كتاب عربي 21

الماء والكلأ والنار و ... السكتة القلبية!

أحمد عمر
1300x600
1300x600

السكتة قلبية؛ وباء سوري، أصيب به كل ضحايا الاعتقال "العفوي" عند الحواجز بسبب الانتماء الطائفي أو مكان الإقامة، أو تشابه الأسماء، ويعني أن صاحب السكتة مات تحت التعذيب، مات وهو يتألم، ويلفظ روحه قطرة قطرة، وزفرة زفرة.

 

السكتة المكروهة أو موت الفجأة، تعد ميتة كريمة بالمقارنة مع الموت تحت التعذيب، وتعني أيضاً أن جثة القتيل البريء تبخرت، ربما بيعت الجثة بالمفرق، عضواً عضواً: كلى، أكباد، قرنيات أعين، قلوب قوية شجاعة، باسلة، أحلام بالحرية.


السكتة القلبية في مستعمرات العقاب السورية، نوعان: نوع بالبراميل ضد الشعب، ونوع للأفراد، وهي ضد قانون لافوازييه المشهور بقانون "حفظ الكتلة"، الذي ينص على أن المادة في نظام مغلق لا يمكن أن تنشأ أو تفنى، إلا أنه يمكن إعادة ترتيبها.

 

إن أي عملية كيميائية في نظام مغلق يجب أن تكون فيها كتلة المواد المتفاعلة مساوية لكتلة المواد الناتجة بعد انتهاء العملية.

وتقول التحليلات التي تشبه التكهنات بأن سبب الاعتراف بموتهم هو محاولة لطي صفحة سوداء، وفتح صفحة جديدة، والمصالحة مع الغرب، وإرسال رسائل مودة وتطمين للنازحين للعودة إلى بلاد السكتة من مخيمات النزوح.

ومع أن النظام السوري مغلق، ولكن أجساد الشهداء تفنى، وتتلاشى أو تختفي، حفظ الكتلة هو حفظ العرش، وحفظ الكرسي في القصر، النظام لن يتلاشى، والنظام الدولي المغلق يعيد ترتيبه.

 

تم تبليغ أهل داريا بألف سكتة قلبية، لعل أهل داريا كانوا يتعاطون عشبة تسبب السكتة القلبية، والتبليغ يعبر عن شجاعة النظام، وقد كان نظاماً باسلاً حقاً، يدمر المدن والقرى، والبلدات، والمساجد، والمقابر بالأسلحة العنقودية، ويقتل بالكيماوي، باسترخاء، شجاع لأن الأب المؤسس نام ثلاثين سنة عن المفقودين في سجونه، غير مبال بتعطل قضايا المواريث في المحاكم، فاق الابن أباه، الابن لا يبالي بالمنظمات الدولية، قد يضيع التشهير به أمام بطولاته بمحاربة داعش عدو الغرب، ربما يتهم الضحايا، بتهمة الإرهاب، تهمة الإرهاب تسقط كل التهم الأخرى، وتجعل المتهم رجيماً.

 

ألف سكتة في داريا، السكتة بالجملة، فلا خوف من ثورة في الداخل كان الأسد الأب يحسب حسابها، الثورة القادمة بحسبان النظام، ستسكت عقوداً طويلة. أما غضب الخارج فقد فات أوانه، والاحتجاج الدولي يطفأ بالفيتو الروسي.

 

في جنوب أفريقيا، لم تجرِ المصالحة الكبرى بين البيض والسود، إلا بعد اعتراف المجرم بجريمته والاعتذار عنها.

 
لكن السكتة القلبية هدية حقيقية من نظام السكوت والسكتة، فهو اعتراف بالاعتقال، وإسدال الستار عليه. الشعب السوري لا يزال يجهل مصير عشرات آلاف المفقودين من الثورة الأولى في الثمانينات، فهذا يعني أن ثمة تطوراً ورشداً في النظام في الثورة الثانية، لكن هدية المصالحة الوطنية للشعب لا تزال صغيرة، فالتبليغ يجري إما هاتفياً، وإما يتبلغ أهل المفقود بموته بعد السؤال عنه في السجل المدني. 


ليس هنالك فرقة عسكرية، ولا علم، كما في أمريكا عند التبليغ عن الأبطال، المفقودون كلهم الشباب، هم زهرة شباب سوريا، مدنيون، بعضهم اعتقل من عمله في الدولة الموقرة، أو من الشارع، أو وهم يقدمون الورود للأمن.

 

وتقول التحليلات التي تشبه التكهنات بأن سبب الاعتراف بموتهم هو محاولة لطي صفحة سوداء، وفتح صفحة جديدة، والمصالحة مع الغرب، وإرسال رسائل مودة وتطمين للنازحين للعودة إلى بلاد السكتة من مخيمات النزوح.


في جنوب أفريقيا، لم تجرِ المصالحة الكبرى بين البيض والسود، إلا بعد اعتراف المجرم بجريمته والاعتذار عنها.

 

واعتراف النظام هو بجعل قتلهم المؤلم سكتة قلبية طارئة مكرمة من القائد: احتجز المعتقل حسب الأصول القانونية، لكن سكتة قلبية سببها الشحوم الثلاثية والكولسترول وعدم ممارسة الرياضة أّدت إلى موته.

 

السكتة عطل فني طارئ في نظام لا ينقطع عن القتل، ربما مات وهو يتفرج على فلم درامي عاطفي في السجون السورية الراقية الخمس نجوم، والأفلام كثيرة، وكلها أفلام رعب، وجميعها تسبب السكتة.


وتقول التحليلات: إن موضوع المعتقلين سيطرح في أستانة، ولأنهم بمئات الألوف، فلا بد من كشفه، هي عقبة كبيرة والنظام وجد لها حلاً، المعتقلون ماتوا، لننتقل إلى الفقرة التالية، الإعلام بالموت بالسكتة هو إعلان نهاية خريف يأس، وبداية ربيع يأس جديد.


يقول فلم "فعل القتل الإندونيسي" الوثائقي: إن الشيوعيين تعرضوا لمجازر كبيرة في سنة 1965، وبعد أربعين سنة اعترف أحد القتلة، ورضي بتمثيل طرق القتل، وإنه كان يسوغ للقتل، بجعل الضحية شريراً، وأظنّ أن القاتل السوري ليس بحاجة لتبرير، فالشيوعية حزب حديث لم يظهر سوى منذ قرن، أما الطائفة، فهي تهمة من مئات السنين، سبب القتل أصلي.

 

وأسلوب القتل السوري منوّع أكثر، فالقاتل الإندونيسي كان يريد المال ويصطاد الضحية، أما الفاتل السوري، فيقتل من أجل التطهر والمتعة وأساليبه منوعة: ذبح، خنق، صعق.. الخلاصة هي أن النظام لن يرحل إلا بأسلوبه نفسه: السكتة القلبية 
  الناس عادة شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار؛
 الماء جفّ من زمان
 والكلأ احترق
 أما النار فقد اشتركنا فيها جميعا.


مات ابنكم بالسكتة، بلا جثة، بلا وقائع موت، بلا صور في عصر الصور. العزاء ممنوع، البكاء ممنوع. كان صدام حسين يغرم أهل الخائن بثمن الرصاص، وأحيانا يكون الرصاص كثيرا ما يكفي لقتل قبيلة لتكبير الغرامة، أما الأسد فيأخذ دار الضحية بالمرسوم عشرة أو بدونه.


هذا التبليغ فيه نكاية، هو إعلان للنصر الكبير: قتلنا ابنكم، اغتصبنا ابنتكم، عودوا إلى حضن الوطن المتجانس، العزاء المسموح به هو الرقص. ارقصوا تصحوا. السكتة القلبية اسم للمصالحة الوطنية الكبرى على جثث الشهداء.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل