كتاب عربي 21

الأزمة السورية وخارطة طريق المعارضة التركية

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
طالب رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو؛ رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، بالتفاوض مع النظام السوري، مدَّعيا أن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الجلوس على طاولة الحوار مع بشار الأسد. وقال إن رئيس النظام السوري "انتصر في الحرب الأهلية في بلاده"، زاعما أن الحديث معه سيحقق لتركيا منافع كبيرة.

موقف حزب الشعب الجمهوري من الربيع العربي عموما، وأحداث سوريا على وجه الخصوص، يختلف تماما عن موقف الحكومة التركية الداعم لمطالب الشعوب وثوراتها، بما فيها الثورة السورية. واختار أكبر أحزاب المعارضة التركية الوقوف إلى جانب الأنظمة الدكتاتورية في سوريا ومصر وغيرهما، كما أنه أرسل وفدا إلى القاهرة في آذار/ مارس 2016، دعما للانقلاب العسكري.
حزب الشعب الجمهوري لم يصل إلى الحكم في تاريخ البلاد إلا حين خاض الانتخابات وحده قبل الانتقال إلى التعددية الحزبية أو عبر الانقلابات العسكرية

وقوف حزب الشعب الجمهوري ضد إرادة شعوب المنطقة يعود إلى أسباب عديدة، ولعل أولها هو التشابه الكبير بينه وبين الأحزاب الحاكمة في الأنظمة الدكتاتورية؛ لأن حزب الشعب الجمهوري لم يصل إلى الحكم في تاريخ البلاد إلا حين خاض الانتخابات وحده قبل الانتقال إلى التعددية الحزبية أو عبر الانقلابات العسكرية. وبعبارة أخرى، أن معاداة الديمقراطية وإرادة الشعوب متأصلة في جينات حزب الشعب الجمهوري.

حزب الشعب الجمهوري يدعم الأنظمة الدكتاتورية في دول الربيع العربي؛ لأنه يعتبر العلمانية القمعية المتسلطة أفضل من الحكومة المنتخبة ذات الجذور الإسلامية، ويعرف جيدا أن الديمقراطية والحريات في الدول الإسلامية تؤدي بطبيعتها إلى وصول الإسلاميين للحكم، كما أنها تؤدي إلى نهاية العلمانية المتوحشة التي يحبها قادة حزب الشعب الجمهوري ومعظم أنصاره.

وهناك سبب آخر خاص بدعم حزب الشعب الجمهوري للنظام السوري، وهو سبب طائفي بامتياز. ولا يستطيع أن ينكر أحد أن من دوافع تعاطف حزب الشعب الجمهوري مع النظام السوري؛ كون بشار الأسد من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها رئيسه كيليتشدار أوغلو وكثير من قادته وأعضائه، بل يلاحظ المتابع أن هذا الدافع يتقدم في بعض الأحيان على الدوافع والأسباب الأخرى.
سبب آخر خاص بدعم حزب الشعب الجمهوري للنظام السوري، وهو سبب طائفي بامتياز

حزب الشعب الجمهوري عرض قبل أيام على لسان نائب رئيسه، السفير المتقاعد أونال تشويك أوز، مقترحات للتعامل مع الأزمة السورية تتألف من ست مواد. وتدعو المادة الأولى إلى إجلاء السكان المدنيين من إدلب إلى مناطق أخرى داخل سوريا، وترى المادة الثانية أن على تركيا مطالبة كل الجماعات المسلحة في إدلب بترك سلاحها وبذل جهود مكثفة لتحقيق ذلك، وتحث المادة الثالثة أنقرة على التواصل مع نظام الأسد والعمل على إحياء روح اتفاقية أضنة المبرمة بين الدولتين الجارتين عام 1998، وتدعو المادة الرابعة والمادة الخامسة إلى توسيع التعاون وتكثيفه مع أمريكا والاتحاد الأوروبي. وأما المادة السادسة فتقول إنه يجب على تركيا فرض رقابة مشددة على الجماعات التي قد تحرض نظام الأسد على شن هجمات ضد القوات المتمركزة في إدلب.

خارطة الطريق التي تقدم بها حزب الشعب الجمهوري توحي بأن صياغتها تمت في أروقة نظام الأسد في دمشق، وليس في مقر الحزب بأنقرة؛ لأنها تراعي من أولها إلى آخرها مصلحة النظام السوري. ويعني إجلاء المدنيين من إدلب تسهيل مهمة النظام في السيطرة على المحافظة، وتبرير الهجوم عليها، بحجة عدم بقاء أي مدني فيها. كما أن ترك فصائل الثورة سلاحها لا يخدم غير نظام الأسد. وإن مطالبة تركيا بفرض رقابة مشددة على الفصائل، بحجة أنها قد تحرض نظام الأسد على الهجوم، تبرير مسبق لأي هجوم قد يشنه النظام السوري على نقاط المراقبة التركية.
خارطة الطريق التي تقدم بها حزب الشعب الجمهوري توحي بأن صياغتها تمت في أروقة نظام الأسد في دمشق، وليس في مقر الحزب بأنقرة؛


مطالبة حزب الشعب الجمهوري الحكومة التركية بالجلوس على طاولة الحوار مع نظام الأسد ليست جديدة؛ لأنه يرى منذ بداية الثورة أن السوريين الذين ثاروا ضد نظام الأسد "إرهابيون"، وأن النظام يحق له أن يسحقهم كما يحلو له. ومنذ اللحظة الأولى يدعو الحكومة إلى دعم النظام السوري، بدلا من الوقوف إلى جانب الشعب السوري في ثورته. وعارض عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، وتدخل الجيش التركي لحماية حدود البلاد وأمنها القومي. كما أنه حاول تحريض الشارع التركي ضد اللاجئين السوريين خلال حملاته الانتخابية.

خارطة طريق حزب الشعب الجمهوري تختلف عن خارطة طريق الحكومة التركية؛ الأولى تدعو تركيا إلى التواصل والحوار مع الأسد، وتهدف إلى تسهيل مهمة النظام السوري الدموي، فيما تدعو الثانية العالم إلى إيقاف الأسد، كما جاء في مقال أردوغان المنشور بصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، وتسعى إلى حماية المدنيين العزل من الهجمات الوحشية. وما بين الخارطتين هي الإنسانية.

 

التعليقات (2)
ابو العبد الحلبي
الجمعة، 14-09-2018 04:39 م
ربما ما لايدركه كمال كيليتشدار اوغلو هو مقصد المثل المشهور في سوريا "الطبل في دوما والعُرس في حرستا" حيث أن الظاهر هو الهجوم على إدلب بينما الهدف الباطن هو ضرب تركيا نتيجة كيد عظيم من إخراج أمريكا و تنفيذ روسيا و إيران مع كومبارس من مليشيا بشار النصيرية . لقد قالت الجماعات الكردية الإرهابية التابعة لأمريكا أنها ستشارك في معركة إدلب ، و عند الأخذ بعين الاعتبار أن أمريكا أمدتها بشاحنات كثيرة من الأسلحة مؤخراً فهذا يعني أن الهدف هو تركيا لأن بقايا داعش لا تبرر مطلقاً هذه الإمدادات الضخمة من الأسلحة . أرجو الله أن يحمي تركيا و شعب سوريا من كيد الكائدين و مكر الماكرين و أن نرى قريباً هزائم مريرة لحلف الأشرار الذي آذى أمة الإسلام لسنوات طويلة.
جابر الأحمد
الأربعاء، 12-09-2018 03:56 م
حزب الشعب الجمهوري يننطلق من موقع المتفرج الذي يمكن أن يزايد كما يحلو له ، أما السلطة الحاكمة في تركيا فهي قاب قوسين أو أدنى من خوض امتحان مصيري يتوقف عليه رسم الخارطة التركية بأبعادها التاريخية والحضارية كاملة من دون إملاءات خارجية ، وهي مهمة تعترض سبيلها تحديات أضعاف مما نتخيل أو نتصور ، قراءتي الشخصية للموقف تبشر بما يشبه عملية معراج من نوع خاص ، تتجاوز بها تركيا حدود المستنقع الآسن الذي يستحم فيه الظلمة .