أفكَار

الإسلام السياسي في تونس.. كثير من الدين قليل من السياسة

قالت بأن انفتاح التونسيين على الحضارات والثقافات جنبهم الانزلاق إلى الحرب الأهلية
قالت بأن انفتاح التونسيين على الحضارات والثقافات جنبهم الانزلاق إلى الحرب الأهلية
لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الإنتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

اليوم تقدم الكاتبة والإعلامية التونسية آسيا العتروس، قراءة جديدة في تجربة حركة "النهضة" التونسية، وتعاطيها مع الحكم ومع الانتقال الديمقراطي بعد الثورة.


الإسلام السياسي والربيع العربي.. كثير من الدين قليل من السياسة


في حديث شامل لرياض الترك المناضل اليساري السوري الملقب بشيخ المعارضة السورية، الذي نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية في 12 تشرين أول / أكتوبر الماضي، قدم الأسير السابق واللاجئ الحالي في باريس تقييما للمشهد السوري بعد نحو سبع سنوات على اندلاع الثورة الشعبية السورية. 

اعتبر الترك الذي سبق له أن تنبأ بانفجار المجتمع السوري الصامت قراءة نقدية للأخطاء والعثرات التي مرت بها سوريا منذ بداية ما سمي بالربيع العربي. وقد اعتبر رياض الترك، الذي يمثل ذاكرة المشهد السياسي السوري "أن الثورات لا تصنع بالشعارات ولكنها تصنع على الميدان والحركات".

عن أسلمة وعسكرة الثورة في سوريا

وعاد رياض الترك بالذاكرة إلى سنة 2012 عندما كانت المواجهة مع النظام قائمة، وكان لا بد من تحريك قوى الشارع بما في ذلك الإسلاميين للوقوف في وجه العنف الذي تمارسه السلطة. إلا أنه أقر في الوقت ذاته بأنه كانت هناك مخاوف على القيم الديمقراطية من إخضاعها للنظرة العنيفة للإسلاميين". 

ويذهب رياض الترك الأمين العام السابق للحزب الشعبي الديمقراطي إلى حد الإقرار بأن أسلمة الصراع في سوريا وتدخل القوى الأجنبية حول وجهة الثورة إلى حرب أهلية. وقال وفق ما نشرته لوموند بأن الأمل الذي ولد مع الثورة انطفأ منذ 2013.

اليوم يعد رياض الترك بعد إعادة تقييم للمشهد، أنه كان من الخطأ الاعتقاد أن النظام يتجه إلى السقوط وأن هذه القناعة كانت وراء الأخطاء التي ارتبطت لاحقا بالثورة في سوريا. ويمضي رياض الترك إلى الاعتراف أنه لا يتذكر بالتحديد متى تدحرجت الثورة إلى المجهول، ومتى تحولت إلى سيطرة الإخوان على المعركة المسلحة إلى مجزرة، ولكنه يقول إنه كان هناك حالة طوارئ، وكان الاعتقاد ان دعوة الإسلاميين لن يشكل بالضرورة مشكلة، وقال: "شخصيا كنت من المتحمسين إلى ذلك، وعلينا الآن الاعتراف بخطئنا عندما سكتنا عن بعض الخروقات التي اقترفتها الجماعات الإسلامية". ويعد أن الطفرة حدثت عندما تدخلت القوى الخارجية في الأزمة السورية، وسرعت بتسليح الثوار لخدمة أهدافهم. وأن هذا الأمر لم يكن لمساعدة الثورة ولكن لتشكيل قوى في الداخل في خدمة هذه القوى الخارجية، وبينها قطر وتركيا والسعودية وغيرها أيضا.

ويخلص رياض الترك إلى"أن أسلمة المعركة المحلية والتدخلات الخارجية حولت وجهة الثورة التي ستصبح حربا أهلية مزدوجة تخفي أزمة دولية بالوكالة، وبذلك انطفأ الأمل الذي ولد مع الثورة مع 2013".

الحديث عن الإسلام السياسي لا يبدأ من سوريا، ولكن ارتأينا التوقف عند تقييم شيخ المعارضين السوريين للمشهد السوري على أعتاب السنة الثامنة للثورة السورية لعدة أسباب قد لا يتسع المجال لحصرها، ولكنها مرتبطة اليوم بما آلت إليه الانتفاضة الشعبية التي تم عسكرتها، والتي حولت سوريا اليوم إلى مخبر لأحدث أنواع السلاح، ولكن أيضا إلى ساحة مفتوحة للقوى الإقليمية والدولية المتناحرة في المنطقة، التي لن يكون من المبالغة في شيء الإقرار بأنها لن تنسحب  قبل إعادة رسم المنطقة مجددا، وتحديد الخارطة بعد تفكيك سوريا وتقسيمها.

تجربة لم تُعمّر

ولو أننا توقفنا عند صعود الإسلام السياسي إلى السلطة في تونس بعد الثورة، سنجد أنه ارتبط بالتحولات المتسارعة بعد ثورة الياسمين كما اصطلح عليها العالم، وأن ما ساعد حركة "النهضة" على كسب المعركة الانتخابية بعد عودة قياداتها من العواصم الأوروبية، ارتبط بالدرجة الأولى إلى غضب وسخط التونسيين على فساد بن علي وحاشيته والصدمة التي أصابت الرأي العام، وهو يتابع التقارير عن استنزاف العائلة الحاكمة لثروات البلاد، وتفرد أصهاره بالتحكم في أكبر وأهم المؤسسات الصناعية والاقتصادية، الأمر الذي دفع بالكثير من التونسيين ممن لم يكن لهم دراية عميقة بحركة النهضة وأسسها وأهدافها إلى رفع شعار "التصويت للناس التي تخاف ربي".

والحقيقة أن تجربة "النهضة" في السلطة في إطار الترويكا بعد أول انتخابات ديمقراطية في البلاد لم تستمر طويلا، حيث لم تكن المهمة يسيرة في بلد لا يزال يعيش على وقع ثورة شعبية لا تستكين، وسرعان ما تحولت المعركة إلى معركة إيديولوجية بالأساس بين تطلعات الإسلاميين إلى القطع مع إرث بورقيبة بالأساس، وبين الحداثيين والديمقراطيين الذين انتبهوا إلى ما ستؤول إليه الصراعات الفكرية القادمة.

وقد تأكد ذلك بعد أن كادت صياغة الدستور الجديد تدفع البلاد إلى أسوا الشرور، قبل أن يتم "التوافق" على اللجوء إلى البند الأول من دستور الاستقلال تجنبا للأسوأ. 

أثر الاغتيالات السياسية
 
وقد وجب الإشارة إلى أن الاغتيالات السياسية التي استهدفت القيادي اليساري الشهيد شكري بلعيد، كانت نقطة التحول في إعادة تحديد البوصلة في تونس، ثم كانت عملية اغتيال الشهيد محمد البراهمي في ذكرى عيد الجمهورية المنعرج في كبح جماح الإسلام السياسي في تونس، وستصبح كلمة التوافق لاحقا كلمة السر التي ستجمع كل من مؤسس حركة "نداء تونس" الباجي قائد السبسي العائد لاكتساح المشهد السياسي، وبين راشد الغنوشي زعيم حركة "النهضة" على مدى السنوات الأربع الماضية، قبل أن يعلن قائد السبسي الطلاق بين الجانبين في إطار الحسابات الانتخابية المبكرة، والتناحر الحاصل بين القصبة وقرطاج ومحاولات استقطاب "النهضة" لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي يبدو أن اللعبة استهوته فعمد إلى توخي التعتيم والتكتم على طموحاته السياسية الانتخابية، في انتظار ربما أن يتضح المشهد أكثر وتزول الغيوم بشأن التحالفات القادمة.

وبالعودة إلى مستقبل الإسلام السياسي في تونس، وبالنظر إلى ما آل إليه المشهد في سوريا وليبيا وقبل ذلك في مصر، بعد تدخل الجيش لإنهاء مرحلة حكم الرئيس الإخواني محمود مرسي على يد وزير الدفاع السيسي الذي سيصبح رئيسا لمصر، فإن ما يمكن استخلاصه أن ما جنب تونس السيناريو الليبي والسوري، ليس عدم انتشار السلاح في البلاد أحد أسباب الماسي في بقية دول الربيع العربي فحسب، ولكن أيضا وهذا الأهم، في وجود مجتمع يحمل في جيناته خصوصيات المجتمع التونسي المتعلم والمنفتح على مختلف الحضارات والشعوب، وهو مجتمع لم تخترق صفوفه الطائفية والعشائرية والقبلية البغيضة، وسيكون لذلك دوره في عدم الانسياق إلى محاولة الأسلمة التي انطلقت من سيطرة السلفيين والمتطرفين على عديد المساجد، واكتساح المدارس القرآنية غير المنظمة الأحياء الشعبية، وظهور قنوات تلفزية تبث خطاب لا يخلو من التطرف والكراهية.

تراجع الإسلاميين عربيا

ولاشك أيضا أن في تراجع ورقة الإسلام السياسي في دول منطقة الربيع العربي، قد دفع حركة "النهضة" الإسلامية إلى عديد المراجعات في خطابها، حتى إنها أعلنت في مؤتمرها الأخير في الحمامات الفصل بين الدعوي والسياسي، وحاولت التسويق إلى أنها حزب مدني بالدرجة الأولى يطمح إلى أن يكون شريكا في السلطة، إلى جانب الحزب الحاكم في حينه حركة "نداء تونس"، لا أن يكون في صدارة المشهد، ويتحمل _من ثَمّ_ تداعيات المرحلة وارتداداتها.

هل سيكون للإسلام السياسي مستقبل في تونس؟ تلك مسألة تحتاج إلى إعادة تقييم عميق وشامل للتجربة التي قامت بها "النهضة" منذ خروجها من مرحلة السرية إلى مرحلة العلن، وهو تقييم يحتاج إلى الكثير من المصارحة وإلى الكثير من الصدق، لتحديد مدى اعتماد "النهضة" الفصل بين السياسي والدعوي، سواء بالنسبة للقيادات التاريخية أو القاعدة، وهي مسألة يمكن أن تكون بمنزلة البوصلة للحركة، التي ينتظرها الكثير من التحديات لإقناع شريحة واسعة من غير ناخبيها بما تروج له الحركة من تحولات في الخطاب تنتظر أن تلحقها بالأفعال. ومن ذلك إصرار زعيم حركة "النهضة" على الإشادة بالتجربة التركية، واعتباره أن الرئيس التركي أردوغان يظل عنوان  النجاح المطلوب للإسلام السياسي، بالنظر إلى ما حققه للاقتصاد التركي والتطور الحاصل في هذا البلد، وهي اعترافات تظل مبتورة لسبب بسيط، ولكنه مهم، وهو أن أردوغان الإسلامي في الخارج بقي علمانيا في الداخل.

النموذج الأردوغاني

وبرغم انتقال تركيا إلى النظام الرئاسي المطلق وتحصين أردوغان مواقعه بدستور يعزز سلطاته المطلقة، وبرغم الخطاب الإسلامي لأردوغان وإصراره على الظهور بمظهر السلطان العائد، فإن المشهد في الداخل غير ذلك. لسنا بصدد الحكم على النوايا ولا التنجيم بشأن المستقبل وبشأن ما يمكن لأردوغان التخطيط له لتغيير النمط الاجتماعي التركي، أو الانقلاب على إرث أتاتورك أب الأتراك، ولكن واقع الحال، أن أردوغان حتى الآن لم يتجرأ على محو إرث أتاتورك، أو التراجع عما خططه للأتراك بعد انهيار الامبراطورية العثمانية وإعلان الجمهورية.

هل يتنزل ذلك في إطار سياسة الاستعانة على قضاء الشؤون بالكتمان وتهيئة الأرضية في صمت لهذه الخطوة، تلك مسألة أخرى والأرجح أن الرئيس التركي سيفكر بدل المرة ألف مرة قبل الإقدام عليها لسبب بسيط، وهو أنه يعرف جيدا المجتمع التركي والرأي العام التركي، ولا يمكن أن يجازف بما يمكن أن يدفعه إلى سحب ثقته أو التشكيك في خياراته المستقبلية في تركيا العلمانية، التي تسعى لتعزيز مكانتها في الحلف الأطلسي وفرض موقعها في الاتحاد الأوروبي كعضو محتمل أو كمراقب. وتركيا التي تعد ثمانين مليون نسمة، لا يمكن لأردوغان أن يدفع بها إلى الوراء. نقول هذا الكلام ونحن نتابع المشهد التركي وما يشهده الاقتصاد التركي والصناعة التركية من تطور مثير.

يجمع الملاحظون والمتتبعون للشأن التركي، أنه بعد أن نجح الرئيس رجب طيب أردوغان في إعادة صياغة الدستور الجديد، وإلغاء النظام البرلماني وإرساء النظام الرئاسي الذي يمنحه سلطات مطلقة لحكم تركيا، فإن الرئيس التركي الذي يجاهر برفع شعار رابعة حيثما تنقل في الخارج، فإنه عمليا لم يتجرأ على إلغاء أو التخلي عن شيء من قرارات ومبادئ مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك. 

وبرغم الخطاب الإسلامي للرئيس التركي، فقد تجنب على الأقل حتى الآن المس بإرث أتاتورك أو التعرض للهوية التركية الكمالية، أو هذا على الأقل ما يبدو حتى الآن رغم كل الصلاحيات التي يمتلكها. بل على العكس من ذلك، فقد ظل أردوغان حريصا على مشاركة الأتراك إحياء ذكرى مؤسس الدولة التركية الحديثة، ومخاطبة الشعب التركي سنويا بحضور الديبلوماسيين الأجانب من ضريح أتاتورك، الذي أقيم في العاصمة أنقرة والذي يظل بعد قرن على ولادة أتاتورك مزار الأتراك من مختلف الأعمار والأجناس، فيما تحافظ مجموعة الحرس الجمهوري التركي هناك على حماية الضريح والحفاظ على تقليد الاستعراض العسكري اليومي هناك، وهو ما يتناقض مع توجهات حركة "النهضة" بعد الثورة وعودة زعيمها من المهجر، حيث كان العداء لبورقيبة نهجا معلنا قبل أن يخفت ذلك وتدرك الحركة مكانة بورقيبة عند التونسيين رغم كل محاولات الشيطنة، بل لعل في تمسك أردوغان حتى الآن بمكاسب وإرث تركيا الكمالية ما قد لا يحظى برضاء الأحزاب الإسلامية، التي تتباهى بالنموذج التركي وتدعو إلى الاقتداء به لتحقيق النهضة الاقتصادية والاجتماعية الحاصلة في هذا البلد، الذي استطاع تحقيق قفزة اقتصادية برغم تراجع الليرة في المدة الأخيرة، وتبوأ المرتبة الـ 17 ضمن أكبر اقتصاديات العالم، والمرتبة الخامسة ضمن قائمة أفضل اقتصاديات أوروبا، رغم أن تركيا لم تحظ بعد بالقبول في الاتحاد الأوروبي.

الإسلاميون والمساواة في الإرث

وحتى لا نقع في التناقضات، فقد يكون من المهم التوقف عند ثلاثة مظاهر أساسية في المشهد التركي، لا يزال إرث أتاتورك والعلمانية سيد المشهد والبوصلة في تحديد الخيارات المجتمعية وخطوط السياسة الخارجية، حتى إن إدارة الاتصال التابعة لوزارة الخارجية التركية، جعلت من مقولة أول رئيس لتركيا شعارا لها لا يمكن للزائر ألا يتوقف عنده، وهو شعار يقول إن السلام الداخلي يعني السلام في العالم "peace at home peace in the world". ورغم تداعيات الحرب الدائرة في سوريا على تركيا، فقد استطاعت تركيا الحفاظ على السلم الداخلي فيها.

طبعا لسنا في إطار البحث عن الموقف التركي من الأزمة السورية، ولا عن خيار أردوغان منذ البداية واصطفافه إلى جانب مجموعة أصدقاء سوريا، فتلك مسألة عميقة ولا تخلو من حسابات إقليمية ودولية وصراعات نفوذ وتنافس معلن في المنطقة، كان ولا يزال وراء الدمار الكبير فيها وسببا مباشرا أيضا لحالة الفراغ والانهيار الأمني، الذي عزز حضور الشبكات الإرهابية المسلحة، ولكن الأمر يتعلق بالواقع التركي الداخلي، الذي برغم التوجهات الإسلامية الواضحة والمعلنة للرئيس رجب طيب أردوغان، فإنه لم يسع لإلغاء ولا طمس ولا تقزيم أو تحقير مؤسس الجمهورية التركية على أنقاض الامبراطورية العثمانية المنهارة.

بل إن المتتبع لنمط الحياة الاجتماعية في تركيا، يلمس وفاء قد يبدو مبالغا فيه أحيانا للزعيم الراحل أتاتورك الحاضر في البرامج التربوية في المعاهد والجامعات، كما في الحفاظ على الدستور التركي والإصلاحات الاستثنائية التي تجرأ أتاتورك على فرضها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفرضها على مجتمع تغلب عليه الهوية الإسلامية وثقافة التدين إلى حد الإفراط .

بل إنه عندما راجت أنباء عن اعتزام بلدية أنقرة اقتطاع جزء من ضريح أتاتورك لبناء مساكن للعسكريين، تجند المجتمع المدني والأحزاب والجامعيون أفرادا وجماعات لرفض ذلك، معتبرين أن ضريح أتاتورك مقدس ولا يجوز المساس به. ويمكن للزائر أو السائد أن يتوقف عند الإقبال الكبير للأتراك من مختلف الانتماءات والتوجهات ومن محتلف الأجيال على زيارة ضريح أتاتورك، ومتابعة الحركات الدقيقة للحرس المرابض هناك، وعملية تغيير عناصره كل ساعة على وقع النشيد الوطني التركي. بل إن المتحف المترامي الأطراف الذي يكون جزءا من ضريح أتاتورك، يعكس إعلان قيام الجمهورية التركية على أنقاض الرجل المريض الامبراطورية العثمانية .

لقد حافظ أردوغان على مبدأ العلمانية للدولة التركية ولم يجازف بتغيير ذلك، وربما حسب حساباته ولم يشأ إثارة حساسية الحلفاء الأوروبيين، لا سيما أن بلاده عضو في الحلف الأطلسي، وليس في حسابات تركيا الساعية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الإنسحاب من الحلف.

تماما كما حافظ أردوغان على الحروف اللاتينية التي اعتمدها أتاتورك بدلا من الحروف العربية، ولم يعرف عنه ولم يسبق أن أشار إلى العودة لاعتماد حروف القرآن كبلد يضم أغلبية مسلمة.

أما النقطة التالية والأهم، فتتعلق باحترام أردوغان وتبنيه للإصلاحات التي فرضها أتاتورك في بلاده والمتعلقة خاصة بالمرأة، ويحسب لأتاتورك حرصه فرض مبدأ المساواة بين الجنسين منذ إعلانه مجلة الأحوال الشخصية في 17 شباط/فبراير 1926، الذي يشمل المساواة في الإرث، ولا يزال ساري المفعول حتى اليوم رغم أن أغلب الأحزاب الإسلامية التي تدعي الاقتداء بأردوغان، لا تتعرض إلى هذه المسألة ولا تريد التطرق إليها من قريب أو بعيد. وحتى إذا سألت أحد الأتراك مستفسرا عن المساواة في الإرث، سينظر إليك بكثير من الريبة على اعتبار أن الأمر محسوم والجدل تجاوزه الزمن منذ نحو قرن.

الإسلاميون في تونس ما زالوا غير قادرين على استيعاب الدستور الجديد الذي اشتركوا في كتابته، والذي يقر الفصل بين الدين والسياسة، لذلك فإن الديني يطغى على السياسي في الأغلب، كما أن زعيمهم التاريخي لم يتمكن بعد من إقناع القاعدة وبينها شريحة واسعة من شباب الحركة بتوجهاته الجديدة التي لا تخلو من البراغماتية.

*كاتبة وإعلامية تونسية
التعليقات (2)
عبدالوهاب
السبت، 03-11-2018 03:17 م
العنوان جذاب ولكن عند قرأة المقال يتضح لك أن السيدة لم تكتب شيئا يذكر عن ما يوحي إليه العنوان وبالتالي فهي لا أحست في الكتابة عن تجربة حركة النهضة السياسية في تونس ولا هي أحسنت في الكتابة عن غيرها من تركيا أو الثورة في سوريا, ف ويتضح لك في نهاية المطاف أنها متحمسة إلى حد التطرف لكل ما هو غير إسلامي وتمقت مقتا عميقا التجارب الإسلامية ويبدو أن السيدة آسيا العتروس مثل غيرها من العلمانيين لا تؤمن بحق الإسلاميين في حكم بلادهم أو حتى المشاركة فيه. إنه أمر مؤسف.
عماد
الجمعة، 02-11-2018 07:07 م
تعجبت من أمثال هذ الإستنتاجات لكاتبة المقال : " ... قبل أن يعلن قائد السبسي الطلاق بين الجانبين [الندى والنهضة ] في إطار الحسابات الانتخابية المبكرة" "ويمكن للزائر أو السائد أن يتوقف عند الإقبال الكبير للأتراك من مختلف الانتماءات والتوجهات ومن محتلف الأجيال على زيارة ضريح أتاتورك، ومتابعة الحركات الدقيقة للحرس المرابض هناك، ..." ! بكل اقتضب : انطلت حيلة الباجي على كاتبة المقال إنه لم يطلق نهضته بالثلاث ! لقد غفلت الكاتبة أن ما قام به أتاتورك هو مواصلة لما بدأ به الرجل المريض من تحديث، منذ هزيمته في القرم . ولكن كانت محاولة التحديث هذه بصفة رديئة لقد حاول أتاتورك أن يجعل من التركي أوروبي فانقلب السحر على الساحر ورجع الإسلام سيد الموقف. لقد غفلت الكاتبه عن ذكر من أجهض محاولات محمد علي مصر التي لم يكن فيها آنذك إسلاميين . على الكاتبة أن تفهمي أن ما سمي بالعلم الصحيح ليس له حدود أما الإجتماع والثقافي مرتبط ببيئته لكي لا تصبحي كالغراب الذي أراد تقليد مشي الحمام فنسي مشيته

خبر عاجل