صحافة دولية

الحروب المختارة: هذا ما تكشفه دراسة لانقسامات يهود أمريكا

الغارديان: تكشف دراسة اليهود الأمريكيين عن الانشقاقات المألوفة- جيتي
الغارديان: تكشف دراسة اليهود الأمريكيين عن الانشقاقات المألوفة- جيتي

نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للمحامي الأمريكي لويد غرين، يعلق فيه على كتاب صدر في الولايات المتحدة عن اليهود في أمريكا.

 

ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن الحديث عن حصول هيلاري كلينتون على أكثر من 70% من أصوات اليهود لا يحكي إلا جزءا من القصة فقط، ففي بعض الدوائر الانتخابية ذات الأكثرية اليهودية الأرثوذوكسية، كانت الأرقام التي حصل عليها دونالد ترامب من نطاق الصدأ أو (مناطق المصانع المغلقة) أو من أقصى الجنوب.

 

ويشير غرين إلى أنه "كبقية الناخبين، فإن الالتزام الديني والمستوى التعليمي حددا كيف صوت اليهود، ففي منطقة بارا بارك المتدينة في بروكلين، حصل ترامب على 68% من الأصوات، وفي بلدة ليكوود في نيوجيرسي فاز بفارق 50 نقطة، وفي المقابل كانت جزيرة منهاتن كلها عبارة عن بحر من الأزرق الديمقراطي".

 

ويفيد الكاتب بأن "الانقسامات السياسية تحدد الخارطة السياسية اليهودية في أمريكا، فكما كان اليهود على كلا طرفي الاستعباد والانفصال والحرب الأهلية، فهم يشاركون أيضا في هذا الاشتباك السياسي، فمثلا عندك زوج ابنة الرئيس جاريد كوشنير، وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر".

 

وفي هذا السياق يقرأ المحامي كتاب "الحروب المختارة"، وهو رواية للرحلة اليهودية عبر التضاريس الأمريكية، حيث قام ستيفين وايزمان، الذي غطى الشؤون السياسية والاقتصادية لصحيفة "نيويورك تايمز" لربع قرن، بتجميع مجموعة مذهلة من الحقائق، ليحتج بأن التجاذبات المتنافسة بين الانفصال والانخراط كانت موجودة في المجتمع اليهودي منذ وصل اليهود العالم الجديد في القرن السابع عشر، وأنها حتى بين المتدينين والثقافة الأوسع أثرت على الممارسات الدينية، وأن التفاعل المجتمعي اليهودي تراجع وتزايد من وقت لآخر.

 

ويلفت غرين إلى أن وايزمان يؤطر الأمور: "الاعتقاد اليهودي بهوية الشعب اليهودي الفريدة كان قويا إلى درجة أنه بقي أساسا للحياة اليهودية في أمريكا"، بالإضافة إلى أنه يعترف بأن الهوية "كانت دائما وغالبا ما ستبقى محل خلاف ونزاع"، فالأمور مختلطة.

 

ويفصل الكاتب كيف ساعد بند الإنشاء "المتعلق بإنشاء المؤسسات الدينية" في الدستور الأمريكي على سيادة العلمانية في الكنس اليهودية، مشيرا إلى أن ما لاحظه وايزمان أن خلافا داخل كنيس في تشارلستون تسبب بقضية شهيرة، وعلى خلاف أوروبا، فإن السلطات المدنية لا تختار طرفا ما، حتى ولو طلب منها ذلك، وفي المحصلة صدر القرار عن محكمة استئناف في ساوث كارولاينا عام 1846، بأن على القضاء تجنب الخوض في "المسائل المتعلقة بالعقائد اللاهوتية التي تعتمد على الدين التأملي أو الطقوس الكنسية"، أي إن على اليهود حلها بين أنفسهم.

 

ويبين غرين أنهم "كانوا يفعلون ذلك أحيانا، حيث يصف وايزمان أحداث شغب حصلت في عيد رأس السنة اليهودي عام 1850 في ألباني في نيويورك، حول طبيعة المسيح، وتم استدعاء الشرطة وانفض المصلون، لكن ليس قبل أن يسخر رئيس الكنيس من الحاخام إسحاق وايزمان، قائلا: (لدي 100 ألف دولار أكثر منك)، لكن كان رفض وايزمان لمسيح شخصي أو قومي هو ما شكل اليهودية الإصلاحية، حيث شكل ذلك انفصالا عن 2000 عام من التقليد اليهودي".

 

وينوه المحامي إلى أن الكتاب يقوم بتفحص كيف أثر داروين والانتقاد على النظرة للكتاب المقدس، حيث ضربت فكرة التأليف الإلهي، وأعلن إميل هيرتش، وهو حاخام إصلاحي وأستاذ في جامعة شيكاغو أن"العلم الحديث تحدث، ولا يمكن إسكاته".

 

ويعلق غرين قائلا إنه "لوضع الأمور في سياقها، فإن الأشخاص، حتى التقليديين في تفكيرهم، اضطروا إلى التجاوب او التعديل للتماشي مع العلم، فمن ناحية، داخل الحركة الحسيدية يبقى الشعار السائد: (إن كنت لا تزال منزعجا من نظرية التطور، يمكنني القول لك دون الخوف من التناقض، بأنه ليس هناك أي دليل يدعمها)، ومن ناحية أخرى ففي دوائر الأرثوذوكس الحديثة كان هناك تراجع عن قبول الجدول الزمني لقصة الخلق بحرفية، فتمت قراءة (يوم) على أنه دهور، واليد الإلهية توجه أصل الإنسان، فأصبح هناك تمييز بين (المصداقية التاريخية للرواية التوراتية) و(الحقائق الدينية) المتعلقة بها".

 

ويقول الكاتب إن "وايزمان يعطي الأرثوذوكسية حقها بأنها قوة لا يستهان بها، من البلدات الخمس في جزيرة لونغ أيلاند في الجانب الشرقي الأعلى، إلى يونغ إسرائيل في نيو روشيل وسكارسديل، لم تعد هذه الفئة تتصرف وكأنها القريب المحتاج". 

 

ويجد غرين أن "كتاب (الحروب المختارة) عادة ما يهمل اشتباكات مهمة داخل البروتستانتية الأمريكية، لكنه يتعمق في الحرب التي تم شنها من المنابر ضد الاستعباد والانفصال، إلا أنه لا يشير إلى ما سبقها". 

 

ويورد المحامي أن صمويل سيوال، وهو تاجر وقاض من ماساتشوستس كتب في عام 1700 كتاب "بيع يوسف"، الذي خدم بصفته رفضا دينيا لفكرة أن السود أقل قيمة في نظر الله، وأن معاناتهم كونهم عبيدا كتبها الله عليهم؛ لأنهم أحفاد حام وكنعان، ابن نوح وحفيده. 

 

ويذكر غرين أن سيوال، الذي كان قاضيا في أثناء محاكم الشعوذة في مدينة "سالم"، جادل بأن "يوسف لم يكن عبدا بالنسبة لإخوته أكثر منهم بالنسبة له، ولم تكن لديهم سلطة لبيعه أكثر من سلطتهم لقتله"، مشيرا إلى أنه في مقابل هذا كان كنيس في نيويورك يدعم فكرة "لعنة حام" قبل الحرب الأهلية، وهذا "يبدو استسلاما لحجج رجال الدين من الجنوب والمتعاطفين مع الاستعباد".

 

ويذهب الكاتب إلى أن "وايزمان متفائل بالنسبة لمستقبل اليهود في أمريكا، لكن لو استسلم الطهوريون لإغراء الانقسام فما الذي سيجعل اليهود مختلفين؟ وبعد هذا كله فإن هجرة اليهود لأمريكا كانت عن الهروب من العالم القديم وتجربة الحلم الأمريكي، وليس إنشاء مدينة على التلة".

 

ويختم غرين مقاله بالقول: "لو نظرنا إلى الصورة الدينية في أمريكا سنجد أن مجموعة الراهبات هي أكبر مجموعة جزئية بين من ولدوا في الألفية الثانية، لكن بين اليهود الأمريكيين فإن الصورة مختلفة، فثلاثة من كل عشرة أشخاص يرفضون الهوية الطائفية، وخارج المجتمع الأرثوذوكسي، فإن معدل التكاثر اليهودي أقل من المعدل الوطني، وغالبا ما سيبقى اليهود الأمريكيون، لكن التركيبة الديمغرافية ستختلف: فمن شكل الأشياء الآن سيكون المشهد أكثر تدينا وأقل تعلما والأغنياء هم الأكثر نفوذا". 

 

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

التعليقات (0)