قضايا وآراء

هل هناك "غرفة عمليات إرهابية" واحدة أم أكثر؟

عادل بن عبد الله
1300x600
1300x600

في جميع البلدان الديمقراطية لا يستثني المتدخلون السياسيون والنقابيون والحقوقيون أي فرضية مهما كانت ضعيفة عند الحديث عن ظاهرة الإرهاب، وذلك لأنهم يبحثون عن الحقيقة أو على الأقل يبحثون عن رواية أقرب ما تكون من الحقيقة احتراما لأنفسهم ولعقول المواطنين.

 

أما في البلدان الدكتاتورية أو التي تعيش مسارا انتقاليا هشا ومتعثرا فتُحصر "التهمة" (وليس مجرد الشكوك) في طرف واحد وذلك لأن أغلب المتدخلين في الفضاء العام من النخب العلمانية لا يبحثون عن الحقيقة، بل يسعون إلى تزييف الوعي العام وتوجيهه لتبني طرح يستهدف طرفا معلوما -هو أساسا حركة النهضة- ويبرئ ما يُسمّى بالدولة الوطنية من أية مسؤولية ولو حتى في المستويين السياسي والأخلاقي.


ورغم أن من بديهيات التحليل الابتعاد عن مبدأ التفسير بالعامل الأوحد، ورغم أن من بديهيات الدرس القانوني التفريق بين المشتبه به والمتهم والمجرم، فإن غياب الحرفية(عند الإعلامي) وغياب النزاهة (عند السياسي أو النقابي) يجعلان من أغلب تدخلات هؤلاء أشبه بالمحاكمة العلنية على مذهب محاكم التفتيش سيئة الذكر.


انطلاقا من وعينا بضرورة التحرر من هيمنة الخطابات الإعلامية في مقارباتها الاختزالية والمؤدلجة للعمليات الإرهابية في تونس، فإننا نطرح الفرضيات الثلاث التالية للنقاش العام، وهي فرضيات نراها قادرة مبدئيا على تقديم مدخل جيد لفهم هذه الظاهرة ومواجهتها بعيدا –من جهة أولى- عن التوظيفات الحزبية والحملات الانتخابية والمكبوتات الاستبدادية، وبعيدا -من جهة ثانية- عن منطق الرغبة الذي لا يتقاطع مع واقع الأشياء إلا قليلا:


1- أن يشتغل الإرهاب وفق استراتيجية مستقلة وأن لا تكون له إلا غرفة عمليات سلفية محض، فلا يكون ما نراه من التقاء موضوعي مع مصالح الانقلابيين إلا مجرد توظيف سياسي من طرف هؤلاء لأحداث معينة.

 

إذ تُوظف الأحداث براغماتيا لخدمة سياسات إعادة الانتشار والتوازن للدولة العميقة دون أن تكون هناك علاقة "واقعية" (مباشرة أو عبر تنسيق إقليمي أو دولي) مع "الإرهابيين".

 

وهو ما يعني أن مصلحة السلفية في ضرب الربيع العربي لا تختلف في شيء عن مصلحة الكثير من الاطراف الاخرى في إفشال هذا المسار والعودة به إلى مربع 13 جانفي إن تعذرت العودة إلى مربع 7 نوفمبر لكن من غير أن يكون هناك تنسيق بينهما.


2- أن يكون استراتيجيات الإرهابيين مجرد ملحق وظيفي باستراتيجية أكبر (ذات امتدادات استخباراتية)، وهو ما يعني أن الإرهاب يرتبط "قصديا" بتنفيذ أهداف يراد لها خدمة الدولة العميقة في تونس وكذلك خدمة مصالح حلفائها الإقليميين (بعض جنرالات الجزائر) والدوليين (السعودية والإمارات وفرنسا).

 

فالإرهاب حسب هذه الفرضية ليس إلا أداة استخباراتية لإفشال التجربة الديمقراطية ومبدأ التعايش بين الإسلاميين والعلمانيين (في المستوى السياسي) وحماية نمط التنمية اللامتكافئ والتابع للرأسمال المعولم (في المستوى الاقتصادي)، ومنع انتشار الثورات داخل الفضاء العربي المحكوم بلوبيات الفساد وممالك النفط (في المستوى الإقليمي).


3- أن يكون "الجسد الإرهابي" مرتبطا بأكثر من غرفة عمليات، بحيث يكون حينا في خدمة استراتيجياته خاصة (عندما يرتبط مثلا بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) ويكون أحيانا أخرى في خدمة استراتيجيات الانقلابيين وحلفائهم الإقليميين والدوليين.

 

وهو ما يعني أن علينا افتراض وجود أكثر من استراتيجية "إرهابية" قد تتقاطع أحيانا ولكنها لا تخدم الأهداف نفسها ولا "الأسياد" أنفسهم على عكس الرؤية الاختزالية للعديد من السياسيين والأمنيين وأشباه الخبراء.


في ظل هيمنة الترسبات الاستبداية (بمختلف أدوارها الإعلامية والثقافية والسياسية والنقابية والأمنية) تظل "الجمهورية" التي يحتفل التونسيون يوم 25 جويلية بعيدها الثاني والستين، مجرد استعارة كبرى يختفي وراءها مركّب أمني -جهوي- مالي حكم الدولة منذ الاستقلال الصوري.

 

فقد تحوّل الحكم الوراثي "الحسيني" إلى حكم وراثي جهوي-زبوني، واستُعمل الدستور لتأبيد سلطة النواة الصلبة للمنظومة الحاكمة إما بالتزكية البرلمانية (بورقيبة) أو بالمناشدة"الشعبية" (بن علي).

 

كما بقيت كاريزما الولي بعد علمنتها و"تحديثها" فتحوّل"القطب" إلى "زعيم" وتحوّلت "الزاوية" إلى "حزب" وتحوّلت "الطاعة" الولائية الطرقية إلى "التزام" حزبي دوغمائي.

 

وهو ما يعني - إذا ما استعرنا هذه المقاربة من الباحث المغربي عبد الله حمودي في كتابة القيم" الشيخ والمريد"- أنّ "قيم الجمهورية" ليست "وراءنا" (في واقع مؤسسي أو في ممارسة سياسية) بل هي "أمامنا" باعتبارها "أفقا" مفهوميا ومخياليا ومؤسساتيا "يمكن" (وليس هذا من الحتمية التاريخية) أن نبنيَه "معا" انطلاقا من إعادة توزيع جذري للسلطة والثروات المادية والرمزية وانطلاقا من إعادة إنتاج النخب التي مازالت لم تستوعب بعد الحدث الثوري وترفض الاعتراف بممكناته المواطنية الاجتماعية.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل