مقالات مختارة

عام على مجازر مسلمي الروهينجا: تسمع جعجعة ولا ترى طحنا

عبد الحميد صيام
1300x600
1300x600

في الخامس والعشرين من أغسطس/ آب 2017، هاجمت وحدات من ميليشيات جيش إنقاذ الروهينجا مواقع تابعة للجيش ومراكز لعناصر الأمن بأسلحة بدائية في ولاية راخين خلفت بعض القتلى، فاستغل الجيش هذه الحادثة لتبدأ عملية تطهير عرقي ومجازر مروعة وحرق للقرى واغتصاب للنساء وقتل الأطفال أمام عيون أمهاتهم. ونتج عن هذه الحملة طرد أو فرار أكثر من 720000 من مسلمي الروهينجا إلى الدولة الأقرب إليهم، بنغلاديش، وتكدسوا في مخيمات بدائية لم تمنع عنهم خطر الفيضانات والرياح الموسمية العاتية، وكأن هناك توافقا بين مجرمي الحرب والظواهر المناخية القاسية التي ضاعفت من مآسي هؤلاء الفقراء المعدمين، الذين لا يحملون جنسية البلد الذي لا يعرفون غيره، ميانمار، لكونهم مسلمين.


أخبار المجاز بدأت تنتشر في العالم، انطلاقا من قصص اللاجئين الذي وصلوا بنغلاديش وتكوموا في عدد من المخيمات، خاصة كوكس بازار، أكبر مخيم للاجئين في العالم، حيث أصبح مقصدا لكل زعيم أو مسؤول أو سفير مساعي حميدة، بهدف التقاط الصور مع اللاجئين، والاستماع إلى ما تعرضوا له من جرائم، والتعبير عن القلق لما أصابهم، وإدانة من سبب لهم كل هذا الألم، ثم يعود الضيوف من حيث أتوا ويبقى اللاجئون في خيامهم بانتظار ما قد يفعله المجتمع الدولي من أجلهم. في الوقت الذي تتابع أونغ سان سو تشي، زيارتها لسنغافورة، وقائد جيشها يحضر معرضا للأسلحة في موسكو التي وصلها لتسوق السلاح. 


ولمن نسي أو غابت عنه الصور فأونغ سان سو تشي تعلق في مكتبها شهادة لجنة نوبل للسلام (1991) مثلما علقها شمعون بيرس ومناحيم بيغن وإسحاق رابين.


وأود أن أؤكد التقارير الدولية التي توثق الجرائم، وتسمي المجرمين وتصف الضحايا وتطالب بإنصافهم ومساعدتهم والسماح لهم بالعودة إلى ديارهم، في ظل اتفاقية أمن وأمان، ومنحهم جنسية البلد الذي لا يعرفون غيره. وسنستعرض بعضا من هذه التقارير التي تكفي لتحرك الجبال، إلا مجلس الأمن فهو مشغول في قضايا أخرى من بينها قضية «سكريبال وبنته» اللذين تعرضا في بريطانيا لمحاولة اغتيال بسلاح كيميائي قيل إنه يصنع في الاتحاد الروسي حصريا.


فبمناسبة الذكرى السنوية الأولى لبداية المجازر ضد مسلمي الروهينجا في ميانمار صدر تقرير مهم الاثنين الفائت، عن فريق التحقيق المستقل المكلف من مجلس حقوق الإنسان، يتضمن توثيقا لجرائم تصل إلى مستوى جريمة الإبادة الجماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في ميانمار على أيدي جنرالات الجيش، في ظل صمت الحكومة السياسية التي ترأسها أونغ سان سو تشي التي لزمت الصمت لغاية الآن أمام هذه المجازر، إما تأييدا للجيش أو خوفا منه. أورد الفريق في تقريره المطول أنماطا من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الولايات الثلاث، راخين وكاشان وشان، «تصل بلا شك إلى أكثر الجرائم جسامة بموجب القانون الدولي»، ارتكبت بشكل أساسي من القوات المسلحة في ميانمار، بالإضافة إلى قوات الأمن الأخرى. ويذكر التقرير بالإسم خمسة أشخاص من ذوي الرتب العسكرية العالية بمن فيهم قائد الجيش، من أونغ هيلينغ.


وهذا ليس التقرير الأول الذي يصدر عن آليات الأمم المتحدة حول المجازر التي يتعرض لها المسلمون في هذه البلاد، التي تدين غالبيتها بالبوذية، التي توصف دائما بأنها ديانة سلمية تقوم على السلام مع النفس ومع الآخرين، إلا أنها في الحالة البورمية تتحول إلى عقيدة للقتل والتدمير والحرق والتطهير العرقي. فقد سبق وقدمت براميلا باتن، ممثلة الأمين العام للعنف الجنسي، تقريرا مفصلا لمجلس الأمن يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول حول الانتهاكات الجنسية، التي تعرضت لها نساء الروهينجا من اغتصاب فردي وجماعي وتعذيب وقتل وإهانة وتعذيب. وتقدر السيدة باتن ومسؤولون أمميون آخرون أن عدد النساء الحوامل من بين اللاجئين بنحو 40000 امرأة، وأن الغالبية الساحقة من حالات الحمل هذه نتجت عن عمليات اغتصاب ارتكبها أفراد من جيش ميانمار ومقاتلون متحالفون معه.


كما قدمت يانغي لي، المقررة الخاصة لحقوق الإنسان في ميانمار، تقرير شاملا يوم 12 مارس/ آذار 2018 أمام مجلس حقوق الإنسان عن الأوضاع في ميانمار، مؤكدة أن ما يجري هناك لا يمكن أن يوصف إلا أنه جريمة إبادة جماعية: «أصبحت أكثر اقتناعاً بأن الجرائم المرتكبة في أعقاب أحداث 9 أكتوبر/تشرين الأول 2016 و25 أغسطس 2017 تحمل بصمات الإبادة الجماعية. وإنني أدعو بأقوى العبارات إلى المساءلة، كي تتحمل حكومة ميانمار مسؤولية محاسبة الجرائم المزعومة في ولاية راخين منذ 9 أكتوبر 2016 والانتهاكات المستمرة حتى الآن. ولكن يجب على المجتمع الدولي أيضًا أن يكون يقظًا. يجب ألا يتم خداعه من خلال اللجان واللجان الحكومية المتعددة والوعود، بل يجب تشكيل آلية مقرها كوكس بازار لجمع المعلومات من أجل المساءلة». 


وجاء في تقرير يانغي لي، أن التمييز والاضطهاد الممنهجين لمسلمي الروهينجا وغيرهم من الأقليات، أن هناك ضرورة إلى تشكيل لجنة للتحقيق في هذه الادعاءات. وقالت إنها «استمعت لادعاءات تلو الأخرى عن وقوع حوادث مروعة، منها الذبح، وإطلاق النار العشوائي وإحراق المنازل وبداخلها أناس مقيدون، وإلقاء أطفال صغار للغاية في النار، بالإضافة إلى الاغتصابات الجماعية وغيرها من أشكال العنف الجنسي. حتى الرجال انهاروا وبكوا أمامي، وهم يحكون لي عما مروا به وعما فقدوه». وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، قد أرسل فريقا من محققي المكتب إلى بنغلاديش عبر الحدود مع ميانمار، وذلك بعد الفشل المتكرر في الحصول على تصريح للوصول إلى المناطق الأكثر تضررا في شمال ولاية راخين. ويقدر أن 66000 من الروهينجا قد فروا من البلاد منذ التاسع من أكتوبرالماضي. وجاء في التقرير أن ميانمار شهدت اغتصابات جماعية وعمليات قتل لمسلمي الروهينجا، بمن في ذلك أطفال رضع وصغار، فضلا عن الضرب الوحشي وغير ذلك من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، التي ارتكبتها قوات الأمن في ميانمار في ولاية راخين. كما أن عمليات خطف الأطفال والفتيات أصبحت أمرا روتينا. وأضاف التقرير من بين نحو 100 امرأة تمت مقابلتهن، أكثر من نصفهن تعرضن للاغتصاب أو غيره من أشكال العنف الجنسي». ومن بين القصص التي رواها هؤلاء للمحققون، ما حدث من انتهاكات مروعة ضد أطفال تتراوح أعمارهم من ثمانية أشهر إلى ست سنوات، بعضهم ذبحوا بالسكاكين أو تعرضوا للقتل الوحشي.


وحتى فرجينيا غامبا، ممثلة الأمين العام لمسألة الأطفال والصراعات المسلحة، لم تنس هي الأخرى أن تدلي بدلوها وتضمن استعراضها السنوي فقرات عما لحق بأطفال ميانمار من أذى وقتل وتشريد وتدمير.


كل هذه الجرائم موثقة، لكن مجلس الأمن لم يفعل شيئا! هل مجلس الأمن بحاجة إلى المزيد من التقارير؟ أم أنه بحاجة إلى مزيد من الاجتماعات المفتوحة حول ميانمار للإطلاع على أحوال المسلمين هناك؟ لكن مجلس الأمن على علم بما يجري هناك. مجلس الأمن بكامل أعضائه قام بجولة في كوكس بازار ودخل ميانمار والتقى بأونغ سان سو تشي. فقد قادت الكويت وبريطانيا وفد مجلس الأمن في زيارة رسمية ميدانية لبنغلاديش وميانمار، استغرقت أربعة أيام، بدأت بزيارة لمخيم كوكس بازار للاجئين في بنغلاديش. ثم توجهوا للقاء مستشارة الدولة، أونغ سان سو تشي، والجنرال مين أونغ هلينغ، القائد الأعلى للقوات المسلحة، ثم اجتمعت بعثة مجلس الأمن مع ممثلي المجتمع المدني وبرلمانيين ومسؤولين حكوميين في عاصمة ميانمار، ثم توجهوا إلى ولاية راخين، للقاء المسؤولين المحليين والمجتمع المدني ثم زاروا ولاية راخين الشمالية قبل عودتهم إلى العاصمة.
أمام كل هذه الجرائم الشنيعة ماذا عمل مجلس الأمن الدولي؟ أصدر بيانا رئاسيا يتيما في شهر نوفمبر،تشرين الثاني الماضي وعقد اجتماعين أو ثلاثة حول الموضوع وقرر أن يبقي المسألة قيد البحث، وانتظروا يا جماعة الروهينجا كي يأتيكم الفرج كما جاء لإخوتكم الفلسطينيين.

 

عن صحيفة القدس العربي
0
التعليقات (0)