مقالات مختارة

تهديدات جوفاء!!

أسامة عجاج
1300x600
1300x600

قد تكون الأزمة التي أثارها الفيديو الشهير للواء المتقاعد خليفة حفتر، والتي هدد فيها الجزائر بنقل الحرب إلى أراضيها قد هدأت، في ظل رغبة الطرفين في عدم التصعيد، ولكن الرسائل المتبادلة بينهما وصلت، وهي أبداً لا تخفي مشاعر غياب الثقة المتبادلة بين الطرفين، والتعامل الجزائري مع حفتر باعتباره أمراً واقعاً، وطرفاً من أطراف الصراع في ليبيا، دون أي اعتراف بما يحاول تسويقه، بأنه يمثّل حل الأزمة الليبية، أو أنه القادر حتى على توحيد الجيش الليبي، ويبدو أن جماعة حفتر قد فوجئوا بظهور مقطع الفيديو على قناة الجزيرة، الذي يقف فيه حفتر وسط مجموعة من مؤيديه، مهدداً فيه الجزائر بالدخول معها في حرب بحجة استغلالها الأوضاع الأمنية بليبيا، وإمكانية نقل الحرب في لحظات إلى الحدود الجزائرية، نتيجة تجاوز جنود جزائريين الحدود الليبية.


زاد من تداعيات الأزمة، حديث حفتر عن اعتذار رسمي جزائري تم تقديمه إليه، ويبقى الحادث في مجمله مبهماً، فلم يوضح أي من الجانبين، تواريخ محددة لدخول القوات الجزائرية، أو حتى تاريخ حديث حفتر نفسه، وهذا لا يمنع أنه خلق أزمة بين الجانبين. 


والوقائع تشير إلى مسارعة جماعة حفتر بالتخفيف من وقع التصريحات، وذلك على لسان المتحدث باسم قواته العقيد أحمد المسماري، والذي أكد في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، «أن الليبيين والجزائريين أشقاء في خندق واحد، وتربطهم علاقات سياسية واجتماعية»، وبيَّن أن قواتهم اكتشفت دخول بعض عناصر الجيش الجزائري إلى الأراضي الليبية، وبعد التواصل مع السلطات تبين دخول عناصر من قوات الدرك الجزائرية بالخطأ، بل حاول حفتر عبر مسؤول الإعلام في مكتبه خليفة العبيدي، نفي المسألة بأكملها.


حكومة التوافق الوطني في طرابلس -من جانبها- حاولت خلق مسافة بينها وبين مواقف حفتر، عبر الاتصال الذي تم بين وزيري الخارجية الجزائري عبدالقادر مساهل ونظيره الليبي محمد الطاهر سيالة، حيث استنكر فيها الأخير تصريحات حفتر، وأكد الطاهر أن تهديدات حفتر «غير مسؤولة»، مؤكداً «تمسُّك بلاده بالعلاقات الأخوية والتاريخية مع الجزائر»، وطمأن مساهل نظيره الليبي بأنه ليس بإمكان أي تصريح كان ومن أي نوع، المساس بالعلاقات القوية والأخوية بين البلدين.


تصريحات حفتر الأخيرة، تذكّر بأخرى سابقة باستهداف الجزائر، بدأت أثناء الانتفاضة على القذافي، عندما اتهم حفتر الجزائر بتوفير ميليشيات مسلحة تدعم القذافي، في جهوده للقضاء على الانتفاضة الشعبية ضده عام 2011، كما أن أي تحرك جزائري باتجاه الأزمة يثير حساسية لدى جماعة حفتر، حيث سبق لأنصاره في مجلس النواب إصدار بيان رفضوا فيه الزيارة التي قام بها عبدالقادر مساهل في مايو 2017، لأوباري وغات والزنتان وسبها، ووصفوها بأنها تدخُّل في الشأن الليبي، كما أن الجزائر تأخرت كثيراً في استقبال حفتر أو التعامل معه، على عكس دول عديدة، وكان هذا في ديسمبر 2016، واستقبلته كشخصية ليبية، وليس قائداً للجيش الليبي، ويقال إنها اشترطت عليه عدم ارتداء الزي العسكري أثناء الزيارة، كما استقبلت غريمه قائد عملية «البنيان المرصوص»، فهي تتعامل مع كيانات رسمية مثل مجلس النواب أو مجلس الدولة وحكومة المجلس الرئاسي. 


ويبدو الموقف الجزائري من الأزمة لا يروق لحفتر ولا لجهات أخرى، قد تكون وفرت له معلومات وصوراً حول اختراق الجنود الجزائريين على سبيل الخطأ للحدود المشتركة، ودفعته إلى مثل هذا التهديد، نظراً لتحفظ حفتر ومن وراءه على مواقف الجزائر من الأزمة الليبية، الذي يدعو إلى وقف القتال الدائر بين جميع الأطراف المتنازعة في ليبيا، وعدم الوقوف إلى جانب أي فصيل من الفصائل المتنازعة، بل عملت منذ بداية الأحداث على الوصول إلى تسوية سلمية للأزمة، ورفض دعوى البعض لإقصاء الإسلاميين أو حتى أنصار القذافي من أية مباحثات حول تسوية الأزمة، كما ترفض الجزائر التدخلات الأجنبية وتقسيم ليبيا، كما أن الهجوم على الجزائر قد يكون تغطية على الإخفاقات السياسية والعسكرية لحفتر في الآونة الأخيرة، التي فقد فيها الزخم الذي كان عليه في الفترة الماضية، بعد تجميد جهود توحيد المؤسسة العسكرية أو حسم الصراع لصالحه، والبلاد على أعتاب انتخابات رئاسية تبدو فرصه فيها محدودة تماما.

عن العرب القطرية

0
التعليقات (0)