قضايا وآراء

شهادتي على مجزرة العسكر في المنصة

عصام تليمة
1300x600
1300x600

بعد قيام الانقلاب العسكري في مصر بمذبحة الحرس الجمهوري وقتله المصلين في صلاة الفجر، طلب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي تفويضا وأمرا لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل – حسب تعبيره – وطلب من الناس النزول يوم الجمعة 26 يوليو 2013م، وقد كانت المسيرات تخرج من رابعة إلى العباسية وإلى وسط البلد في وقت الحر الشديد، وهم صائمون، مما أعطى صورة كبيرة عن صلابة وثبات أنصار الشرعية المعتصمين في رابعة وغيرها.


نزلت الجماهير الرافضة للانقلاب إلى ميدان رابعة والنهضة، ولكن كان العدد كبيرا وحاشدا في رابعة، فقد رأيت الخيام والحشود تصل من ميدان رابعة من جميع الاتجاهات إلى مساحات بعيدة، فمثلا في اتجاه المنصة وصلت إلى قرب النصب التذكاري واقتربت من أسوار جامعة الأزهر، رغم شدة حر هذا اليوم، فقد استشعر الرافضون للانقلاب خطورة استدعاء السيسي الناس للتفويض.


نزلت حشود الشرعية نهارا، وكانت مسيرات حاشدة رأيتها تشق عباب طرق القاهرة من العباسية إلى ميدان رابعة، رجالا ونساء، وكنا كلما مررنا على محل عصير أو أي محل به مياه، يمسك صاحبه بخرطوم المياه ويقوم برش المياه على المتظاهرين تخفيفا عنهم شدة الحر، ويعطي المتظاهر ظهره لمن بيده المياه، وتمضي دقائق ويجف ملابس المتظاهر من شدة الحر. بينما نزلت جماهير السيسي بعد الإفطار، في الليل، أشبه بحفلة ماتينيه، من فنانين وغيرهم، وشتان بين الحشدين.


انتهى حشد السيسي بفنانيه ومتظاهريه لأخذ لقطة، ولم يكن المحتشدون بالكثرة التي توقعها، أو طلبها، وكانت حشود الشرعية غفيرة لا تخطئها العين، خرجت بعد صلاة التراويح – كعادة أيام رابعة – تجوب الشوارع والمناطق المجاورة لها، من كل اتجاه مسيرة، وكنت مع المسيرة التي مشت باتجاه المنصة وطريق جامعة الأزهر، كانت المسيرة سلمية تماما، تهتف بالرئيس مرسي رئيسا شرعيا لمصر، وتندد بالانقلاب العسكري وجرائمه، وتحمل صورة ضخمة له حملها المتظاهرة بعرض المظاهرة وطولها، تردد الأغاني والشعارات.


انتهينا من سور جامعة الأزهر، لنجد على بداية الكوبري الممتد لأكتوبر، عربات الداخلية، ورجالها وقوفا بالسلاح، ترددت المسيرة بين الإكمال والعودة، وهتف كثير من المتظاهرين: ارجع، ارجع، عادت مقدمة المسيرة للخلف حتى لا تصل إلى صدام مع الجنود، لنفاجأ بقنابل تصيب الشخص بالإغماء وانعدام الرؤية، ثم بعدها مباشرة انهال الرصاص علينا من كل اتجاه.


جرى الجميع للعودة إلى مكان الاعتصام والجماهير في رابعة، كان الرصاص يصوب على المتظاهرين من ظهورهم، يصيب الرجال والنساء، وتيقنت بعدها أن رصاصا محرما ومجرما دوليا استخدم، شاء الله تعالى لي أن أنجو من موت محقق، فقد سقطت بجواري امرأة وابنتها من شدة الغاز الخانق، انحنيت ألتقطهما بيدي حتى لا يموتا دهسا بالأقدام، لأجد رصاصة تصطدم بسور قاعة المؤتمرات فتخترق السور بعد أن مرت من فوق عمامتي بسنتيمترات. 


ثم ذهبنا نحتمي بساحة جامع الزهراء (كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر)، لنفاجأ بعد ذلك أن أبواب جامعة الأزهر قد فتحت للقناصة والقتلة يصوبون رصاصهم الآثم من قلب جامعة الأزهر وجامع الزهراء، دون مراعاة لحرمة بيوت الله، ثم بدأ الشهداء والجرحى يتساقطون واحدا تلو الآخر. 


كانت مجزرة الحرس الجمهوري خرقا من العسكر لحرمة الساجدين المصلين، أما مجزرة المنصة، فكانت خرقا لحرمة الصوم وشهر رمضان، والجمعة، والمصلين القائمين الليل، وكانت موقفا جديدا يثبت غدر العسكر، بضرب العزل من ظهورهم، وهو ما يتنافى مع أخلاق الحرب مع الأعداء، فضلا عن أبناء الوطن الواحد.


وكانت مجزرة المنصة، بروفة عملية مصغرة للعسكر لمجزرة فض رابعة، وكانت زيارات كاثرين آشتون دائما يتبعها بعد مغادرتها مصر، مجزرة للعسكر، فقد كانت بمثابة ضوء أخضر للعسكر، يؤكده صمت العالم الغربي عن إدانة نظام العسكر في أي مجزرة قام بها، وقد كان علينا أن نعي هذا وقتها بوضوح أن العسكر في طريقه للفض بطريقة بشعة، ولو أدى إلى بحور وأنهار من الدم، دون حسيب أو رقيب، وسط صمت إقليمي ودولي، إلى أجل يعلمه الله تعالى وحده، يحاسب فيها كل من اقترفت يداه هذه المجزرة وغيرها.

0
التعليقات (0)