مقالات مختارة

الدولة اليهودية القومية.. كيف تكرس إسرائيل الأبارتيد (التمييز العنصري) وتحوله إلى قانون؟

بن وايت
1300x600
1300x600

ما القانون سوى محاولة أخيرة لتشريع التمييز ضد الفلسطينيين

أجازت الحكومة الإسرائيلية بشكل رسمي يوم الخميس قانون "الدولة القومية اليهودية". تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو من تمرير القانون قبيل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية للكنيست وتوجه أعضائه إلى الإجازة الصيفية. 

قال نتنياهو مخاطباً الكنيسيت بعد التصويت على القانون: "هذه لحظة فارقة في سجل الصهيونية وفي تاريخ دولة إسرائيل."

سريعاً ما أصبحت هذه المبادرة موضوع العناوين الإخبارية الرئيسية في إسرائيل، وتجاوب بالتعليق عليها المعارضون والمؤيدون لها على حد سواء. وكان الرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين قد حذر في رسالة مفتوحة يوم الخميس الماضي مما رآه أخطاراً كامنة في القانون – وخاصة المادة التي صممت لحماية وتعزيز وجود التجمعات المقتصرة على السكان اليهود دون سواهم. 

جهود الضغط السياسي

كما حث عدد من الزعماء اليهود الأمريكيين نتنياهو بقوة قبل التصويت على القانون على إعادة النظر مكثفين ضغوطهم السياسية في مسعى لمنع تمرير مشروع القانون. 

إلا أن كل هذه الجهود تميزت للأسف، وإن كان ذلك متوقعاً، بالإخفاق في فهم أو الأخذ بعين الاعتبار كيف أن وضع إسرائيل كدولة يهودية طالما تجلى في التشريعات وفي الممارسات والأهم من ذلك كيف أثر ذلك على الفلسطينيين باستمرار منذ عام 1948. 

تعج الإدارة الإسرائيلية بالعديد من التشريعات التمييزية، ولا يوجد نقص في الأساليب القانونية لإقامة مجتمعات منفصلة داخل إسرائيل. لا يوجد في إسرائيل حق في المساواة، وهي ليست دولة لكل مواطنيها، كما أن إعلان الاستقلال الذي كثيراً ما يحتفى به لا يمثل قانوناً دستورياً، بينما يمنح القانون الأساسي امتيازات خاصة لليهود بحجة حماية الدولة اليهودية على حساب المساواة مع المواطنين غير اليهود. 

وكما عبر عن ذلك مقرر تابع للأمم المتحدة في عام 2012، تقوم السلطات الإسرائيلية منذ زمن بتعقب "نموذج لتطوير الأراضي يستثني الأقليات ويميز ضدها بل ويخرجها من أرضها." كما لاحظت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري "تطبيق عدد من القوانين التمييزية على القضايا المتعلقة بالأراضي والتي تضر بشكل كبير بالسكان غير اليهود."

وبالفعل، من الملاحظ أن قضية التجمعات السكانية المقتصرة على اليهود دون سواهم، والتي حظيت بقدر كبير من الانتقادات التي نالت القانون الذي تمت إجازته يوم الخميس، يتم في العادة نقاشها دون أدنى إشارة إلى حقيقة أن إسرائيل لديها، ومنذ زمن، المئات من مثل هذه التجمعات السكانية المنفصلة، والفضل في ذلك يعود إلى الدور الذي تقوم به لجان خاصة تسمى لجان الإدخال. 

البداية كانت في النكبة

قبل عقد من الزمن أصدرت منظمة هيومان رايتس واتش تقريراً حول طريقة تشكيل هذه اللجان من ممثلين عن الحكومة وعن السكان بالإضافة إلى مسؤول كبير من الوكالة اليهودية أو المنظمة الصهيونية، وكيف أنها تستخدم لإقصاء العرب ومنعهم من العيش في التجمعات الريفية المقتصرة على اليهود دون غيرهم. 

من المفارقات المثيرة للسخرية ما يزعمه موردخاي كريمنيتزر من معهد ديمقراطية إسرائيل أن مثل هذا التمييز المؤسسي، الذي يمتد لعقود منذ النكبة، من شأنه أن ينهي صفة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. 

إلا القانون الجديد يمثل إبداعاً، من الناحية القانونية ومن الناحية السياسية على حد سواء، وهذا ما خلص إليه تحليل لمركز الحقوق "عدالة" في تقدير مقف أصدره يوم الأحد، وذلك أن قانون الدولة القومية اليهودية، ومن خلال تمتعه بوضع يشبه ذلك الذي يتميز به القانون الأساسي، سيسمح بتكريس الممارسات العنصرية في الدستور. 

تعيد التغطية الإعلامية الغربية بشكل عام إنتاج القصور والإغفال الذي يعتري آراء نقاد هذا القانون من الإسرائيليين. إلا أن إغفال ما يمر به المواطنون الفلسطينيون من تجارب في هذه الدولة "اليهودية الديمقراطية" تتضاعف وطأته بسبب التحليل الذي يخفق في الغوص عميقاً فيما حفز على اقتراح هذا التشريع وعلى تمريره.

لم يكن قانون "الدولة القومية اليهودية" نتاج تدافع يميني بين الليكود والبيت اليهودي أو بين نتنياهو ونفتالي بينيت. بل لو تعقبنا جذور التشريع المقترح لوجدنا أنه يكشف في الأساس عن رد فعل على الجهود التي ما فتئ المواطنون الفلسطينيون يبذلونها منذ عقدين من الزمن للتأكيد على هويتهم الوطنية والمطالبة بدولة تكون لجميع مواطنيها. 

مضاعفة الرهان

لم يطل المقام برئيس الشين بيت السابق أفي ديختر بعد أن بدأ جهوده في سبيل إجازة مشروع قانون حول "الدولة القومة اليهودية" في عام 2011 حتى أشاد بالمبادرة الصحفي الإسرائيلي لهف هاركوف، والذي يشغل الآن منصب محرر الأخبار في صحيفة الجيروساليم بوست، مشيراً إلى "زيادة ملحوظة في الحملات التي تنظم لنزع الشرعية عن إسرائيل في داخل البلاد وفي خارجها."

كان رد المؤسسة السياسية الإسرائيلية على مطالبة المواطنين الفلسطينيين بمساواة حقيقية أن ضاعفت الرهان على التمييز والمضي قديماً في مزيد من إجراءات الحماية بما في ذلك من خلال تمرير التشريعات الجديدة لوجود "الدولة اليهودية". 

إلا أن ذلك لم يأت دون فوائد، كما تبين من الضجة التي أحدثها القانون الجديد. وذلك أن ما يصبح مهدداً بمسودة التشريع ليس وجود إسرائيل "ديمقراطية" وإنما فكرة النقاد بوجود دولة "يهودية ديمقراطية" (أو على الأقل جدوى الإبقاء على هذه الفكرة). فهذا القانون بكل ما فيه من توحش يهدد قدرة إسرائيل على الاستمرار في تمييزها المؤسسي بلا ثمن على المستوى الدولي، بدليل ما حذر منه المدعي العام الإسرائيلي وزعيم اليهود الأمريكيين الحاخام ريك جيكوبس. 

الحرب الديمغرافية

كتب أورلي نوف الأسبوع الماضي في مجلة +972 يقول: "الوجه الحقيقي للصهيونية في إسرائيل هو الحرب الديمغرافية الكامنة والمستدامة ضد مواطنيها الفلسطينيين. وذلك أن إسرائيل إذا أرادت أن تكون يهودية وديمقراطية فهي بحاجة لأن تضمن وجود أغلبية يهودية."

وما قانون "الدولة اليهودية القومية" إلا جزء من هذه الحرب الديمغرافية التاريخية المستمرة – والتي تشهد على نضال المواطنين الفلسطينيين والجهود المبذولة لخنقه. 

وبينما تعزز إسرائيل من دولة الأمر الواقع، الدولة الواحدة بين النهر والبحر، لن تكون تلك هي المحاولة الأخيرة لفرض الأبارتيد (الفصل العنصري) الذي يعكسه التشريع الأخير. 

مترجم عن موقع ميدل إيست مونيتور

 

0
التعليقات (0)