قضايا وآراء

من يشكل السياسة تجاه غزة؟ الجيش أم الحكومة في إسرائيل؟

عبد الناصر عيسى
1300x600
1300x600

شكلت حالة المواجهة المستمرة مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تجربة وامتحانا متميزا للعلاقة المعقدة بين الجيش والحكومة في دولة تزعم أنها ديمقراطية غربية حديثة، أكد قانونها الرسمي نموذج (الخضوع) أي ضرورة خضوع المستوى العسكري للمستوى السياسي، و هذا يتضمن بالضرورة قيام المستوى السياسي بوظيفته الأساسية و هي رسم السياسات العامة التي يجب على المستوى العسكري أن يلتزم بها. فهل هذا ما يحدث فعليا في إسرائيل، و تحديدا في كل ما يتعلق بغزة في السنوات الأخيرة؟ 


يمكن القول و برغم التشابك و التعقيد إن هذا لا يحدث في إسرائيل، فالمستوى السياسي لا يقوم بواجبه في تحديد سياسة واضحة تجاه غزة، ماذا يريد من غزة؟ و كيف يمكن تحقيق ذلك؟ و هل غزة دولة مستقلة أم جزء من سلطة أو دولة فلسطينية؟ أم إنها قطاع محتل منفصل و تتمتع بأوضاع خاصة؟ و هل من يحكم غزة هم منظمة إرهابية تجب محاربتها حتى النهاية، أم حكومة أمر واقع يجب التعامل والتفاهم معها على هذا الأساس، و قد يكون هذا هو أحد أسباب تزايد ابتعاد إسرائيل عن نموذج خضوع العسكر للساسة، و ترك الأمور تدير نفسها بنفسها بشكل يسمح للعسكر بتحديد الكثير من ملامح العلاقة مع قطاع غزة. 


لقد سمح ميزان قوى و بيئة استراتيجية و إقليمية و دولية منحازة بشكل شبه كامل لدولة الاحتلال و رافضة إلى حد العداء لفكر و استراتيجيات المقاومة باستمرار هذه الحالة الفريدة و الشاذة في علاقة العسكر و الساسة و غزة حتى حدوث نقطة تحول هامة لدى الشعب الفلسطيني تمثلت في مسيرات العودة 30-3 و ما رافقها من تداعيات.


لقد استمرت حكومة إسرائيل برفض توصيات المستوى العسكري، و القاضية بضرورة تخفيف الحصار عن قطاع غزة تجنبا لاندلاع مواجهة عسكرية مع قطاع غزة أجمع الجيش و الأمن و الحكومة أنها في غير صالح دولة الاحتلال، و ذلك لأسباب و دوافع سياسية و استراتيجية و اقتصادية، و قد يبدو هذا الرفض سليما من الناحية الديمقراطية والقانونية. فالحكومة المنتخبة هي من يقود و يتحكم في قرار السلم و الحرب و على العسكر الالتزام حتى و إن خالف ذلك رأيهم و موقفهم .


و من جهة أخرى يمكن القول بأن موقف الحكومة الرافض لتوصيات العسكر هو موقف خاطئ من زاويتين أساسيتين، الأولى: أنه يتناقض مع مضمون الديمقراطية و القيم الإنسانية التي ترفض كل أنواع القهر و البطش و قمع حريات وحقوق الشعوب الأخرى، كما أنها ترفض الحرب والحصار مع إمكانية السلم و الحوار. أما الثانية: فلأنه يتجاوز وبوضوح موقف الجيش المهني القاضي بأن استمرار خنق غزة يؤدي لانفجار يمس ويضر مصالح إسرائيل الأمنية بشكل واضح و ذلك لأسباب تتعلق بمصالح سياسية داخلية صغيرة لبعض قادة الحكومة تتعلق بالرأي العام و الانتخابات . 


لقد نجحت مسيرات العودة و ما رافقها من تعاظم خطر المواجهة العسكرية الواسعة، و التي أصبحت أكثر وضوحا للساسة الإسرائيليين بعد سلسلة المواجهات العسكرية المحدودة ما اضطرهم و على ما يبدو للاستجابة لما كانوا يرفضونه، توصيات الجيش و التوجه للتهدئة و الاتفاق مع المقاومة الفلسطينية في غزة، و قد بدا العسكر في هذا المشهد كمن يفرض نفسه و قراره على الحكومة و يعمل بعكس كل تصريحات و مواقف وشعارات حكومة اليمين، ومن أشهرها تصريحات ليبرمان بتصفية السيد إسماعيل هنية خلال ساعات، و مواقف نتنياهو القاضية بالسماح للجيش بإسقاط حكم حماس في غزة.


فهل الحكومة إذن هي من يتحكم في قرار التصعيد و الحصار تجاه غزة، طالما أنه لم يصل الأمر إلى مرحلة المواجهة الحرجة و الشاملة، حيث يبدأ دور الجيش في التحكم و فرض المعادلات؟ أم إن الأمر متعلق بمدى إصرار الجيش على موقفه، و بالتالي مدى الضغط الذي يمارسه على الكابينت لإقرار موقفه؟ أم إن المسألة هي مسألة شراكة و حوار بين الحكومة و الجيش؟ يبدو أن كل ما سبق هو صحيح، و بالتالي فإن إسرائيل هي أبعد ما تكون عن النموذج الوظيفي أو نموذج خضوع العسكر للساسة المقر قانونيا فيها، و المقبول في بعض الديمقراطيات التقليدية المقبولة، و يؤيد ذلك تصريحات ليبرمان الأخيرة بأنه لم يكن لديه أي خيار آخر أمام إجماع المستوى الأمني على كل فروعه – الجيش و الشاباك و مجلس الأمن القومي – إلا خيار الإقرار و الموافقة على ما قدمته هذه الدوائر الأمنية بالإجماع و القاضي بضرورة التفاهم والاتفاق مع المقاومة الفلسطينية مع غزة من أجل تجنب الحرب الضارة لإسرائيل.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل