قضايا وآراء

العقل الاستراتيجي الجمعي المفقود (1-6)

أحمد عمران
1300x600
1300x600
كانت مؤسسات ومراكز دعم القرار، وما زالت، المنبع المعرفي الداعم لصانعي ومتخذي القرار في الغرب عامة، والولايات المتحدة والكيان الصهيوني خاصة، وهي تعتمد منهجيات ونظم التفكير الاستراتيجي الجمعي، والمعلوماتية، وعلوم استشراف المستقبل والذكاء الاصطناعي.

وأهم هذه المؤسسات في رأيي هي مؤسسة راند (RAND) ومركز الداربا (DARPA)، فهما خير مثال لمؤسسات دعم القرار والعقل الاستراتيجي الجمعي المسؤول عن التحليل وتخليق السيناريوهات المستقبلية، وطرح السياسات لتعظيم المنفعة من الفرص المستقبلية، أيضا تقليل الأضرار من التهديدات المتوقعة على مستوى الشرق الأوسط في المؤسسة الأولى وعلى المستوى الدولي للثانية، خاصة تخصصها في دعم للتخطيط الاستراتيجي طويل المدى (حتى 100 عام) للجيش الأمريكي.

وما يؤلمنا حقا، أن نجد على النقيض في بلادنا العربية والإسلامية، التي تواجه التغييرات والتحولات الاستراتيجية الكبرى التي يريدها الآخر بها، مواجهة بلا رؤية واضحة أو خطة استراتيجية لإدارة أزماتها، فهي تقف دوما موقف المفعول به، حيث نقص المعلومات، وضبابية المستقبل المجهول وتهديداته وتشابك المتغيرات الإقليمية والدولية وتعقيدها، خاصة في المشهد الحالي.

فهل هناك ما يسمي بالعقل الاستراتيجي العربي أو الإسلامي؛ يحلل ويخطط و يتنبأ بالأزمات ويدعم متخذي القرار بالسياسات الرشيدة؟.. الإجابة هنا تتطلب منا التحرك مع صانعي ومتخذي القرار على مستويين أساسيين:

المستوى الأول: صانعي ومتخذي القرار في النظم الحاكمة حاليا، في العالم العربي والإسلامي، والمستوي الثاني: صانعي ومتخذي القرار في التيارات والحركات المعارضة الحقيقية (إسلامية أو غيرها)، والتي ظهرت بعد الربيع العربي.

فأما صانعو السياسات ومتخذو القرار في المستوي الأول، فالكثير منهم يفتقد إلى ثقافة "التشاركية الذكية" في دعم القرار وصناعة السياسات واختبارها وتجويدها وتقييمها قبل تطبيقها المباشر، فهم قادة فطروا على الديكتاتورية والاستبداد والرؤية الأحادية، كذلك ما يحيطون به أنفسهم من حاشية ومستشارين، وهم أناس غير مؤهلين ولا يجيدون إلا التصفيق والتطبيل والمديح لعبقرية الرئيس الملهم في التحليل والتنظير والتخطيط واستشراف المستقبل واتخاذ القرار الرشيد. نعم، هي أنظمة حاكمة في عالمنا العربي والإسلامي، وأيقنا حق اليقين عمالتها وخيانتها وانصياعها التام للغرب ومخططاته الهادفة لتدمير أوطاننا.

ولكن ما بال المستوى الثاني من صانعي السياسات ومتخذي القرار، وهم قيادات التيارات والأحزاب المعارضة؟ فهناك غياب تام للمعارضة الجمعية، الراشدة، المنظمة، ذات الرؤية والتخطيط الاستراتيجي الفاعل على الأرض لتغيير الأنظمة المستبدة أولا، وقيادة أوطانها لاستقلالية القرار ورفاهية شعوبها. 

ورغم أن معظم هذه الحركات المعارضة نبيلة المقصد والغاية، إلا أنها معارضة مهلهلة، متشرذمة، منغلقة على نفسها، لا تمتلك رؤية موحدة ولا خطط استراتيجية ولا ترتيب للأولويات، كذلك، لا تعتمد في تحليلها للمواقف والأحداث على الآليات والمنهجيات العلمية الحديثة، وينحصر عقلها الاستراتيجي في محاولات فردية تغرد خارج السرب ولا تمتلك الأدوات لخلق العقل الجمعي الاستراتيجي.

فضلا عن ذلك، فهناك المعضلة الأخطر في هذا الإطار، وهي وبرغم الانتشار الواسع لمراكز دعم القرار ووفرة العقول العربية والمسلمة المبدعة في هذا المجال، والتي لها إسهامات علمية تطبيقية عالمية يشار لها بالبنان، لكن المناخ الحالي جعلها تستقطب لتهاجر وتشكل مكونا فاعلا في العقل الاستراتيجي الجمعي الغربي المنافس، حيث مغريات المعيشة الكريمة والمناخ الذي يقدر ويحترم عقولهم والإرادة السياسية الحقيقية للاستفادة من خبراتهم.

وأخيرا، في ظل وجود معظم أطياف وتيارات المعارضة العربية والإسلامية على أرض تركيا، وكذلك خبراء كثر في كل المجالات، جعل الحالة التركية الحالية وضعا فريدا ومتميزا؛ يجب تعظيم الفائدة منه على مستوى العقل الاستراتيجي الجمعي لكل وطن على حدة، أو على مستوى العقل الاستراتيجي الجمعي العربي والإسلامي.

نعم نستطيع لو توافرت الإرادة السياسية الداعمة لتكوين عقل عربي، إسلامي، استراتيجي، جمعي يدعم بناء استراتيجية متكاملة تُحقق الأهداف والغايات الكبرى للأمة العربية والإسلامية.
التعليقات (2)
ش، ش
السبت، 24-07-2021 08:45 ص
ممكن بلا زحمة اتواصل معك بخصوص موضوع الاستراتيجية، لان بحث تخرجي عن الذكاء الاستراتيجي
محمد عبدالله الديلمي
الثلاثاء، 13-11-2018 11:17 م
ماهو إثر العقل الإستراتيجي وتكنولوجيا المعلومات في ادارة الازمات ؟منتظر الرد.