قضايا وآراء

متاهات المصالح الإقليمية والدولية في سوريا

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600
موقعها الجيوسياسي جعل منها معبرا استراتيجيا؛ لا بد منه لمن يريد الهيمنة على مفاتيح ودهاليز قضايا المنطقة. ولذلك، سرعان ما وقعت البلاد بعد الثورة في قلب نزاع جيواستراتيجي واسع ومعقد؛ يصعب تحديد معالم التداخل / التخارج فيه بين المصالح الإقليمية والدولية.

أدت الثورة السورية في البداية إلى ظهور تصدع ثنائي واضح في المواقف الإقليمية والدولية، بين محورين رئيسيين: الأول يؤيد الثورة والثاني يؤيد النظام.

لكن بعد سنوات قليلة من الثورة ونشوء مخاطر جديدة، حدث تغير كبير في خارطة التحالفات المحلية والإقليمية والدولية، على الرغم من بقاء المحورين الرئيسيين (المؤيد والمعارض) للنظام قائمين.

تباينت الأهداف الجزئية داخل كل محور، ونجم عنها اصطفافات مؤقتة وأخرى أكثر ديمومة، بحيث أصبح من الصعوبة بمكان تحديد بوصلة التحالفات وتحديد وجهة الصراع.

بين أطراف الأزمة الإقليميين والدوليين تباينات كبيرة، لكن بينها تقاطعات سياسية، وبين حلفاء المعارضة تفاهمات واسعة، لكن بينهم خلافات عميقة أيضا، وهذا الواقع أفرزته حدة التباينات بين مختلف الأطراف، إن على صعيد الأهداف القريبة والبعيدة، أو على صعيد الآليات والوسائل الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف. 

قراءة بسيطة لتطورات النزاع الدولي في سوريا تكشف هذه التناقضات، خصوصا ما جرى في الأشهر الأخيرة. فقد تنوعت التحالفات بقدر تنوع الأهداف، وأضحى من الصعوبة بمكان اعتماد معادلة التحالفات القديمة التي ترسخت خلال السنوات السابقة.

تلاقت المصالح الروسية - الأمريكية في عدم إسقاط النظام بالقوة العسكرية، سواء أكان من الداخل أم من الخارج.

على المستوى الأمريكي، هناك خشية من انهيار الدولة ومؤسساتها، كما جرى في العراق بُعيد الغزو الأمريكي، وإلى حد ما في ليبيا، الأمر الذي قد يؤدي إلى حرب طائفية وربما إثنية، سرعان ما تتجاوز الحدود الجغرافية السورية.

وعلى المستوى الروسي، هناك خشية من سقوط أهم حليف في المنطقة، وخسارة الورقة الاستراتيجية الكبرى خارج حدودها الإقليمية.

كما تلاقت المصالح الروسية - الأمريكية في ضرورة إضعاف فصائل المعارضة وقطع شرايين الدعم الإقليمي المتعدد، وحصر المعارضة المسلحة في بقعة جغرافية واحدة وتحت هيمنة دولة واحدة.

هذه الأهداف المشتركة جعلت واشنطن لا تغض الطرف عن التدخل العسكري الروسي في سوريا فحسب، بل تمارس أيضا ضغوطا قوية على حلفائها الإقليميين لتغيير استراتيجيتهم، فقد أصبح هؤلاء أكثر تهديدا للمخططات الأمريكية في سوريا.

لكن التفاهم الأمريكي - الروسي هذا دونه خلافات كبيرة؛ بين طرف يريد إعادة إنتاج النظام وفق تغيرات شكلية تحافظ على بنيته وتمنع وصول شخوص من شأنهم أن يكونوا أقرب إلى الغرب، وبين طرف يسعى إلى إحداث تغيرات في بينة الحكم على المستوى البعيد، ويمنح فرصة لشخوص المشاركة في السلطة تكون علاقتهم مع الغرب معقولة.

الخلاف على شكل وطبيعة الحل من جهة وموقع سوريا الاستراتيجي من جهة ثانية، وعدم امتلاك كل دولة كل أوراق الضغط اللازمة من جهة ثالثة، جعل كل طرف يوسع من مروحة تحالفاته المحلية والإقليمية.

بدأت واشنطن - بعد تردد - بالعودة إلى تنسيق تفاهماتها مع الدول الأوروبية الفاعلة، في وقت بدأت توسع تفاهماتها مع الدول الإقليمية لتشمل مصر.

أما روسيا، فقد وجدت نفسها مضطرة إلى تقديم ثلاثة تنازلات مهمة لتركيا (منطقة درع الفرات، عفرين، اتفاق إدلب المؤقت)، في حين قامت الأخيرة بتخفيف حدة استراتيجيتها حيال النظام السوري، إن كان على المستوى العسكري أو المستوى السياسي.

وهكذا نشأ تحالف استراتيجي بين الدولتين فرضته تطورات الأوضاع في سوريا، فيما حاولت طهران ودمشق ضرب هذا التحالف كما جرى في عفرين، وكما يجري الآن في إدلب.

وعليه أصبح المشهد كالتالي، روسيا الداعمة للنظام تجري تفاهمات مع المعارضة والطرف الداعم لهم، في حين تمنع تركيا المعارضة من محاربة النظام، والقبول بمسارات سياسية لا تتوافق مع الشرعة الدولية بقدر ما تتوافق مع متطلبات المصلحة الثنائية.

لم يقتصر هذا التباين على تركيا، فقد أقامت روسيا تفاهمات قوية مع إسرائيل سمحت للأخيرة بحرية الحركة في الأجواء السورية لمدة ثلاثة أعوام، وضرب أهداف إيرانية وأهداف تابعة للنظام.

المقاربة الإقليمية - الدولية تقوم على التالي: تركيا المعارضة للنظام السوري هي جزء رئيس من المحور الروسي الإيراني، بل هي أعطت هذا المحور ومسار أستانة قوته وشرعيته، وإيران الداعم الراديكالي لدمشق هي جزء من المشكلة التي تواجهها كل من موسكو وواشنطن.

وبهذا أصبح الحليف الاستراتيجي (إيران) جزءا من المشكلة بالنسبة لروسيا، في حين أصبح الحليف المؤقت (تركيا) جزءا من الحل.
التعليقات (0)