قضايا وآراء

"محكمات" الشريعة وهيمنة "الاغتراب"

محمد ثابت
1300x600
1300x600
الجمعة الماضية استمتعتُ بمحاضرة الدكتور "عطية عدلان"، رئيس حزب الإصلاح المصري ومدير مركز "محكمات" العربي التركي؛ والمحاضرة هي الثانية في سلسلة بنفس اسم المركز، وهي تنطلق من محكمات الشريعة الإسلامية التي يمكن أن تجمع الأمة اليوم.

والمحاضر غني عن البيان، رجل علم ومواقف تشعر أمامه أنك إزاء رجل مخلص يتمنى الخير للجميع؛ أما المحاضرة فتناولت "هيمنة الله على الكون"، والأمر العقائدي الذي يحتاج لغة جافة في التناول استطاع المحاضر مزجه وخلطه بالواقع على نحو شيق بداية من تعريف مفردة الهيمنة إلى هيمنة البشر على مقدرات بعضهم بعضًا بإذنه تعالى؛ ومن ذلك هيمنة الولايات المتحدة على مقدرات الأمة والأمور في مصر وتشيلي وليبيا وسوريا واليمن وغيرها من الدول أو ما تحاول أمريكا إيهام العالم به.

ومما أجاد المحاضر في تناوله إنزال أمر هيمنة برلمان أو جماعة عسكرية أو حتى ملك على أمور دولة، وأن هذه السيطرة الوقتية إنما تتم بعلم الله وسيطرته بل تقديره تعالى لعلة وحكمة تجل على فهمها وأحاط الله بها رغم قصور إدراكنا.

تقديم وتعريف سعى صاحبه نحو الابتكار لاسم من أسماء الله الحسنى، ورد مهذب بناء على معطيات شرعية على الذين يظنون أن الأمر في الكون يجري؛ ولو قيد أنملة بعيدًا عن علمه وتقديره سبحانه وتعالى.

والأجمل كان سؤال الختام من أحدالحاضرين حول هيمنة الله تعالى في تأخير أسباب النصر؛ رغم الأخذ بها لتدبير أفضل يريده تعالى، وهو السؤال الذي أشاد المحاضر به؛ وأشعر المتابعين للمحاضرة من خلال البث المباشر على موقع للتواصل أو خلال المواجهة أن لله شؤونًا يصرفها ولا يبتديها .. أو كما قال أحد العارفين بالله لما سُئلَ:

ـ ماذا يفعل ربك الآن وقد جرى القلم بالقضاء والقدر وجف حبره؟!

أي أن كل أحداث الكون حتى يوم القيامة تم تدبيرها وتصريفها، فقال الرجل المؤمن:

ـ أمور يصرفها ولا يبتديها!

لامست كلمات الدكتور "عدلان" وترًا موجعًا يحسب صاحب هذه الكلمات أنه لا يكف عن الأنين لدى عشرات الآلاف من المغتربين العرب اليوم، سواء داخل بلادهم أو في المنافي؛ ووتر الحنين الذي لا يكف عن العزف والإيلام يجد مناسبات لمعاودة بل مداومة العزف آناء النهار واطراف الليل؛ في ذكرى محاولة الثورات العربية؛ وفي أيام المد الثوري والأخرى الخاصة بالتقلص والجزر؛ وفي جميع الحالات تحيا وتعيش الأجيال التي تجاوزت الثلاثينيات من العمر وبدأت في العقد الخامس أو الأربعينيات أو أكبر تعاني من الشعور بالوحدة تحاصرها وتطبق على صدورها؛ بل يتساءلون عن "الأسباب" في كل لمحة ولحظة من هنيهات وثواني الحياة.

لامست كلمات المحاضر المجددة للحديث الجاف عن العقيدة الملامسة للواقع في سلسلة محاضرات نتمنى أن تزداد ألقًا وابتكارًا؛ لامست الكلمات أسئلة مريرة حول اختفاء الأهل والأحبة والأصدقاء فهم إما مشردون أو شهداء أو مسجونون .. أو يعانون سحائب الغربة الممطرة بل الراعدة والبارقة؛ ويبقى الإنسان الذي حاول أن يكون مخلصًا لربه ثم بلاده وأمته .. يبقى متحيرًا يقلب الطرف في الساعات الطويلة القاسية المحسوبة عليه من العمر مذهولًا!

إنها الأمور التي يصرفها تعالى اليوم ولا يبتديها أو "هيمنة انتظار فرجه تعالى" .. والتمحيص والغربلة والابتلاء يجري على أشده؛ والأمر لا يخص مجرد العباده بل العدل بين خلق الله تعالى .. وهو الأمر الذي لا يُنتظر من الظلمة والقتلة والفجرة .. ولكن يُنتظر ـ إن أراد تعالى وهيأ الأسباب ـ من الشرفاء المخلصين كي تزول آثار الاغتراب النفسي عن كثيرين منهم ويكفي ما تفعله الغربة بهم حتى تشاء هيمنة الله أمرًا كان مفعولًا يخفف عن الأمة ويسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبًا بإذن الله!
1
التعليقات (1)
مصري جدا
الجمعة، 03-08-2018 12:19 م
الكاتب المحترم ،، ارجوك واصحابك في عربي 21 ،، انا متابع جيد للموقع ولمقالاتك ،، لكن ارجوكم جميعا ان تميزوا وانتم اهل العقل والتمييز ان تفرقوا بين ما يكتب لشخصك على صفحتك الشخصية وما يكتب ليقرؤه الالاف والملايين ،، خواطركم ورؤاكم الشخصية حق لكم لكن لا تشغلونا بها ،،، شكرا لكم