كتاب عربي 21

هل ستخرج تركيا من الناتو؟

علي باكير
1300x600
1300x600

في استطلاع للرأي أجراه مركز بيو البحثي العام الماضي عن الكيفية التي تنظر بها شعوب 12 دولة في حلف شمال الأطلسي إلى التحالف، جاءت تركيا في قاع الاستطلاع لناحية النظرة الإيجابية والسلبية. 23% من الأتراك قالوا إنهم ينظرون بإيجابية إلى الحلف مقابل 58% قالوا إنّهم ينظرون إليه بسلبية.

تعكس هذه الأرقام العديد من المؤشرات لعل أهمّها مؤشر الثقة في التحالف ومؤشر مدى الحاجة إليه، لكنّها لا تعبّر بالضرورة عن السياسة الرسمية للبلاد. فعلى هامش قمّة الناتو، وجّه صحفيون سؤالا إلى وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو عمّا إذا كانت بلاده تعتزم الخروج من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فأجاب الأخير قائلا "لسنا ذاهبين إلى أي مكان".

يعكس هذا الجواب بدوره حقيقة راسخة في كم التناقضات التي تحكم العلاقة بين تركيا وعدد من حلفائها الغربيين في الحلف، وهي أنّه لا يمكن لأنقرة التخلي عن الناتو والعكس صحيح أيضا. ففي تصريحات لمساعد أمين عام حلف شمال الأطلسي للدبلوماسية العامة تاجان إلدم، كشف الأخير عن أنّ أنقرة ستزيد في حقيقة الأمر من مساهمتها في الحلف، من خلال ثلاثة مقترحات. المقترح الأول يقضي بتخصيص مقر قيادة القوات المسلّحة البريّة التركية في إسطنبول لتكون مقرا لمركز القيادة البرية في الهيكلية الجديدة لحلف شمال الأطلسي. أمّا المقترح الثاني، فيقضي بمساهمة تركيا في مهمّة التدريب الجديدة التي أطلقها الناتو في العراق. وفيما يتعلق بالمقترح الثالث فهو يقضي أن تتولى تركيا قيادة فرقة العمل المشتركة للاستعداد العالي جدا التابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عام 2021.

قبيل القمّة الأخيرة، قام وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو بشرح المنطق الذي يقف خلف قرار بلاده شراء منظومة (اس-400) الروسية الصنع للدفاع الصاروخي، مشيرا إلى أنّ قدرات الحلف الدفاعية المجتمعة لم تستطع أن تؤمّن أكثر من 30? من المجال الجوّي التركي، وبما أنّه لم يتح المجال لأنقرة لشراء منظومة (باتريوت) الأمريكية المتوافقة مع الشبكة الدفاعية لحلف شمال الأطلسي، اضطرت إلى التوجه نحو روسيا للحصول على الـ(اس-400). لا يبرر مثل هذا الأمر التوجه التركي فقط، بل يطرح علامات استفهام حول مدى التزام الحلف بالدفاع الفعلي عن أحد أعضائه، وبالضمانات الأمنيّة التي يقدمها.

خلال القمّة الأخيرة، كان لافتا أن يولي الحلف اهتماما خاصا للمخاوف التركية وهو ما بدا واضحا من خلال المادة 23 في إعلان الحلف الصادر في 11 يوليو. أشارت هذه المادة إلى أنّ "تدابير الثقة التي يخصصها الحلف لتركيا في الاستجابة للتحديات الأمنية المتزايدة القادمة من الجنوب تساهم في أمن مجمل التحالف، وسيتم تنفيذها بالكامل". عدا عن كون هذا الكلام اعترافا صريحا بشرعية المخاوف التركية المتأتّية من انهيار الوضع الداخلي في سوريا والعراق، وانعكاساته السلبية المتزايدة على أمنها القومي نتيجة تزايد الإرهاب واللاجئين، فانه يعدّ اعترافا بأهمّية الدور التركي في دفع التحديات غير التقليدية المتزايدة على دول الحلف، وتاليا بأهمّية التدابير التي يتخذها الحلف لحماية تركيا.

وبالرغم من المؤشرات الإيجابية المتزايدة، لا يزال الخلاف القائم بين دول الحلف ولاسيما بين أنقرة وواشنطن من جهة، وواشنطن وألمانيا يلقي بظلاله على هذه الشراكة، ويثير الشكوك حول مدى قدرة الحلف على مواجهة المخاطر غير التقليدية المتزايدة مؤخرا لاسيما من قبل روسيا. العلاقة مع روسيا ستشكل من دون شك تحدّيا جديدا لأنقرة أمام حلفائها الغربيين في المرحلة المقبلة، وسيكومن من المثير معرفة الكيفية التي ستتمكن من خلالها من موازنة مصالحها وأولوياتها. 

0
التعليقات (0)