مقالات مختارة

مصالحة التاريخ

عاصم منصور
1300x600
1300x600

 أحيا المسلمون من أتباع المذهب الزيدي أواخر الشهر المحرم ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي بن الحسين الذي استشهد في القرن الثاني الهجري في ثورته ضد  الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.

 

وبالرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها شمال اليمن حيث ينتشر أتباع هذا المذهب، فقد امتدت الأنشطة والفعاليات زمانا ومكانا وخطابا ما أظهر استمرار نمو حالة من التغير والتموضع المذهبي والسياسي في جنوب جزيرة العرب، خصوصا إذا ما أضفنا إلى ذلك ما سبقه بأيام من طريقة إحياء ذكرى كربلاء.


وأخذت المظاهر والفعاليات والخطابات التي رافقت إحياء المناسبة طابعا يماهي الطريقة التي اعتاد أن يحيي بها الشيعة الإمامية المناسبات المتعلقة بآل البيت الكرام، وربط هذه الأحداث وتاريخ آل البيت بالصراعات السياسية والقضايا العامة الراهنة وهذه مظاهر لم يعهدها المجتمع الزيدي في اليمن عبر تاريخه الطويل.

 

بالإضافة إلى الاحتفال بيوم الغدير، ومناسبات ولادة آل البيت، فضلا عن تنظيم مسيرات عاشوراء.  أظهرت هذه الوقائع  مدى الاستقطاب المذهبي في الأمة بشكل عام، والنزوع إلى المزيد من التخندق المذهبي–من جهات متعددة- وعلى حساب الهويات الإسلامية والعربية والوطنية التي يمكن أن تجمع شتات شعب مثل الشعب اليمني.

لقد كان لرواية التاريخ بروح مذهبية، والاستمرار بقراءته قراءة مؤدلجة وانتقائية حتى يومنا هذا دور كبير في إطفاء جذوة الإمة وتراجعها

عرف المذهب الزيدي في اليمن بوسطيته واعتداله بين المذاهب، وحظي فقهه بقبول من مختلف المذاهب، فالزيدية يتبعون مذهب الإمام أبي حنيفة في الفقه، وفكرهم  في مسائل الإمامة معتدل.

 

وقد كان يمكن لهذا الفكر أن يحظى بمزيد من القبول والاعتبار في ظل الحاجة إلى  التوسط والاعتدال وما يجمع شعوب المنطقة في ظل تمدد الهويات المذهبية المتطاحنة، ولكن يبدو أن الأظهر هو مزيد من الانغماس في التاريخ وفقهه وصراعاته.


لطالما كانت الصراعات والانقسامات وسفك الدماء في تاريخ الأمم تتمحور حول السياسة والحكم -والأمة الإسلامية ليست استثناء من هذا التعميم- .

 

فكما قال الشهرستاني "ما سُل سيف ولا سفك دم في تاريخ الأمة كما سُل وسفك بسبب الإمامة" أي الحكم والسياسة، فالوقائع الكارثية التي جرت أحداثها في  سنوات "فجر الإسلام" وقرونه الأول بقيت حية في نفوس الأمة مثل جرح لا يندمل، ويثيره أي عارض ليكون هذا التاريخ هوية ويكون فقهه دينا وتعيش الأمة في أسار التاريخ ولا تظهر إرادة للانفكاك منه.

 

فلو نظرنا إلى تلك الحادثات ضمن سياق زمانها ومكانها وأهلها، وكان حكمنا عليها عادلا وموضوعيا لرأينا فيها عبرة وعظة لنا لنبتعد عن التعصب الذي يحول دون توظيف التضحيات الهائلة والخبرة التاريخية في التطوير والتحصين.


لقد كان لرواية التاريخ بروح مذهبية، والاستمرار بقراءته قراءة مؤدلجة وانتقائية حتى يومنا هذا دور كبير في إطفاء جذوة الإمة وتراجعها، فلم تعد قادرة على تقديم اجتهاد جديد أو فكر متجدد في مختلف المعارف الإنسانية لتعالج به أوضاعها الدينية والدنيوية، فوقعت في أسار التاريخ.


لقد ثار زيد بن علي كما ثار جده الحسين بن علي من قبل وتعرضوا لأسنة الرماح وحد السيوف، ولم يكن ذلك إلا لإصلاح حال أمة جدهما عليه الصلاة والسلام وإعادتها إلى الجادة ورفع الظلم عنها.

 

لأجل ذلك تروي كتب الزيدية صلات وتناصح بين الخليفة عمر بن عبد العزيز والإمام زيد بن علي. ويظل العدل وصلاح الحكم العلاج الأنجع للفتنة والفرقة وسفك الدماء.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل