كتاب عربي 21

"البقري".. موحد القطرين!

سليم عزوز
1300x600
1300x600

لم أكن أعتقد أن اسم ابننا في الله "أحمد البقري"، سوف يصبح عنوانا في الصحف المصرية السيارة، على الأقل في حياتي، لكن الفتى أثبت حقا أنه صاحب كرامات، كنا نجهلها فلا كرامة لنبي أو ولي في قومه!
ولأنه صار خطرا على الأمن العام، فإنني أبادر بالقول، إننا لسنا من أهله، بيد أن القافية حكمت كما يقول الشعراء، فصحف السيسي نشرت اسمه بالبنط العريض في الأيام الأخيرة، وبما يفيد أنه من "أهل الخطوة"، ونال اللقب "موحد القطرين"، فلم يشارك "مينا" فيه  على مر التاريخ إلا "البقري"، وربما شاركه في بقية الألقاب، فصار لـ"البقري" ما لـ "مينا"، الذي وحد القطريين المصريين (الشمال والجنوب)، في سنة 3200 قبل الميلاد، فاستحق لذلك ألقابا عدة: بداية من "موحد القطرين" ونهاية بـ "صاحب التاجين"، ومرورا بـ "نسر الجنوب" و"ثعبان الشمال"، ولا أعرف لماذا "ثعبان" وليس "أسدا" على وزن "أسد الصحراء"، و"مقطع قلوب العذارى"!


"تغريدة" واحدة للبقري، استخدمت دليل إثبات لجريمة قيام الإخوان بالتخطيط لتجنيد مدنيين لإسقاط الدولة المصرية، وكان باكورة ذلك تجنيد "معصوم مرزوق" و"يحيى القزاز" و"رائد سلامة"، وعدد آخر من رفاقهم، تمكن الأمن من التوصل إليهم والقبض عليهم، وجاء الدليل بعد ذلك متمثلا في تغريدة "البقري"، وليس الأمر مرده لتقارير صحفية، فمن الواضح أن كاتب التقرير واحد من الجهات السيادية، بدليل أن ما نشر في "اليوم السابع" عن المخطط، هو ذاته ما نشر في "الأهرام"، في حين انشغلت جريدة "الدستور"، بالبحث فيما وراء تغريدة "البقري" فنشرت تقريرها تحت عنوان: "سر تغريدة البقري"، فيا له من كائن جبار هذا "البقري"!


تغريدة "المذكور" لم تخرج عن بضع كلمات، كتبها مبكرا عن اعتقال "معصوم مرزوق"، بجانب التعريف به، فمرزوق، كان ضابطا سابقا في سلاح الصاعقة، وهو بحسب "البقري" شارك في حربي أكتوبر والاستنزاف، وهو و"العُهدة" على "البقري" حصل على وسام الشجاعة من الدرجة الأولى، ثم ذكر "البقري" أن "معصوم "عمل سفيرا ومساعدا لوزير الخارجية!


ولم يذكر "البقري" الدروس المستفادة من ذكر السجل الوظيفي لـ "معصوم مرزوق"، ربما لأنه اعتبر أن الأمر لا يحتاج إلى ذكر، فالرجل الذي عمل ضابطا في الجيش تم اعتقاله، وكثيرون أشاروا إلى ما لم يشر إليه "البقري"، دون أن يكون لهذا معنى، فقد سقطت نظرية "خير أجناد الأجناد"، التي كانت ترفع منذ حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى المرحلة الأولى للانقلاب، فباعتقال الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش، والعقيد "قنصوة"، وباختطاف الفريق أحمد شفيق وترحيله من الإمارات، لم يعد هناك معنى لحصانة الضباط تبرر قيامهم بالاستيلاء على السلطة "قوة واقتدارا"، فقد تم اختزال الجيش في شخص عبد الفتاح السيسي، فهو وحده المقدس، ولا يجوز بالتالي رفع شعارات يستفيد منها غيره، وبعضهم من ضحاياه، وإن كانوا الأعلى منه درجة والأكثر رفعة، بحسب التقاليد العسكرية، التي تثمن الأقدمية، وتراها المقياس الوحيد الذي يؤخذ في الحسبان عند الترقي!


وكان ينبغي أن تسقط النظرية مبكرا، وباستدعاء نموذج أحد أبطال حرب أكتوبر هو الفريق سعد الدين الشاذلي، الذي نكل به مبارك، بعد أن اختزل انتصار أكتوبر في الضربة الجوية، كما اختزل هذه الضربة في شخصه. لولا أن ذاكراتنا ضعيفة، وللذكرى فإن من أدان هذا الرمز هو القضاء العسكري، ولم يتململ المجلس الأعلى للقوات المسلحة من إصرار مبارك على تنفيذ العقوبة ووضعه في سجن انفرادي، في قرار لم يجد من يجابهه، أو يعارضه!


وبالتالي، فلا معنى للتذكير بأن "معصوم مرزوق" كان ضابطا في سلاح الصاعقة، وأنه شارك في الحروب، فالسيسي نفسه لم يشارك في حرب، ولم يكن من رموز حرب أكتوبر، لكنها الدنيا إذا أقبلت باض الحمام على الوتد!


ولا معنى بالتالي للتذكير بأن "مرزوق" كان سفيرا وأنه شغل موقع مساعد وزير الخارجية، فعندما ترتفع البيادة تسقط الرتب الوظيفية!


غير أن "البقري" فعل، فإذا بفعله يتحول إلى أداة لكشف الجريمة النكراء، فتقف الأجهزة الأمنية على المخطط الإخواني لتجنيد المدنيين لإسقاط الدولة، فيا له من تنظيم قادر، فبعد حملة الاعتقالات، والضربات الأمنية، والمطاردة في الداخل والخارج، يظل للإخوان القدرة على التخطيط والتكتيك والتجنيد، وهي دعاية تضر بالمركز الشعبي للسيسي، فأنصاره وهم قلة قليلة، عندما يحاصرهم الناس الآن بسؤال فعل؟ فيقولون يكفي أنه قضى على الإخوان، فكيف يستقيم هذا مع أن الإخوان قد تحولوا إلى "عفريت العلبة"، لدرجة أنهم يقفون وراء فشل السيسي كما تعترف بذلك دعايته، وإلى حد أن لديهم القدرة على تجنيد عناصر بحجم السفير "مرزوق" والدكتور "القزاز"، والأخير كان يلعن الإخوان قبل الأكل وبعده، فإذا الذي بينك وبينه عداوة وكأنه ولي حميم، فقد نجح "البقري" فيما فشل فيه غيره فجندهم، فاستحق لقب "موحد القطرين"، و"ملك الأرضين"، و"صاحب التاجين"، و"نسر الجنوب"، و"ثعبان الشمال"!


وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فإنه بهذه المناسبة يطيب لي أن أذكر أن هناك محاولات مستميتة بُذلت لعودة الثوار "أمة واحدة"، فيما عُرف بالتوافق، وصار الدعاة لذلك منبوذين داخل معسكر رفض الانقلاب، وهي محاولات باءت بالفشل، وقد تنبأت لهذا مبكرا وقلت للقوم "إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن"، فبأس الطرفين بينهما شديد، والقوى المدنية وإن كانت قد وقفت على فشل خيارها عندما انحازت للسيسي، فإنه لا تريد أن تعترف لا بشرعية مرسي، ولا بخطأ خروجها يوم 30 يونيو، وعندما يتم تقديم "البقري" باعتباره من نجح في هذه المهمة، وقدم دليل الإدانة الذي تمثل في "تغريدة"، صيغت بطريقة خبرية وليس باعتبارها موقفا، فإنه من الطبيعي أن نسلم بريادته!


لقد منحوا "البقري" في "حملة التغريدة" صفة "الناشط السياسي"، وفي هذا ترقية له وهو الذي يجري تعريفه إعلاميا بأنه "نائب رئيس اتحاد طلاب مصر"، ليدخل في حيز الأسئلة الوجودية، التي أشار إليها مذيع قناة الجزيرة "محمود مراد" في أمر لا يخص "البقري"، فمحمود إبراهيم هو "نائب مركز الاتحادية لدراسات شؤون الرئاسة" ولم نعرف من هو رئيس المركز؟ و"ياسر برهامي" هو "نائب رئيس الدعوة السلفية" ولا نعرف من الرئيس لهذه الدعوة؟ كما أن الإعلام يعرف "نائب رئيس اتحاد جامعات مصر" وهو العلامة "أحمد البقري" دون أن نعرف من هو رئيس الاتحاد؟!


بيد أن القوم من طرف السيسي رحموا "البقري" من أن يكون جزءا من الأسئلة الوجودية بترقيته لرتبة "الناشط"، وقد كنت أقول إن نجمه إلى أفول، بعد أن نجح شاب من جيله في الهروب إلى اسطنبول وهو "صهيب عبد المقصود"، وقد استمعت له لأول مرة فأعجبتني قدرته على الخطابة، ووعيه، لكن إعلام السيسي كرس من نجومية "البقري" وأكد قدرته على تجنيد عناصر مدنية لصالح الإخوان، وقد قالوا هذا دون وجل، وكأنهم يعملون في خدمة "البقري" وتأكيد زعامته، فقد كنت أعتبر أن "بلدياتي" الدكتور "يحيى القزاز" من الصعب إقناعه بغير الذي في رأسه، حتى توقفت علاقتنا عند الأداء القبلي البحت، حيث الاطمئنان على الصحة والأحوال، لكن لم أكن أعلم بخطورة "البقري"، "موحد القطرين"، و"صاحب التاجين" و"نسر الجنوب" باعتباره جند الصعيدي "يحيي القزاز"، "وتعبان الشمال" على أساس أنه جند "المنوفي" معصوم مرزوق!
ألا يخجل نظام السيسي؟!

0
التعليقات (0)

خبر عاجل