كتاب عربي 21

الصهاينة لا يلتزمون باتفاقيات أو تفاهمات أو مواثيق

عبد الستار قاسم
1300x600
1300x600
الصهاينة لا يلتزمون لا بهدنة ولا بتفاهم، وهذه هي سيرتهم مع العرب منذ عام 1948. كم من مرة اخترق الصهاينة خطوط هدنة رودس التي اتفقوا عليها مع العرب، وكم من مرة اعتدوا على منشآت وأشخاص، وعاثوا بالمزروعات وآبار المياه؟ وتكررت التجارب بعد عام 1967، وبالتحديد بعد اشتداد المقاومة الفلسطينية. توصل الصهاينة إلى تفاهمات بخصوص وقف إطلاق النار في جنوب لبنان مع منظمة التحرير، لكنهم لم يكونوا يلتزمون أبدا. ومؤخرا، تم الاتفاق مع الصهاينة بشأن تبادل الأسرى بينهم وبين حماس. حماس وفت بالتزاماتها، بينما أعاد الصهاينة اعتقال عدد كبير من الفلسطينيين الذين تم تحريرهم، ولم يفرجوا حتى الآن عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين. وتوصلوا إلى اتفاق بعد حرب عام 2014 يسمحون بموجبه ببناء مطار وميناء بحري في غزة، لكنهم لم ينفذوا، واستمروا في رفض فتح معبر رفح إلا في أيام قليلة للتنفيس عن الناس.

الآن يتحدث الإعلام عن فرصة لعقد هدنة بين المقاومة في غزة والكيان الصهيوني. ويأتي هذا الحديث ضمن ظرف يشعر فيه الصهاينة بالضيق بسبب مسيرات حق العودة، وبسبب تطوير قدرات المقاومة العسكرية، واتباعها استراتيجية جديدة عنوانها القصف بالقصف. هذه استراتيجية أربكت الصهاينة لأنه لم يعد بإمكانهم تنفيذ عمليات عسكرية في غزة بدون أن يهرع المستوطنون في جنوب فلسطين إلى الملاجئ. والملاحظ أن الصهاينة بالتعاون مع أهل الغرب الاستعماريين يلوحون بالعصا والجزرة لغزة في آن واحد. من ناحية، يقول الغربيون إنهم مستعدون لتقديم معونات مالية لغزة لتحسين ظروف الناس وللإعمار، ومن ناحية أخرى يقوم الطيران الحربي الصهيوني بتوجيه ضربات موجعة لغزة وذلك لدفعها نحو قبول الجزرة الغربية وطبعا وفق أثمان لم يفصحوا عنها بعد.

يبدو أن مصر هي التي تقوم بالإشراف على ترتيبات إقامة هدنة طويلة الأمد والتي لا نعرف كم طولها حتى الآن. لكن من المهم أن ننتبه إلى أن مصر رعت تفاهمات واتفاقيات عدة، لكنها لم تصنع شيئا في مواجهة الانتهاكات الصهيونية لما كان يتم الاتفاق عليه. ولهذا يجب الحرص على وجود جهات دولية قادرة على إصدار أحكام ضد من ينتهك ما يتم الاتفاق عليه.

الملاحظ أن الصهاينة يفضلون الاتفاقيات غير المكتوبة، ودائما يريدون تفاهمات شفوية. والسبب أنهم لا يريدون الالتزام، ويفضلون البقاء أحرارا في تحركاتهم العسكرية والأمنية. ومن ناحية أخرى، هي لا تريد أن تكون طرفا في اتفاق مع من تدعي أنهم إرهابيون. كما أن الطرف الفلسطيني لا يدخل في اتفاقيات مكتوبة وموقعة من قبل الصهاينة لأنه لا يعترف بالكيان الصهيوني. وفي كل الأحوال، المفروض أن تغير المقاومة الفلسطينية من تعاملها مع تنفيذ الاتفاقيات أو التفاهمات بحيث أنها يجب أن تضمن التزام الصهاينة بالتنفيذ. ومن المطلوب أن تلتزم الدول التي ترعى التفاهم أو الاتفاق باتخاذ إجراءات ضد من لا يلتزم.

أما النقطة الأهم في كل الحديث عن تهدئة تتعلق بالسؤال التالي: هل يقبل الصهاينة هدنة لا تقيّد نشاط المقاومة العسكري؟ تقديري أن الصهاينة سيشترطون تجميد الوضع العسكري للمقاومة، بمعنى التوقف عن تهريب السلاح، أو تهريب المواد الخاصة بالتصنيع العسكري، وإقامة لجنة متعددة الأطراف لمراقبة نشاطات المقاومة العسكرية سواء من ناحية التدريب أو التنظيم. لا يمكن أن يقبل الصهاينة هدنة تسمح للمقاومة بمواصلة استعداداتها العسكرية وتطوير قدراتها الصاروخية. وسيشترط الصهاينة ذلك دون أن يكون الشرط متبادلا. أي يبقى الصهاينة يستعدون ويطورون أسلحتهم ويتلقون المساعدات العسكرية من الدول الغربية.

وهنا يكمن خلل كبير إذ يستطيع الصهاينة مراقبة الأوضاع في غزة من خلال قدراتهم التقنية المتطورة ومن خلال عملائهم على الأرض، في حين أن غزة لا تملك آليات المراقبة على الصهاينة. بسرعة يدق جرس الإنذار لديهم، أما بالنسبة للفلسطينيين فهم لا يتمكنون إجمالا من معرفة ما يجري لدى الصهاينة إلا من خلال الإعلام العالمي أو الصهيوني أو بعض المنظمات الدولية غير الحكومية.

ليس من المتوقع أن تقبل المقاومة الفلسطينية رقابة على نشاطاتها العسكرية والتسليحية لأن في ذلك مقتلها. الرقابة تعني انكشاف احتياطات المقاومة وتدابيرها الخاصة بالأنفاق، والتعرف على مختلف أنواع الأسلحة والصواريخ التي أصبحت بيدها، الخ. ولهذا لا أرى أن هدنة ستتم بين الصهاينة والمقاومة الفلسطينية التي تقودها حماس. والأفضل للمقاومة وعموم الفصائل الفلسطينية ألا تدخل بمساومات حول وجودها وقدراتها وحول القضية الفلسطينية عموما. وتاريخيا نحن دائما الخاسرون في معارك المساومات. وللجميع عبرة قاسية في منظمة التحرير التي تعرت في النهاية دون أن تحصل على شيء من الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل