قضايا وآراء

مغامرات نتنياهو في عجائب إيباك

محمد مكرم بلعاوي
1300x600
1300x600

يمكن اعتبار تصريحات بنيامين نتنياهو في مؤتمر عام 2018 للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)، المفتاح لفهم كيفية إدارة إسرائيل، فنتنياهو ليس رئيس الوزراء الأطول خدمة في بلاده فحسب، بل هو أيضا يختلف عن سابقيه بطرق عديدة، أبرزها نشأته في الولايات المتحدة وتشرّبه ثقافتها مما أثّر بعمق في شخصيته وسلوكه؛ كما أثّر على سلوكه السياسي بشكل خاص ونظرته للعالم وإدراكه لذاته.


لم يتصرف نتنياهو في خطابه أمام مجموعة الضغط الرئيسية المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، كرئيس دولة زائر، ولكن بصفته بائعًا متمرسًا حريصًا على إقناع شركائه في العمل بأنّ أموالهم تستثمر بشكل جيد وأنّ شركاتهم مزدهرة، الأمر الذي ذكّرني بالفترة الاستعماريّة عندما كانت دول بأسرها تعتبر مشاريع تجاريّة ومواطنوها عبيد. يبدو أنّ نتنياهو قد نسي أنّ الشرعية لا تقاس بنجاح الأعمال ومدى تطورك، ولو كان الأمر كذلك، لكان أدولف هتلر واحداً من أفضل القادة على الإطلاق.


حينما وقف نتنياهو على المسرح بين أصدقائه في إيباك، نسي أنّه في أمريكا وليس إسرائيل، وقال إنه لم يتمكن من رؤية الجمهور من وراء المنصة، لذلك قرّر التحرك على خشبة المسرح بحريّة، خلافاً لتوجيهات المنظمين، واحتج قائلاً، "أنا رئيس الوزراء". ربما كانت زلة اللسان هذه أحدى لحظات الحقيقة القليلة خطابه. من الواضح أنّ مستوى المودة والدفء اللذين شعر بهما نتنياهو في مؤتمر إيباك جعله يفكر للحظة بأنّه كان بالفعل أنّه بين مؤيديه في إسرائيل، ويتحدث إلى جمهور إسرائيلي.


لقد نسي أو تجاهل أنّه يتبنّى موقفاً يمينيا ًمتطرفاً، وأنّ هذه الأيديولوجية الدينية المتخلّفة ليست مما تفعله الحكومات التقدمية الحديثة. في الواقع، لقد كان في تناقض تام مع الصورة التي أراد رسمها لنفسه،فبغض النظر عن عدد تطبيقات الهاتف التي تنتجها بلدك، وعدد شركات البرمجيات التي تمتلكها، فلن يتم النظر إليها على أنّها متقدمة وهي تتبنى ايدولوجيا من هذا النوع، لأنّ التقدم، بالمقام الأول، هو حالة ذهنيّة وسلوكيّة. عندما يتبنى شخص ما أساطير الدينية ويفرضها على الآخرين بالقوة من أجل سلبهم من وطنهم وتدمير ثقافتهم، عليه ألاّ يتوقع أن ينظر إليه على أنه رئيس دولة متقدمة وحديثة ومتطورة ، بغض النظر عن أي شيء يقوله أو يفعله.

 

تجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي حقيقة أنه لا يستطيع احتكار السلطة إلى الأبد، وأنّ عطشه وسعيه إلى مزيد من القوة سيجبران الآخرين على محاكاته، خاصة الفلسطينيين والإيرانيين اللذين دأب على تهديدهم، وهذا سيؤدي في النهاية إلى تدمير إسرائيل، كما أنّه لا يبدو مدركاً أنّه ليس تراكم القوة العسكرية هو ما يجعل المرء آمنا ، وإنّما الشعور بالعدل الذي نتبنّاه، وإنهاء العداوة تجاه الآخرين.


يزعم نتنياهو أنّ إسرائيل تحمي العالم كله، وذلك بفضل "ذكائها الذي لا يضاهيه ذكاء في العالم بأسره" ولها الفضل بأنّنا نستطيع السفر بأمان. هذه الرؤية العالمية ، بالطبع، لا تأخذ في الاعتبار أنّ الناس غالباً ما يرتكبون أعمالاً إرهابية بسبب الظلم الذي يواجهونه على أيدي إسرائيل وحلفائها. في الواقع ، يمكن أنّ نكون جميعاً أكثر أمناً لو أنّ إسرائيل قد أولت اهتماماً لاحترام القانون الدولي بقدر ما توليه لتعظيم الذات.


عندما زعم أن إسرائيل لم تكن يوماً أقوى من الناحية العسكرية مما هي عليه اليوم، لم يذكر نتنياهو بأنّها تدين بذلك إلى المساعدات العسكرية والمالية الهائلة التي تحصل عليها من أمريكا، خاصة في ظل الرئيس دونالد ترامب ، الذي يسميه نتنياهو "كورش" في العصر الحديث،فإسرائيل تحصل على مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين في المساعدات العسكرية كل عام.


كما ادعى نتنياهو أنّ إسرائيل، قويّة 200 مرة فوق وزنها، في حين أنّها لا تمثّل سوى واحد بالألف من سكان العالم ، وتحصل على 20 في المائة من الاستثمار الخاص العالمي في الأمن السيبراني. يمكننا أن نتساءل كم يمثّل موظفو شركة أبل ومايكروسوفت من سكان العالم، وما نسبتهم يا ترى، وإذا ما كانت إسرائيل تعتبر كانت بمعايير الإسرائيليين ومؤيديهم، فاشلة اقتصادياً قبل أن يصل نتنياهو إلى السلطة ويتبنى مبادئ السوق الحرة؟


الإسرائيليون ، كما قال نتنياهو لـ AIPAC ، كان جيدين دائما ًبالزراعة والمياه ، فهم يعيدون تدوير 90 في المائة من مياه الصرف الصحي الخاصة بهم. على الرغم من ذلك ، لم يشر الزعيم الإسرائيلي إلى أنّ مواطنيه يقطعون أشجار الزيتون الفلسطينية التي تعود إلى قرون عديدة وينهبون موارد المياه الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. قبل بضعة أيام ، غمر المستوطنون الإسرائيليون قرية الخان الأحمر بمياه الصرف الصحي لإجبار السكان الفلسطينيين على الخروج من منازلهم. ربما كانت هذه المياه، هي نسبة الـ 10 في المائة التي فشلت إسرائيل في إعادة تدويرها؟


قال نتنياهو أنّ "إسرائيل": "تغير العالم في الهند وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وفي كل مكان." ولهذا السبب ، فإنّ الدول حريصة على إقامة علاقات دبلوماسية معها، لكنّه أغفل أنّ مشاريع الري في الهند و"إنتاج المياه من الهواء" في أفريقيا ، ليس ما يميز إسرائيل ، ولكنّه نجاحها في إنتاج وبيع الأسلحة وأدوات القتل المتطورة،كما أنّ غالبية هذه الدول لا تقيم علاقات مع إسرائيل بسبب المصالح المشتركة، ولكن بسبب الرعاية الأمريكية لإسرائيل.


يزعم نتنياهو، أيضاً، أنّ جيشه جيش متنوع عرقياً وثقافياً وأثنى على هذا التنوع باعتباره علامة على التسامح والشراكة، لكنّه نسي أن برلمانه وحكومته قد اعتمدت للتو قانون دولة القومية اليهودية العنصري،وهو يكشف أنّ إسرائيل لا تعتزّ بالتنوع، وتهتم بدرجة أقل بحقوق الإنسان.


بالنسبة لنتنياهو ، الجيد في هذا العالم هو كل ما تقوم به إسرائيل وما تمثله، والسيئ هو ما يحاول الآخرون القيام به للإضرار بإسرائيل. جلّ ما يفعله نتنياهو هو الاهتمام بصورته الخاصة، ويفعل كل ما هو ضروري للتأكد من أنّ هذه الصورة إيجابية في عيون حلفائه. الحقيقة الماثلة للعيان هي أنّ نتنياهو قد يكون بائعًا جيدًا، لكنّه ليس سياسيًا محترمًا، كما توضح مغامراته في عجائب إيباك.

المقال مترجم لـ"عربي21" عن من موقع "ميدل إيست مونيتر"

0
التعليقات (0)

خبر عاجل