مقالات مختارة

ولي عهد السعودية يعود بالمملكة إلى عصور الظلام

عبد الله العودة
1300x600
1300x600

منذ أن تأسس النظام الحالي للملكة العربية السعودية في ثلاثينيات القرن الماضي، وعد عدد متعاقب من الملوك وأولياء العهد بوضع أو حاولوا وضع نوع من الآليات الديمقراطية موضع التنفيذ.

إلا أن ولي العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان، الذي برز من بين أقرانه من أبناء الجيل الجديد داخل العائلة الحاكمة كزعيم للمملكة، يبدو عازما على إعادة المملكة إلى أعراف حقبة ما قبل المملكة العربية السعودية، حيث إنه بز كل أسلافه في ترسيخ دعائم النظام الملكي المطلق. 

في مقابلة مع ذي أتلانتيك، صرح محمد بن سلمان بأن "الملكية المطلقة ليست خطرا على أي بلد." ثم أضاف: "لولا الملكية المطلقة لما كانت لديكم الولايات المتحدة، حيث إن الملكية المطلقة في فرنسا هي التي ساعدت على إيجاد الولايات المتحدة من خلال مساندتها. الملكية المطلقة ليست عدوا للولايات المتحدة، بل هي حليف لها منذ وقت طويل جدا".

أخفق محمد بن سلمان في الإشارة إلى أن المستعمرات كانت ثائرة على الملكية المطلقة. من خلال إعلانه ذلك، يتبنى محمد بن سلمان بشكل كامل الموقف السابق على الحداثة، الذي تخلى عنه تقريبا جميع أسلافه، بما في ذلك جده الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية في شكلها الحالي. ثم إن محمد بن سلمان من خلال ترويجه للملكية المطلقة وتخليه حتى عن مجرد الوعد بالديمقراطية، يكشف عن أن نظرته إلى الملكية أشد تخلفا من نظرة جده. 

في عام 1924، عندما غزا الملك عبد العزيز الحجاز، وهي أهم منطقة على الإطلاق في شبه جزيرة العرب؛ نظرا لوجود مكة المكرمة فيها، وعد بإنشاء مجلس منتخب وبالسماح بالمشاركة السياسية انطلاقا من مفهوم الشورى في الإسلام، ووعد بتوفير الحرية المطلقة. وكان الملك عبد العزيز قد ندد بالانتخابات الزائفة وبالبرلمان الصوري وبالوعود التي تقطع للناس ولا يتم الوفاء بها. وكان يفترض في المجلس المنتخب الذي اقترح تشكيله، أن يملك أعضاؤه المنتخبون السلطة للرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وإقرار الميزانية واقتراح التشريعات. وفي عام 1926، صاغ الملك عبد العزيز وثيقة تشبه الدستور، تضمنت الإطار النظري لمستوى ما من المساءلة والمشاركة في السلطة. 

رغم أن هذا التوجه نحو الدستورية لم يتحقق في نهاية المطاف، إلا أن الأمل ظل قائما، وكذلك الإطار النظري للديمقراطية. وفي عهد الملك سعود، أول أبناء عبد العزيز جلوسا على العرش، كاد مقترح تحويل النظام إلى الملكية الدستورية يجد طريقه للتطبيق، حينها نشر الأمير طلال بن عبد العزيز "خطابا إلى المواطن"، اشتمل على العناصر الأساسية للملكية الدستورية المقترحة التي كان من المفروض أن تطبق بحلول عام 1960. نص الدستور المقترح على حماية حقوق الإنسان والحريات العامة، كما وفر الدستور المقترح حماية لحق إنشاء النقابات والجمعيات المهنية، وهو حق لم يتسن النص على حمايته في أي تشريع سعودي لاحق. ولكن ما أن نصب الملك فيصل رسميا في عام 1964، حتى أجهض مشروع الدستور نهائيا. 

في عام 1975 أكد ولي العهد فهد الأساس الديمقراطي في الإسلام، وعندما أصبح ملكا في عام 1982 وعد بإنشاء مجلس يشبه البرلمان وبإجراء انتخابات شعبية، ولكن شيئا من ذلك لم يتحقق بتاتا. ثم بادر شقيق فهد، ولي العهد الأمير عبد الله، في عام 2003 إلى إحياء الوعود القديمة بالتحول نحو الديمقراطية ونحو الملكية الدستورية، وذلك بعد أن قام عدد من المفكرين والنشطاء من أطراف الطيف السياسي كافة بالتوقيع على عريضة موجهة له بعنوان "رؤية لواقع ومستقبل الأمة".

 

طالبت العريضة بإجراء انتخابات وبالفصل بين السلطات وبضمانات لحماية حقوق الإنسان ووضع حد للاعتقالات التعسفية في المملكة. وعندما التقى ممثلون عن المجموعة مع ولي العهد عبد الله، علق على عريضتهم تلك بالقول: "رؤيتكم هي رؤيتي، ومشروعكم هو مشروعي."

تبعت ذلك عدة عرائض أخرى مشابهة، كان أشهرها تلك التي عرفت باسم "نحو دولة الحقوق والمؤسسات" التي قدمها والدي، العالم الشهير سلمان العودة (الذي ما لبث يقبع في السجن منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي)، ومعه بعض أصدقائه بعد أن وقع عليها عدة آلاف من المواطنين بما فيهم أنا شخصيا وعدد من أفراد عائلتي، وكانت العريضة علامة على ذروة النشاط الشعبي في المملكة العربية السعودية، للمطالبة بملكية دستورية وبالديمقراطية في المملكة العربية السعودية.

 

ما من شك في أن الظاهرة التي باتت تعرف بالربيع العربي هي التي ربما حفزت أصحاب العريضة، وأدت إلى اكتسابها شهرة واسعة، ولكن هذه المرة لم يقدم عبد الله، الذي كان يتربع على عرش المملكة، ولكنه توفي بعد ذلك، أي وعود بالديمقراطية.

أما محمد بن سلمان البالغ من العمر اثنين وثلاثين عاما، فلم يعد سوى بعهد طويل من الملكية المطلقة والقبضة الحديدية على السلطة. والمفارقة أنه بينما وعد بمستقبل اقتصادي براق ضمن مبادرته لإقامة مدينة عصرية باسم نيوم، وعد أيضا بتراجع ديني إلى الأوضاع نفسها التي نجم عنها أسوأ حادث إرهابي تعرضت له البلاد في عام 1979. 

لم يكن الملوك وأولياء العهود السابقون كذلك حريصين على اعتناق الديمقراطية، ولربما لم يتحركوا قيد أنملة تجاهها، إلا أن مناوراتهم مع الشعب التي كانت تتضمن القول بأنهم يقبلون بالديمقراطية كغاية، سمحت بحدوث تفاعل صحي بين الناس والملوك، وكان مثل هذا التفاعل تصاحبه باستمرار فرصة عظيمة لقيام عقد اجتماعي ذي معنى بين الشعب والعائلة الحاكمة، الأمر الذي كان يؤسس لمستقبل ديمقراطي أكثر استقرارا. 

إلا أن التغير في الذهنية، الذي تجلى بوضوح من خلال توجه محمد بن سلمان نحو التشبث بسلطة مطلقة أبدية، يشير إلى انتقال دراماتيكي بعيدا عن الوعود الديمقراطية، التي كانت تعطي بعض الأمل للناس بمستقبل أفضل رغم أن أيا منها لم يتحقق. حصلت الإدارة السعودية الجديدة على تغطية إعلامية إيجابية في الولايات المتحدة بفضل خطابها الذي يتحدث عن مستقبل تكنولوجي، بما في ذلك الحديث عن مدينة تدار آليا، وكذلك بسبب سماحها للنساء بقيادة السيارات.

 

ولكن ينبغي ألا ينخدع بذلك أحد، فنحن نشهد عودة إلى ماضي المملكة العربية السعودية، ومن خلال تخليه عن الوعد بالديمقراطية، لربما يتجه ولي العهد فعليا نحو العودة بالمملكة العربية السعودية إلى عصور التخلف والظلام.  

 

* عبد الله العودة زميل دراسات عليا في القانون الإسلامي والحضارة بكلية القانون في جامعة ييل، وزميل مخضرم في مركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون. 

 

(عن صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، ترجمة "عربي21")

1
التعليقات (1)
غسان غلاينه
الجمعة، 20-07-2018 08:20 م
حقاً انه مقال صادم يكشف السذاجة السياسية للعلماء الذين يثق بهم المسلمون. العلماء يعلمون مراوغة آل سلول على مدى 90 عاماً و مازالوا يطرقون نفس ذات الباب آملين أن يفتح لهم! لو تذكرتم أن المؤمن كيس فطن، أو لو راجعتم حديث لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، أو فقهتم الآية "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه" لوفرتم على أنفسكم و أهليكم عناء المعتقلات و ما فيها.