كتاب عربي 21

تونس تبحث عن مجتهد

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
أكد الجدل الدائر في تونس حول الحريات الفردية والمساواة مدى الحاجة الشديدة لوجود مجتهدين على مستوى رفيع. ورغم أن ردود الفعل التي سجلت خلال الأشهر الأخيرة طبعت بطابع سجالي عنيف أحيانا، نظرا لحجم الأسئلة التي طرحت دفعة واحدة على الجمهور الواسع، وهو ما قلل من الأهمية الفكرية والعلمية لمعظم ما قيل حتى الساعة، إلا أن ذلك يجب ألا يحجب القيمة المعرفية لبعض الردود التي سجلت، وبعض الندوات التي عقدت، والتي تميزت أحيانا بالجرأة ومحاولة الخروج من الأطر التقليدية التي لا تزال تحكم حركة الفكر والسياسة في تونس.

في مبادرة من مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، نظمت قبل أيام ندوة تحت عنوان: "كيف يكون الاجتهاد في التشريع الإسلامي في موضوع الميراث؟"، قدمت خلالها وجهات نظر متعددة عرضتها شخصيات لها علاقة بالفكر الإسلامي. وقد أثبت الحوار الذي امتد إلى ثلاث ساعات ونصف أنه لم يجرؤ أحد على نفي أهمية الاجتهاد وضرورته لحماية الدين، وتقديم إجابات للمشكلات الكثيرة التي يعاني منه المؤمنون، لكن في الآن نفسه بدا واضحا وجود خلافات عميقة حول مفهوم الاجتهاد وآلياته وشروطه وحدوده ونتائجه، المقبولة منها والمرفوضة. وهي مسائل بقدر ما تضفي الشرعية على العملية الاجتهادية؛ فهي تضع لها في المقابل ضوابط قد تتسع أو تضيق إلى درجة إضعاف مبدأ الاجتهاد، وقد تحوله إلى عملية شكلية أو جزئية تؤدي في نهاية الأمر إلى تقييد حركة الفكر وحركة التشريع الإسلامي، مما يوسع بينهما وبين الواقع الموضوعي والمتحرك في جميع الاتجاهات.
اضطر بورقيبة للتعامل مع بعض علماء الزيتونة، وعلى رأسهم الشيخ الطاهر بن عاشور، لكي يتوصل إلى تمرير الأحكام الجديدة التي جاءت بها مجلة الأحوال الشخصية

عندما تأسست دولة الاستقلال، اضطر بورقيبة للتعامل مع بعض علماء الزيتونة، وعلى رأسهم الشيخ الطاهر بن عاشور، لكي يتوصل إلى تمرير الأحكام الجديدة التي جاءت بها مجلة الأحوال الشخصية. وقد ساعد ذلك كثيرا على قبولها من المواطنين، رغم استمرار التشكيك في شرعيتها الدينية من قبل البعض. وقد كان بورقيبة محظوظا في ذلك، خلافا للرئيس الباجي قايد السبسي عندما طرح مسألة الميراث.

من بين الأسئلة التي تضمنتها هذه الندوة: هل يمكن أن تكون الجامعة الزيتونية في وضعها الراهن؛ الجهة القادرة على تعويض هذا الفراغ الذي خلفه غياب ان عاشور، بعد انقطاع التعليم الزيتوني وتحوله إلى مؤسسة محدودة الوظائف؛ وتعاني من معضلات عديدة، بدءا من المناهج ووصولا إلى المقررات البعيدة كليا عن تحديات الواقع والقضايا المعاصرة خاصة تلك الأكثر إثارة وإلحاحا؟

كان من المشاركين في الندوة، الدكتور محمد الشتيوي، المدير السابق للمعهد العالي لأصول الدين، وهو حاليا رئيس وحدة فقهاء تونس وعضو ببيت الحكمة، كما يعتبر شخصية محترمة على الصعيد الأخلاقي.. وقد أكد أثناء فعاليات الندوة أنه لا يعتبر نفسه "مجتهدا"، وأن الصفة التي تنطبق عليه كونه مختص في الفقه، وبالتالي يمكنه تقديم وجهة نظر في المسائل الجزئية. وهو مشكور على موقفه؛ لأنه لو ادعى خلاف ذلك لوضع نفسه في حرج شديد. وما ينطبق عليه ينطبق على بقية زملائه من أساتذة الزيتونة، وهذا يعني أن هذه الجامعة بوضعها الراهن وبتركيبتها الحالية ليست مؤهلة الآن لكي تنتج مجتهدين يملكون صياغة فتاوى تكون شبه ملزمة لعموم المؤمنين، وكذلك تؤهلهم ليكونوا جهة ذات مصداقية علمية عالية لكي يتم الاعتماد عليهم من قبل الدولة في إعداد مشاريع قوانين لها صلة بالمجال الديني. وفي انتظار أن تتم هذه المراجعة الجذرية، فإن الزمن لا يتوقف، وحركة المجتمع متواصلة، وهو ما يجعل السياسيين مطالبين بالتعاطي مع المطالب والمصالح والمستجدات.
هل يمكن أن يمارس البرلمان عملية الاجتهاد عند غياب المجتهد أو المجتهدين؟

في هذا السياق، طرح خلال الندوة سؤال قد يعتبر فخا في حال عدم الحذر في الإجابة عنه: هل يمكن أن يمارس البرلمان عملية الاجتهاد عند غياب المجتهد أو المجتهدين؟ وهذا السؤال من شأنه أن يعيد جدلا دار من قبل، عندما رغب البعض من الإسلاميين، أيضا من الدعاة والمشايخ، التشكيك في سلطة البرلمانات وفي شرعيتها. وتطلب ذلك جدلا واسعا لسنوات، حتى انتهى بقبول واسع للمؤسسة البرلمانية. ولكن مع ذلك، استمر السعي من قبل هذه الجهة أو تلك لتقييد هذه المؤسسة، حيث لجأ واضعو الدستور الإيراني مثلا إلى إيجاد ما سمي بهيئة تشخيص مصلحة النظام؛ لتكون رقيبا مباشر على أعمال مجلس الشورى، وهو ما عرقل العمل البرلماني ومنعه من التطور والتمثيل الفعلي لمختلف مكونات المجتمع الإيراني.

نعم البرلمان مضطر لكي "يجتهد" في حدود ما يعرض عليه من قضايا؛ لأنه السلطة الوحيدة في النظام الديمقراطي التي تتمتع بصلاحية التشريع. لكن البرلمان لا يتحرك بشكل منفرد، وإنما من آلياته أن يستشير أهل الاختصاص في عديد المسائل من أجل الاستنارة بوجهات نظرهم، حتى يعكس القانون الجديد مصالح المعنيين بالأمر. ومن بين أصحاب الاختصاص هم الأكثر اطلاعا على المسائل الدينية.
لا يمكن القفز فوق الاجتهاد؛ لأنه الأداة الضرورية لحماية الدين والمصالح، وإذا غاب ذلك فإن مسؤولية ذلك تعود إلى أسباب متعددة، ومن أهمها المؤسسات الدينية سواء الموروثة أو المستحدثة

كما أن البرلمانيين مدعوون أيضا إلى الأخذ بعين الاعتبار نص الدستور وروحه، بما في ذلك البعد الإسلامي الذي يشكل أحد ركائز هوية المجتمع التونسي. وفي جميع الحالات لا يمكن إخضاع البرلمان لسلطة من خارجه تراقب ما ينتجه من تشريعات، باستثناء المحكمة الدستورية التي لا يزال التونسيون يطالبون بإقامتها؛ باعتبارها آلية ضرورية من شأنها أن تمنع البرلمان من مخالفة الدستور الذي يعتبر المرجعية العليا في البلاد.

لا يمكن القفز فوق الاجتهاد؛ لأنه الأداة الضرورية لحماية الدين والمصالح، وإذا غاب ذلك فإن مسؤولية ذلك تعود إلى أسباب متعددة، ومن أهمها المؤسسات الدينية سواء الموروثة أو المستحدثة.
التعليقات (3)
نذير كشاط
الإثنين، 03-09-2018 06:51 م
وجهة نظر: مواضيع الأحوال الشخصية مواضيع خاصة ، تخص المسلمين ، وأكثر من ذلك فهي خاصة بالأسرة ، وأكثر من ذلك فإنها ليست من مواضيع النظام العام المتصلة بسلطة الحاكم ، فإذا خرجت عن دائرة الأسرة فبسبب أعضائها ، فإذا وصلت الخصومة بين أعضائها بسبب تقسيم التركة فإن السلطة المخولة ملزمة بتطبيق القانون ، والقانون في هذه الحالة خاص ، ولن يكون سوى القانون الذي يستند إليه عموم المعنيين ، وعموم المعنيين هم المسلمين ، والقانون الخاص بالمسلمين هو أحكام الشريعة الإسلامية ، فإذا خالف أحد المسلمين من أعضاء أسرة معينة ذلك فالعبرة بالعموم وعلى هذا الأساس ليس لأي كان أن يتحجج لمخالفة ذلك ولو كانت السلطة الحاكمة ، فكيف إذا كان الاعتراض ممن هم دون ذلك ، وعلى هذا الأساس فإن مجال الاجتهاد يجب أن يتقيد بهذه الحدود وهذه الضوابط .
ابن رشد
الإثنين، 03-09-2018 07:28 ص
الاجتهاد هو ما أوصل المسلمين الى أن أصبحوا غثاء سيل في العصر الحالي وفي مؤخرة الأمم بعد أن قاموا عليها ثلاثة عشر قرنا بالحكم الاسلامي - طبعا تخلل الحكم بعض مساويء الحكام وليس الاسلام فلا أحد يستطيع المس به ولكن الصليبيين وضعوا السفلة على الكراسي وغثاء السي نكرة ورائحتهم كريهة وأصبحوا أسوأ من البهائم في مأكلهم ولبسهم ومعيشتهم فسلطوا عليهم حمير يحملون مالا هو للصليبيين كما يفعل المعتوه ابن سلمان. أما عن تونس وما يجري بها الآن ويريدون ورق تواليت ليمسحوا به وجوههم النتنة فبرأي المتواضع أن يعلنوها """"" ماخورا """"" وبذلك تنتهي مشاكلهم !!! فأحكام المواخير بسيطة وغير معقدة والأهم "" قليلة "" ويتقبلها الجاهلين فورا فلا داع لمعرفة هذا من أبوه ومن أمه!!!.
الباشا
الأحد، 02-09-2018 08:08 م
الحاجة إلى الاجتهاد سؤال جوهري يتصل من جهة بحاجة المجتمع والأمة للإطمئنان إلى وجود مرجعية تتدخل وقت الحاجة ولمواجهة أي طارئ ، مثل هذه المرجعية تتعامل مع المجتمع والدولة كمن يستشعر عن بعد الأخطار المتوقعة فيعمل على تفاديها أو التحذير منها في الوقت المناسب ، وهو ما يجعل الاجتهاد مهمة متصلة بالنخبة التي يجب أن يتوفر عندها الزاد المعرفي والفعل الإبداعي ، هذا من جهة حاجة المجتمع ، أما حاجة السياسيين ذوي المرجعية الإسلامية داخل حدود العالم الإسلامي وخارجه ، فتفرض عليهم الاجتهاد في تأهيل الطاقات البشرية القادرة على ترشيد الكفاءات البحثية ضمن دائرة الأسئلة المنهجية بين المدلول والغايات على طريق الاستجابة لتطلعات أمة الشهادة في عالم اليوم . من دون ذلك لن يختلف دورنا عن دور رجال المطافئ في أحسن الأحوال .