قضايا وآراء

ترامب ينقل صراعه مع إيران إلى الأمم المتحدة

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600
شكلت إيران خلال العقود الأربعة الماضية أحد المواضيع الرئيسة للسياسة الخارجية الأمريكية وباستثناء فترات زمنية في ثمانينيات القرن المنصرم، كانت تحتل إيران موقعا موازيا ومتساويا بين الأولويات والقضايا الخارجية الرئيسة للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها تحولت إلى الموضوع الأهم والأولوية القصوى لإدارة ترامب، يليها أهمية ملف كوريا الشمالية، والصراع في فلسطين، والعلاقات مع روسيا، والخلافات التجارية مع كل من الصين وأوروبا.

من هذا المنطلق، جاء إعلان نيكي هيلي المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة في الرابع من أيلول/سبتمبر الحالي أن الرئيس دونالد ترامب سيرأس اجتماعا لمجلس الأمن الدولي بشأن إيران في السادس والعشرين من الشهر الجاري، مستغلا بذلك الرئاسة الدورية للولايات المتحدة لهذا المجلس، وذلك بالتزامن مع اجتماعات الدورة الـ 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. 

فضلا عن ذلك، يفترض أن يتناول الرئيس الأمريكي الشأن الإيراني أيضا في كلمته بالجمعية العامة أمام التجمع السنوي لزعماء العالم، وربما بلغة أكثر عنفا وتشنجا مقارنة بالعام الماضي، وخاصة بعد أن كان قد رفض نظيره الإيراني حسن روحاني الالتقاء به على هامش اجتماعات الجمعية في ظل حظر إجراء أي حوار وتفاوض مع واشنطن من قبل قائد الثورة، وهو موقف على الأغلب يثير غضب ترامب ذي الشخصية النرجسية. 

ليس غريبا أن يهاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران ويوجه لها انتقادات واتهامات حادة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد اعتاد أسلافه من الرؤساء الأمريكيين على ذلك خلال الاجتماعات السنوية للجمعية الأممية، ولو بدرجات وأشكال مختلفة، أما أن تطلب واشنطن اجتماعا خاصا حول إيران لمجلس الأمن، يترأسه رئيسها فيُعد إجراء قلّما حدث، ويؤكد دخول التصعيد الأمريكي ضد إيران في مرحلة جديدة، وأن الإدارة الأمريكية الحالية بصدد نقل المعركة ضد إيران إلى الأروقة الأممية.

إجماع دولي مطلوب

بغض النظر عن الأسباب الداخلية التي تدفع ترامب إلى هذا التصعيد في ظل قرب موعد الانتخابات التكميلية للكونغرس، وكذلك تصاعد أزمته الداخلية بعد اعترافات محاميه السابق مايكل كوهين وإدانة بول مانافورت مدير حملته الانتخابية، فإن الرئيس الأمريكي يسعى إلى توظيف واستغلال هذين المنبرين الدوليين أي الجمعية العامة ومجلس الأمن لخلق إجماع عالمي، وتكثيف الضغوط على طهران في إطار الاستراتيجية الجديدة التي كشف عنها وزير خارجيته مايك بومبيو في أيار/ مايو الماضي.

بيدا أن الإدارة الأمريكية بحاجة ماسة إلى مثل هذا الإجماع، تحقيقا لوعدها القاضي بفرض أقسى عقوبات في التاريخ على إيران، فدون ذلك لا يمكن لهذا الوعد أن يرى النور. وبالرغم من أن العقوبات الأمريكية فعلت مفعولها إلا أنها ليست مسنودة بقرارات أممية ملزمة على جميع الدول، بالتالي من الصعب أن تحمل صفة "التاريخية"، فالدعم الأعوج والمبتور الذي يقدمه بقية شركاء الاتفاق النووي لهذا الاتفاق، رغم فشله اقتصاديا في تمكين طهران من جني المكاسب التجارية المتوخاة والمستهدفة إلا أنه على الأقل حال سياسيا دون تشكيل إجماع سياسي عالمي ضدها. وعلى إثره لا يمكن تفعيل ستة قرارات صادرة من مجلس الأمن فرضت عقوبات أممية ملزمة على إيران، أوقفها القرار رقم 2231 الذي أقره المجلس بموجب الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة 1+5 في تموز/ يوليو 2015.

مات سريريّا

 في ظل بقاء إيران في الاتفاق النووي الذي دخل في حالة موت سريري، والصراعات السياسية والتجارية للولايات المتحدة مع كل من أوروبا، والصين، وروسيا وتركيا، أصبح خلق إجماع دولي ضد إيران بعيد المنال في الوقت الحاضر، وهو سيكون تحصيل حاصل غداة خروج إيران من هذا الاتفاق، ولعل هذا يشكل الدافع الأساسي لديها للبقاء فيه. 

ومن جانب آخر، بغية إعلان واشنطن تشكيل اجتماع لمجلس الأمن برئاسة ترامب، تحدثت مصادر إيرانية عن إمكانية أن يحضر الرئيس روحاني هذا الاجتماع للرد على كلمة الرئيس الأمريكي مباشرة، وعدم إعطاء الفرصة له لكي يقول ما يشاء دون أن يلقى ردا، لكن تحولت هذه القضية إلى خلاف سياسي في الداخل الإيراني، حيث يرى أنصار الرئيس من الإصلاحيين والمعتدلين في مشاركته بالاجتماع ضرورة لفضح نظيره الأمريكي قانونيا وسياسيا بعد انسحابه من الاتفاق النووي، وتحويل هذا الاجتماع الأممي إلى جلسة مساءلة له، وفي المقابل، يرفض خصوم الرئيس من المحافظين ذلك، مؤكدين أن هذه المشاركة تشرعن الاجتماع كونه يأتي تحت رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.

حسابات إيرانية

حتى الآن لم تقرر الحكومة الإيرانية إن كان الرئيس روحاني بنفسه سيشارك في اجتماع مجلس الأمن أو يوفد وزير خارجيته أو يمتنع كلاهما عن الحضور، وخاصة في ظل تسرب أنباء عن احتمال مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فإن صحت تلك الأنباء وشارك الأخير فعلى الأغلب يتم ذلك بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية وربما بطلب منها للحيلولة دون مشاركة إيرانية، ما يعطي الفرصة لترامب كاملة ليأخذ راحته في تأليب أعضاء مجلس الأمن والرأي العام العالمي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. 

كما ذكر آنفا، من الصعب بمكان أن يتمكن ترامب في هذه الاجتماعات الأممية من إيجاد اجماع دولي ضد إيران في ظل المعطيات الراهنة، كما فعل ذلك سلفه باراك أوباما قبل التوصل إلى الاتفاق النووي، والذي انعكس في عقوبات أممية بموجب ستة قرارات صادرة من مجلس الأمن. مع ذلك فإن هذه الضغوط الأمريكية المتصاعدة وهذا التصعيد المتدرج، ستؤدي إلى مزيد من التراجع في علاقات الدول التجارية مع طهران وقيمة الريال الإيراني وارتفاع أسعار العملات الأجنبية وخاصة الدولار. 

ومن جانب آخر، فإنه إذا قرر الرئيس الإيراني حسن روحاني المشاركة في اجتماع زعماء الدول الأعضاء في مجلس الأمن، فإن من شأن ذلك أن يحرج نظيره الأمريكي سياسيا وقانونيا في ما يتصل بانسحابه من الاتفاق النووي، لكن هذا الإحراج لا يشكل دافعا لدى الدول والشركات العالمية لعدم الرضوخ للعقوبات الأمريكية ضد إيران، لأن العامل المتحكم هنا هو المصالح الاقتصادية التي لا يمكن التضحية بها لقاء أمور وقضايا سياسية ولو كانت محقة.
التعليقات (0)