قضايا وآراء

الترامبية الجهادية!!

1300x600
1300x600
أرّخَ البعض لنشوء السلفية الجهادية وبدايتها في مصر مع نهايات السبعينيات من القرن الماضي، حين تشكلت مجموعات جهادية تهدف إلى قلب أنظمة الحكم في العالم العربي. وكان كتيب شهير معنون بـ"الفريضة الغائبة"، لمحمد عبد السلام فرج، الذي يعد الدليل والمنهاج لتلك الحركات، والذي يرى أن أولوية قتال "العدو القريب"، ويقصد الكاتب به الأنظمة الحاكمة. وبدأ الفكر ينتشر باحتكاك الجهاديين المصريين بالمجاهدين الأفغان ومن هاجر إليهم نصرة لهم ودفعا لـ"أعداء الدين" السوفييت. وكانت الحرب الأفغانية بمنزلة المفرخة التي انتشر منها الفكر الجهادي إلى عموم الدول الإسلامية وكذا أوروبا وأمريكا، متحورة ومتطورة تحت مسميات وجماعات تجمعها فكرة العنف لفرض الفكر، بحسب ما رأى الغرب في تفسيره للفكرة.

وفي المقابل، بشر الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية لفرض أيديولوجيته (الديمقراطية) على العالم، لا سيما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، مصدرين فكرة التداول السلمي للسلطة للتبشير بها، ومصورين الأمر على أنه نضال من أجل الحرية وانعتاق من نير الدكتاتورية وسلطة الدين. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة "رسول الديمقراطية" تنبذ العنف أو هكذا تصدر، إلا أن تحولا ما حدث في رأس هرم السلطة لديها في الأيام الماضية. فعلى غرار "أنا أو الفوضى" للدكتاتور مبارك في مصر، أو "الأسد أو نحرق البلد" في سوريا، بدأ ترامب يلعب بالمشاعر الدينية، لا سيما بعد تضييق الخناق عليه، وعلو الأصوات المطالبة بعزله، على خلفية انتهاكات القوانين المنظمة للعملية الانتخابية وحديث عن رشاوى ورضوخ لابتزاز، بعد سقطات جنسية وادعاءات بدأت تتأكد دلائلها بتدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية لصالحه. ففي سابقة عجيبة تدل على الحالة النفسية والذهنية التي يعيشها ترامب هذه الأيام، قال لبرنامج "فوكس آند فريندز" على قناة فوكس نيوز الأمريكية: "حال عزلي، أعتقد أن الأسواق ستنهار، والجميع سيصبحون فقراء جدا".

ولم يقتصر الموضوع على التصريحات. فلقد تحرك الرجل مستفيدا بتيار ديني متعصب لدعمه، باثا الرعب في أوساط أتباع التيار الإنجيلي، ويجند قساوسة التيار لبث هذه الفكرة والتبشير بها، ليجد لنفسه قشة يتعلق بها وقت الغرق. ولقد تداول الأمريكيون مقطعا مصورا لقس إنجيلي يقول ما نصه: أنا لا أعرفكم ولا أعرف إن كنتم ستصدقون ما سأقوله الآن، ولكن ما يحدث في أمريكا الآن هو عمل من أعمال السحر الأسود لإسقاط الرئيس ترامب. ولكن ترامب واقف لهم بقوة لم أعهدها على أي رجل من قبل، وقريبا جدا ستنفضح الدولة العميقة، وستكون مواجهة صارمة غير مسبوقة في تاريخها. والآن قفوا وادعوا معي للرئيس".

هكذا بدأ ترامب يستخدم فزاعة الدين، وأدواته فيها رجالها المقدسين لدى تلك الطائفة. ويأتي تحذير القس لأتباعه على أثر تهديد ترامب للقساوسة من مصير مجهول في حال تم عزله. فلقد حذر ترامب زعماء الكنيسة الإنجيلية من ردة فعل اليسار والديمقراطيين إذا ما فازوا بأغلبية في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وتوقع أن تحدث أعمال عنف ضد التيار اليميني الإنجيلي المؤيد له، قائلا في اجتماع معهم الأسبوع الماضي في البيت الأبيض: "هذه الانتخابات القادمة يوم السادس من تشرين الثاني: نوفمبر، لا تعتبر بمنزلة استفتاء على شخصي فقط، بل هي استفتاء على دينكم وعلى حرية التعبير وعلى التعديل الأول بالدستور (المتعلق بحرية الاعتقاد والتعبير)، هي استفتاء على ذلك كله".

وأعاد ترامب هذا الحديث التعبوي مرة أخرى في قناة "سي إن إن" الإخبارية، حيث قال ما نصه: "انتخابات 6 تشرين الثاني/ نوفمبر هي استفتاء كبير ليس عليّ فقط، بل استفتاء على دينك، إنه استفتاء على حرية التعبير والتعديل الأول. إنه استفتاء على الكثير".

وكأن الرجل الذي من المفترض أن يحافظ على القيم الديمقراطية، تحول بقدرة قادر إلى أحد أتباع مشائخ السلفية الجهادية التي يراها الغرب "المتحرر" بأنها تفرض وجودها بالقوة، لكن جل ما أخشاه أن ينتهي المطاف برئيس أكبر دولة مصدرة للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، أن يعرف الديمقراطية بما عرفها القذافي حين سئل عنها، فقال: ديمقراطية تعني... ديمو كراسي.
التعليقات (0)