مقالات مختارة

لا جديد في الأمر

حسن البراري
1300x600
1300x600

وكأن سلوك الكيان الصهيوني لم يكن عنصريا حتى تثور الضجة الجديدة على قانون قومية الدولة، فالمماراسات الإسرائيلية على أرض الواقع لم تكن لتخرج عن توصيات هذا القانون الجديد بالأساس، فالجميع يتذكر كيف أن إسرائيل وضعت ما تبقى من الفلسطينيين داخل الخط الأخضر تحت الحكم العسكري لغاية عام 1966. كما أن قانون العودة لليهود تم سنُّه في بداية الخمسينيات، وبموجبه يحصل أي يهودي على الجنسية الإسرائيلية بمجرد لحظة وصوله للمطار ومطالبته بالجنسية.
بمعنى آخر، أن دولة إسرائيل تعبر فقط عن اليهود ولم تكن دولة لكل مواطنيها في أي لحضة، والحق أن نضال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر تاريخيا كان من أجل المساواة، أي إنهم يرفضون الطابع اليهودي للدولة، ويطالبون بدلا من ذلك بأن تكون دولة مواطنة تَحترِم فيها الغالبيةُ اليهوديةُ حقوقَ الأقلية الفلسطينية.


وتاريخيا، اعتمدت الحكومات الإسرائيلية ثلاثة معايير للتعامل مع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وهذه المعايير هي الأمن والديمقراطية واليهودية. وفي حال حصول أي تضارب يتم التضحية بمعيار الديمقراطية لصالح يهودية الدولة وأمن الدولة. ولو تمعنّا بكل التشريعات التي جاء بها الكنيست الإسرائيلي على مر العقود، لكشفت عن محاولات إسرائيلية حثيثة وممنهجة لبسط أمر واقع على الجميع، يعلي من قيمة يهودية الدولة على حساب أي معيار آخر.


الأخطر بتقديري ليس القانون، وإنما القراءات الإسرائيلية التي برزت منذ مؤتمر هرتسليا الأول في عام 2000 وفيه قدم البرفيسور أرنون سوفير أطروحة الخطر الديمغرافي، الذي يشكله الفلسطينيون واقترح عندئذ بالانفصال عن الفلسطينيين، ويرى سوفير أن الانفصال هو الآلية الوحيدة التي تضمن نقاء الدولة اليهودية، وحتى انسحاب شارون أحادي الجانب جاء استجابة لهذا التفكير الإسرائيلي الذي بدأ يزحف ليحتل مركز السياسة في تل أبيب.


وعليه، يمكن القول بأن القانون الجديد جاء انسجاما مع فكرة الانفصال، غير أن الانفصال هذه المرة ليس عن الفلسطينيين في الضفة والقدس وإنما داخل الخط الأخضر، وربما يؤسس القانون الجديد لسياسة جديدة تستهدف فلسطيني الداخل، على أمل طردهم بشكل ناعم وتدريجي، بمعنى أن تطهيرا عرقيا في قيد التشكيل في قادم الأيام إن مضت إسرائيل في هذه السياسية.


وعلى نحو لافت، يشعر قادة الكيان الصهيوني أن هناك فرصة ذهبية لاستكمال آخر حلقات المشروع الصهيوني القائم على اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم لإقامة إسرائيل الكبرى بأغلبية يهودية ساحقة. فالانكشاف الاستراتيجي العربي نتيجة ارتدادات الربيع العربي والثورات المضادة، وتحول دول عربية رئيسية ووازنة إلى حليفة لإسرائيل، هو من بدل من البيئة الاستراتيجية التي تشعر إسرائيل بأنها أكثر من مناسبة لمثل هذا القانون.


وعودة على بدء، أقول أن لا جديد في الأمر، فالسياسة الإسرائيلية قائمة على التدرجية في ترجمة مشروع إحلالي، يهدف لإلغاء الوجود الفلسطيني توطئة لإقامة جدار جابوتنسكي الحديدي، الذي ستتكسر عليه كل الأصوات المعارضة لدولة إسرائيل. للأسف الشديد لم يأت الرد العربي ولا حتى الفلسطيني على قدر المسؤولية، وعلاوة على التناحر العربي ما زال التنافس الفصائلي السريالي على سلطة غير موجودة في الأساس سيد الموقف، وللأسف ما زال الردّان العربي والفلسطيني في مربع الاستهجان والشجب والإدانة، في حين أن إسرائيل تعرف كيف تلود بالإبل.


لا أعرف ما المبرر لاستئناف المفاوضات – كما يريد البعض العربي – مع طرف لا يقيم وزنا لمركزية القضية في الوجدان العربي! فإسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة وموازين القوة، وطالما العرب لا يتصرفون وفقا لهذا المنطق، فإنه لا حدَّ لعربدة إسرائيل التي يعتقد قادتها أنهم قاب قوسين أو أدنى من قطف إنجازات، ما كانوا ليحلموا بها قبل عقدين من الزمان.

 

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)