كتاب عربي 21

ينبغي على الغرب دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط وبشكل جاد هذه المرة

طه أوزهان
1300x600
1300x600
في الوقت الذي تتحدث فيه الأخبار عن العثور على جثة خاشقجي ينتظر العالم ليرى ما الذي سيقدم عليه زعماؤنا من عمل.

مع ورود سيل من الأخبار حول جريمة القتل الوحشية والمروعة التي تعرض لها جمال خاشقجي، يقف العالم (تماماً كما فعل إزاء الربيع العربي) أمام خيارات صعبة: فهل سيتخلى الغرب، تارة أخرى، عن الجماهير التي تتظاهر في الشوارع، والتي كانت مطالبها قبل ثمانية أعوام تتمثل فقط في الديمقراطية والتغيير، أم أنه سيتحدى النظام السعودي ويصدح بالحق ويطالب بالعدل؟

هذا هو السؤال الأبرز والتناقض الأهم الذي تركه خاشقجي لنا. هناك تشاؤم عميق اليوم في مختلف أرجاء الشرق الأوسط وشعور بأن قتلة خاشقجي لن يدفعوا ثمن جريمتهم، وعندما يستمر الرئيس ترامب في الإصرار على قناعته بأن موت خاشقجي جاء نتيجة لخطة انحرفت عن الطريق، فإنه يصعب على المرء ألا يوافق المتشائمين.

يمكن العثور على مصدر هذا التشاؤم في العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والنظام السعودي. عندما ينظر الناس في الشرق الأوسط إلى محمد بن سلمان فإنهم يرون ترامب، وعندما ينظرون إلى السياسة الخارجية للولايات المتحدة فإنهم يرون السياسات التي تنتهجها المملكة العربية السعودية. وليس النظام السعودي في هذا استثناءً. فالناس في المنطقة بأسرها يهيمن عليها شعور بالتشاؤم. من الخليج إلى مصر وسوريا وإيران وسوريا والعراق، يقضي ما يزيد من مائتي مليون من الناس الذين يعيشون في تلك البلدان حياتهم في خضم حروب أهلية وانقلابات عسكرية وأنظمة دكتاتورية، وعمليات تطهير عرقي، وصراعات عبر الحدود.

لا نحتاج للعودة إلى ماض بعيد حتى نتذكر ما ارتكب من خيانة بحق ملايين البشر الذين خرجوا إلى الشوارع باسم الديمقراطية والعدالة قبل سبع أو ثمان سنوات، بعد عام واحد من الخطاب الذي ألقاه أوباما في القاهرة عام 2009 وأعلن فيه عن دعمه للمطالبة باحترام حقوق الإنسان الأساسية لشعوب منطقة الشرق الأوسط. تمثل جريمة قتل خاشقجي ما هو أكثر بكثير من مجرد إسكات صحفي بريء وأعزل. إنها تعني أيضاً أن الأمل في الشرق الأوسط تعرض مرة أخرى للتحطيم.

نواجه بموت خاشقجي اختباراً صعباً.

عندما ارتكب السيسي مذبحته في ميدان رابعة بالقاهرة في أغسطس / آب 2013، لم يتجاوز رد الفعل التزام الصمت. بعد هذه الجريمة الفظيعة بأسابيع قليلة فقط، قام نظام الأسد في الغوطة الشرقية بقتل الآلاف من شعبه مستخدماً الأسلحة الكيماوية، ومازلنا لا نسمع شيئاً. ليس معروفاً ما إذا كانت جريمة قتل جمال خاشقجي ستحفز على إحداث تغيير دائم في المنطقة، إلا أن الرغبة في التغيير والتحول نحو الديمقراطية ما تزال شديدة، فقد طال انتظار الناس لحدوث تغيير ذي معنى.

إلا أن الأفعال تنطق بصوت أعلى من الكلمات، فلم تمر فترة طويلة على إعلان ترامب أن النظام السعودي ما كان ليبقى على قيد الحياة لأسبوعين لولا دعم الولايات المتحدة. ولذلك فإن أول اختبار لذلك الزعم الأمريكي يتمثل في تقديم قتلة خاشقجي للعدالة. ينبغي على تركيا البدء بالعملية القضائية من خلال الكشف عن هذه الجريمة وتقديم كل ما لديها من أدلة. ما من شك في أن الرئيس أردوغان اتخذ حتى الآن خطوات جريئة، فقد مزق في خطاباته، شر ممزق، وعلى الملأ، مزاعم السعوديين بأن جمال إنما قضى نحبه في شجار نشب داخل القنصلية في إسطنبول، معلناً في تصريحات جديدة أن جريمة القتل البشعة بحقه كانت مع سبق الإصرار والترصد، ومطالباً بتحقيق مستقل داخل تركيا. وطالب المجتمع الدولي بأن يكون جزءاً من هذه العملية. والآن بات حتماً على المجتمع الدولي أن يتجاوب معه.

تجلت الحقائق منذ اللحظة الأولى لهذه الجريمة المافياوية، كما كان واضحاً أن الحكومة السعودية استغرقت في بذلك الجهود لإطالة أمد التحقيق واختلاق المعلومات، وكانت تعتمد على فرضية أن اهتمام الناس بالقضية سيصاب بالوهن مع مرور الزمن. وبينما كان لاعتراف النظام السعودي بتلك الجريمة النكراء وقع الزلزال، إلا أن إعلانه وقع على آذان صماء بالنسبة لملايين الناس في الشرق الأوسط الذين بات الاختفاء القصري والقتل وانتهاكات حقوق الإنسان بالنسبة لهم شأناً معتاداً في حياتهم اليومية.

يمثل موت جمال اختباراً حقيقياً لقدرة حكام السعودية على ركوب موجة الرأي غير الشعبي. دفعاً بعلاقات القوى المتحالفة نحو نقطة الانهيار، ناهيك عن أولئك الذين يصرحون بمعارضتهم للنظام.

يوجد بعدان لهذا الاختبار. أما الأول، فهو إلى أي مدى سينأون بأنفسهم عن أن يكونوا الامتداد الخليجي لمحور ترامب نتنياهو. وثانياً، ما إذا كانوا سيدعمون إخماد كل مطلب بريء بالتغيير اعتماداً على شهادة التأمين الإسلاموفوبية والتي تعاقدوا عليها مع واشنطن وتل أبيب. فلو لم يتم استخدام القمع الدموي في قهر مطالب الربيع العربي في التغيير في القاهرة قبل خمس سنوات ولو لم يتم قتل الأمل في سوريا لكنا الآن نتحدث عن ملكيات دستورية في الخليج أو حتى عن تحول ديمقراطي يجتاح المنطقة بأسرها. مثل هذه التغييرات هي كل ما كان يحلم به خاشقجي.

تتحمل الإدارة الأمريكية المسؤولية عن هذا الخلل. لم يتحل باراك أوباما لا بالحد الأدنى من الشجاعة ولا بأقل قدر من المستوى الأخلاقي المطلوب لإطلاق وصف انقلاب على الإطاحة العسكرية الدموية بالرئيس المصري المنتخب. ثم جاء ترامب ليسير على نفس الدرب وينهج نفس الأسلوب. فإذا لم يكن من الممكن لوم الجيش المصري على ما ارتكبه من جرائم منذ الانقلاب، فلم سيتم لوم الأمير المبتدئ في عالم السياسية الدولية على ارتكاب جريمة قتل بحق رجل واحد؟

لا نملك إلا أن نأمل بأن يكون الأمر هذه المرة مختلفاً، وخاصة أن الحساسية الدولية إزاء ما وقع في تصاعد مستمر، على النقيض مما جرى في حالة الانقلاب المصري. لقد خرج المارد من القنينة ولا يملك أحد، لا السعوديون ولا الأمريكان، القدرة على إعادته إليها.

وإذ يحاول ترامب مسايرة الرواية السخيفة التي خرجت بها الرياض للتغطية على ما جرى ولفلفة الموضوع، فإنه يستدعي بذلك تسليط مزيد من الضوء على تورطه مع السعوديين وبذلك تتزايد الضغوط التي تمارس على الطرفين. وعاجلاً ما سيدرك ترامب ومحمد بن سلمان أن بوليصة التأمين التجارية بقيمة 110 مليار دولار لن تكفي للتغطية على إزهاق حياة جمال، وسوف يجدون أن هذا القرار "باهظ الثمن" سيستدير وينقض عليهم من حيث لم يحتسبوا أو يتصوروا.
0
التعليقات (0)