قضايا وآراء

يمن آخر على شاطئ المتوسط... كيف ولماذا؟

ماجد عزام
1300x600
1300x600
حذرت صحيفة "هآرتس" الأسبوع الماضي من إمكانية تحوّل غزة إلى يمن آخر على شاطئ المتوسط. الصحيفة الإسرائيلية أشارت إلى استفحال الأزمة في القطاع المحاصر، واحتمال تطورها (كما جرى في اليمن) إلى كارثة إنسانية دون اكتراث أو ردّ فعل ملائم من المجتمع الدولي.

يجب أن نتذكر أن اليمن السعيد سابقاً والعزيز دائماً؛ لم يعان فقط من أخطاء قصر نظر وفقدان الرؤية والتصور لدى التحالف العربي، وإنما قبل ذلك بكثير، فقد حوّل الديكتاتور الشاويش علي عبد الله صالح البلد إلى دولة فاشلة، حتى قبل الثورة التي خلقت الأمل في إمكانية إعادة بنائه مرة أخرى على أسس سليمة؛ بالتفاهم بين مكونات المجتمع اليمني المختلفة، والتوافق في مؤتمر الحوار الوطني على آليات دستورية سياسية واضحة وواقعية وقابلة للتطبيق. غير أن انقلاب الحشد الحوثي مع فلول الشاويش صالح أجهض الأمل، وأعاد الأمور إلى نقطة البداية، قبل أن يتدخل التحالف العربي عسكرياً، ولكن بدون تصوّر أو رؤية سياسية واضحة، ربما عن سبق إصرار وترصد لبعض أطرافه الساعية لنهب ثروات ومقدرات اليمن، وإبقائه ضعيفاً مشتتاً منقسماً وغير قادر على التعافي والنهوض. والنتيجة كانت الكارثة الإنسانية الحالية، بما فيها المجاعة انتشار الأمراض والأوبئة، وانسداد الآفاق أمام الحل أو الحلول على المستويات السياسية الاقتصادية الاجتماعية والإنسانية، دون ردّ فعل ملائم من المجتمع الدولي غير المكترث في الحقيقة.

"هآرتس"، الصحيفة اليسارية بالمعنى الإسرائيلي، طبعاً والتي تدعو دائماً إلى قيام دولة فلسطينية وفق حلّ الدولتين والاتفاقيات والقرارات ذات الصلة، والتي تتحدث دائماً عن الأزمة الإنسانية في غزة، تطالب بالتدخل لمنع تفاقم الأزمة. وهي حذّرت من سيرورة تحول غزة إلى يمن آخر على شاطئ المتوسط بنفس المعنى السابق، أي أزمة إنسانية تتحول ببطء مع الوقت إلى كارثة دون عمل جدّي وفعّال لحلّها.

الحقيقة أن ثمة تشابها، ولو في السياق العام، بين غزة واليمن، حيث كانت السلطة استنساخا فلسطينيا لمنظومة الاستبداد والفساد العربية التي قاد الشاويش صالح لعقود النسخة اليمنية منها، وهي فشلت منذ قيامها في تأسيس كيان جدي قادر وقابل للتطور إلى دولة (قبلت باتفاقيات مجحفة مع الاحتلال وتصورت أنها قادرة بالفهلوة على تجاوزها والانفكاك منها)، حيث غابت الشفافية النزاهة المحاسبة وآليات الحكم الرشيد. والنتيجة، أنها - أي السلطة - عجزت عن بناء مؤسسات وأطر شفافة وراسخة، وعجزت عن بناء اقتصاد حقيقي وقويّ يستفيد من الطاقات الهائلة والكامنة لدى الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، كما من المساعدات الهائلة التي تم ضخها، وهي كانت فاشلة وعاجزة حتى قبل الانقسام والاقتتال أو الحرب الأهلية التي عشناها في العام 2007.

الحرب الأهلية استمرت بعد ذلك بأشكال مختلفة، والانقسام طال أكثر من اللازم وتجاوز العشر سنوات، وهو ما انعكس على كافة مناحي الحياة الفلسطينية، السياسية الاقتصادية الاجتماعية، تحديداً في غزة. وكما اليمن تماماً، بعد فترة من الوساطات والجهود العربية الإقليمية تم ترك الفلسطينيين لأنفسهم ومصيرهم، فتعمّقت الأزمة الإنسانية في غزة، وهي الآن بصدد التحول إلى كارثة، علماً أن الأمم المتحدة توقعت أن تتحول غزة إلى مكان غير صالح للحياة في العام 2020، وثمة تقديرات أممية ترى أن الواقعة قد وقعت فعلاً، وأصبحت غزة كذلك حتى قبل عامين من التاريخ المتوقع.

منذ الاقتتال والانقسام عانت غزة من حصار مركّب قاس صارم غير شرعي وغير إنساني، بدأ ثنائيا، إسرائيليا مصريا، بحجة الضغط على حماس لإضعافها وإجبارها على تقديم التنازلات. وفي السياق طبعاً إلهاء وإشغال غزة بنفسها، ثم تطور الأمر مع دخول السلطة الفلسطينية نفسها على خط الحصار، وفرضها عقوبات قاسية على الغزيين، بما في ذلك أعضاء وأنصار السلطة نفسها لإجبار حماس على الاستسلام للسلطة وشروطها، أو دفع الناس للانتفاضة والثورة ضد الحركة الإسلامية، والنتيجة كانت مزيدا من التدهور في الأوضاع الإنسانية، ووصول غزة نفسها إلى حافة الهاوية، كما يقول دائماً المبعوث الأممي ميلادينوف.

خلال هذه المدة، اندلعت أيضاً ثلاث حروب بين حماس وإسرائيل في غزة ومحيطها، وأدت إلى دمار هائل على كافة المستويات، ليس فقط في البنى التحتية، إنما في كافة مناحي الحياة. وهي عجزت عن تغيير الواقع، برفع أو حتى تخفيف الحصار، على الرغم كل الوعود والخطط والمؤتمرات (تماماً مثل اليمن)، لم تجر إعادة إعمار جدية للبنى التحتية المؤسسات والمرافق المدمرة، ولم يتم بناء بيوت لمن هم في العراء (عددهم 100 ألف تقريباً)، ناهيك طبعاً عن الخسائر البشرية الهائلة للآلاف بين شهيد جريح وآلاف، وربما عشرات آلاف الأيتام والأرامل وذوي الإعاقات والاحتياجات الخاصة.

العودة المصرية للوساطة بين فتح وحماس في الشهور الأخيرة من أجل إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة، وبين حماس وإسرائيل من أجل التوصل إلى هدنة دائمة بكل استحقاقاتها، بما في ذلك رفع الحصار، وإعادة الإعمار، وبناء وتشغيل المطار والميناء، وتنفيذ عملية تبادل للأسرى؛ كانت بمثابة الفرصة الأخيرة. ورغم الأهداف المصلحية الضيقة المريبة، وحتى المشبوهة للنظام المصري، إلا أن جهوده وصلت إلى طريق مسدود بسبب تعنت الاحتلال وشروطه المجحفة، وربط كل شيء بصفقة تبادل الأسرى مع حماس، كما بسبب تشدد الرئيس محمود عباس وإصراره على فرض شروطه وما يشبه الاستسلام على حركة حماس، والتهديد بالتخلي التام عن مسؤولياته تجاه غزة وأهلها، كما تهديده بحلّ السلطة نفسها وإلقاء المفاتيح باتجاه القاهرة وتل أبيب، وإلقاء كامل المسؤولية على عاتقهما.

مع فشل جهود المصالحة والهدنةالأخيرة زادت المعاناة خاصة مع مسيرة العودة وما تركته من مئات الشهداء آلاف الجرحى والمعوقين، كما تعمقت الأزمة الإنسانية أكثر وهي الآن تكاد تلامس حدود الكارثة فعلاً، كما قالت صحيفة "هآرتس".

الخطة الأممية الأخيرة المدعومة قطرياً ومصرياً وإسرائيلياً لإدخال الوقود لمحطة توليد الكهرباء وتحفيف أزمتها الخانقة، ورغم معارضة السلطة الشرسة وغير المبررة لها، لا تمثل أكثر من مسكن لمشاكل وأزمات غزة المستعصية، ولن تؤدي سوى إلى تحسين طفيف في حياة الناس، دون أن ينعكس ذلك على جوانب حياتهم المعيشية الأخرى في التعليم والصحة والسكن والتنقل وخلافه.

عموماً، إذا ما استمرت ذهنية المسكن والعلاج الجزئي المتبعة حالياً، ومع استبعاد إسرائيل وحماس لخيار الحرب، التي وإن وقعت دون إرادتهم، فلن تؤدي إلى تغيير جذري في الواقع الحالي، وستنتهي عن النقطة التي تقف الأطراف عندها الآن، ما يعني للأسف، وفي كل الأحوال، استمرار المعاناة والموت البطيء لغزة وأهلها، وتطور الأزمة إلى كارثة إنسانية، وتحول غزة مع الوقت إلى يمن آخر، تماماً حسب التوقع السوداوي لهآرتس.
التعليقات (0)