا للدفاع، فإن شركة "بوسطن غروب" حصلت على عقد للمساعدة في إعادة تأهيل نظام المشتريات في الوزارة، وتحسين طريقة تعاملها مع المالية والموظفين، وذلك بناء على شخصين مطلعين، مشيرة إلى أن المكتب الإعلامي في السفارة السعودية في واشنطن رفض الرد على رسائل من الصحيفة للتعليق. 

ويذكر التحقيق أن موظفين من شركتي "ماكينزي" و"بوسطن غروب" قاموا في شباط/ فبراير 2016، بمرافقة خمسة مبعوثين من الديوان الملكي، في جولة على عدد من مراكز البحث في واشنطن، وتحدثوا لخبراء الخليج فيها عن خطط محمد بن سلمان الكبرى للمملكة، فيما سجل المستشارون، الذين كانوا أكبر عددا من السعوديين، ملاحظاتهم، مشيرا إلى أن "بوسطن غروب" أدت دورا في وضع الخطط الرئيسية لرؤية ابن سلمان 2030، فيما وضعت "ماكينزي" في تقرير لها عام 2015  الخطوط العامة.

 

وتلفت الصحيفة إلى أنه عندما سألت مجلة "إيكونوميست" الأمير في عام 2016، حول خطة 4 تريليونات يحتاجها للتطوير في المملكة، فإنه تعرف على الرقم، قائلا: "هذا تقرير من ماكينزي وليس من حكومة السعودية"، وأضاف أن "(ماكينزي) ساهمت معنا في الكثير من الدراسات".

وينوه التحقيق إلى أن مؤتمر مبادرة استثمار المستقبل في الرياض، التي يدعمها الأمير محمد، كشف عن أهمية دور شركات الاستشارات، ففي الوقت الذي انسحب فيه عدد من كبار الشركات ورجال الأعمال من المؤتمر بقيت شركات الاستشارات. 

وتفيد الصحيفة بأن "ماكينزي" قادت حلقات عمل عن المال والطاقة، فيما أظهر برنامج "بوسطن غروب" أنها تدير حلقات ركزت على "الاستخبارات"، وقالت الشركة في بيان إنها تركز في عملها مع السعودية على "المساهمة الإيجابية للتحول الاجتماعي والاقتصادي"، وأشارت إلى أنها رفضت عقودا تتعارض مع هذه المبادئ، وقال متحدث باسمها إن الشركة ترفض عقودا في الجيش والاستخبارات. 

ويكشف التحقيق عن أن "بوز ألين" دربت لسنوات البحرية السعودية كجزء برنامج الحكومة الأمريكية، التي تساعد جيوش الحلفاء، وعملت الشركة مع البحرية في عمليات استخباراتية وحروب إلكترونية، وكذلك في مشاريع لوجيستية ومالية وإدارية، كما قالت عام 2012. 

وتشير الصحيفة إلى أن عددا من الجنود والضباط الأمريكيين السابقين يعملون في الشركة، ويعمل أدميرال سابق مع السعوديين في شؤون التخطيط، وهناك آخرون لديهم خبرات متعددة يمكن استخدامها لتدريب السعوديين حول كيفية فرض الحصار، وتشغيل المعدات، مثل أدوات الحروب الإلكترونية، والتدخل في رادارات العدو، لافتة إلى أن "بوز ألين" حصلت على عقد مع الجيش السعودي لمساعدته في الشؤون اللوجيستية والحفاظ على دباباته. 

وينقل التحقيق عن بيان للشركة، قولها إنها لم تدعم السعودية في اليمن، وبأنها تنسق في عملها بما يتناسب مع السياسة الخارجية الأمريكية والاتفاقيات التجارية، ولم تقل الشركة إن كان الجنود الذين تدربهم يشاركون في فرض الحصار السعودي على اليمن، إلا أن "بوز ألين" قدمت الاستشارة إلى الحكومة السعودية حول توزيع المساعدات الإنسانية في اليمن "العمليات الإنسانية الشاملة"، التي نظر إليها على أنها غير عملية، وتقوم بعرقلة عمل مؤسسات العمل الإنساني، وقالت الشركة: "لا نسيطر على خطة، أو الحصص التي يتم استخدامها".  

وتفيد الصحيفة بأنه بعد أن ساعدت "بوز ألين" الحكومة السعودية في مجال الأمن الإلكتروني، فإن الشركة بدأت بالعمل مباشرة معها لحماية وزارات الحكومة، مشيرة إلى "الهجمات المضرة للشركات في المملكة". 

وبحسب التحقيق، فإن الشركة نظمت برامج تدريبية في مجال الحاسوب، وتعليم الأشخاص على اختراق أنظمة الحاسوب، واكتشاف مكامن الضعف فيها، مستدركا بأن "بوز ألين" أنكرت أن يكون عملها مع الحكومة السعودية تضمن قرصنة أو"استخدام السايبر لأعمال هجومية"، إلا أن خبراء السايبر يقولون إن محاولات اختراق الأنظمة الإلكترونية واكتشاف ضعفها يمكن توجيهها إلى القيام برقابة على الحكومات الأخرى والمعارضين.

وتقول الصحيفة إن عمل "ماكينزي" مع السعودية مثير للجدل داخل الشركة ذاتها، فقال موظف سابق عمل في منطقة الشرق الأوسط إن اندلاع الربيع العربي جعل عددا من مستشاريها في المنطقة يناقشون أنه يجب عليها أن تفكر في الحد من نشاطاتها الاستشارية في المنطقة، لكن المستشارين البارزين، بمن فيهم شركاؤها، قالوا إن "ماكينزي" ليست في موقع من يحكم على ثقافة العملاء وقيمهم، وقالوا إن أفضل طريقة لتحسين المملكة هي من خلال تحديث الاقتصاد، والعمل على تحسين أداء وزارات الحكومة وشركاتها، لافتة إلى أنه بدلا من تخفيض مستوى عملها في المملكة، فإن "ماكينزي" ضاعفت من نشاطاتها.

 

ويورد التحقيق نقلا عن مستشار بارز عمل في المستويات العليا للحكومة السعودية، قوله إن الكثير من المستشارين الذين يعملون في السعودية يفشلون في فهم الثقافة المحلية، أو كيف تعمل الحكومات الشمولية وتستغل عملهم، وأكد كلامه بالقول إن زملاءه كانوا يتخذون الحذر بألا يتسببوا بالأذى. 

وتنقل الصحيفة عن المتحدث باسم الشركة، قوله في بيان: "نحن فخورون بسجلنا في السعودية"، مشيرا إلى نتائج صحية وخلق فرص عمل، فيما ترى المحاضرة في جامعة ميريلاند كالفيرت دبليو جونز، التي تدرس عادة عمل الشركات الاستشارية في الشرق الأوسط، أن المستشارين الذين يعملون مع الحكومات الديكتاتورية عادة ما يحاولون الحفاظ على عقودهم المربحة، وقالت جونز إنهم عادة ما يتعاملون بلين، "ويخشون من الطرد لو قالوا الحقيقة أمام السلطة اثناء تفاعلهم". 

ويذهب التحقيق إلى أن زيادة عمل شركات، مثل "ماكينزي" و"بوز ألين" و"بوسطن غروب" تنبع من حاجة ولي العهد للخبرات، حيث يدفع إلى تحديث الاقتصاد، مشيرا إلى أن اعتماده على الشركات الاستشارية عظيم، لدرجة عمل بعض المستشارين في الديوان الملكي للرد سريعا على المطالب، وذلك بحسب ثلاثة مستشارين عملوا داخل المملكة، وطلب من بعضهم التقدم بمقترحات خلال 24 ساعة أسرع من الطريقة التي يعملون فيها. 

وتلفت الصحيفة إلى أنه عادة ما يطلب ولي العهد من عدة شركات التقدم بالمقترح ذاته، ويختار مقترحا من بين الشركات المتنافسة التي تعمل معه، وقال أحدهم إنها "مثل مسابقة ملكة جمال العالم". 

 

وتختم "نيويورك تايمز" تحقيقها بالإشارة إلى أن المستشارين يعملون خمسة أيام في الأسبوع قبل السفر، ويقضون نهاية الأسبوع مع عائلاتهم، لافتة إلى أن الكثيرين منهم تضايقوا عندما طلبت منهم الحكومة العام الماضي الخروج من فندق ريتز كارلتون، فندقهم المفضل وحولته إلى سجن، قبل أن تطلق سراح المعتقلين ويعود المستشارون.

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)