كتاب عربي 21

أطفال المريوطية وقطار البدرشين

آيات عـرابي
1300x600
1300x600

لا أعلم حتى الآن ماذا قال الإعلام العسكري في مصر عن كارثة انقلاب عربات قطار البدرشين، لكن لا بد أنهم تحدثوا عن ضرورة أن يتحلى الناس بالصبر لكي (يبنوا بلدهم)، ولا بد من كثير من التبريرات، ولا بد أن خريطة برامج التوك شو كانت مزدحمة، وأن الشاشات اكتظت بالخبراء ليتحدثوا عن مشكلة شبكة القطارات. 

في إحدى الصحف الانقلابية، قرأت عن سرعة القبض على عامل التحويلة والتحقيق معه، والجملة نفسها على قصرها، إلا أن القسوة تفوح من حروفها، فالحكومة وضعت يدها على المتسبب بالحادثة، وانتهى الأمر، وسينال عقابه، وستحقق العدالة، وستعود الأمور إلى نصابها، وستتوقف حوادث القطارات، وسيبيت الشعب مسرورا. هكذا أوحت الجملة السريعة. 

أما أطفال المريوطية الثلاثة الذين عثروا على جثامينهم منذ أيام، فقد قالوا في صحف الانقلاب إنهم ماتوا اختناقا بسبب حريق شب في إحدى دور رعاية الأيتام. وقال أسامة كمال، المذيع بإحدى القنوات الانقلابية والمقرب من عسكري الانقلاب، إن قتل الأطفال كان بدافع الانتقام، وليس بدافع سرقة الأعضاء وهكذا قدموا للناس عدة معلومات متضاربة في حادث واحد كان كفيلا بأن يهز بلدا بأكمله. 

يجب هنا ألّا تتوقع أن ترى عمرو أديب يصرخ على الشاشة محدثا السيسي كما كان يفعل مع الرئيس مرسي، ولا تتوقع أن ترى لميس الحديدي تقول للانقلابي السيسي (مش قد الشيلة ما تشيلش)، وهي الجملة التي واجهت بها الرئيس مرسي في أعقاب حادثة ما.

لا تتوقع أن تسمع إعلاميين يجتمعون أمام شاشات وهم يستضيفون خبراء ما في مجالات ما، لينذروا الشعب من الكوارث التي ستحل على قطاع النقل وعلى شبكات الطرق، كما كانوا يفعلون قبل الانقلاب على الرئيس مرسي، ولن تسمع عن أي شيء عن المسؤولية المباشرة لعسكري الانقلاب عن تلك الكوارث المتوالية التي لا تتوقف، بل ستسمع كلاما عجيبا عن ضرورة أن يشارك الشعب في تحمل المسؤولية، وعن أن الشعب لا يقوم بدوره كما يجب، وعن تهالك شبكة القطارات التي تعود لعهد خوفو، وعن أي تفاصيل أخرى، المهم ألا ينتقد أحد عسكري الانقلاب، وألا يوجه له أي لوم، فقد جرت إعادة ضبط الواقع الإعلامي في مصر إلى عصر ما قبل 25 يناير. 

قواعد اللعبة التي كان يمارسها الإعلام وقتها على الشعب بسيطة جدا، فالوزراء يمكن أن يخطئوا، لكن الجالس على مقعد الحكم في قصر الاتحادية لا يمكن التعرض له أبدا، وهو ما تغير بالطبع بعد 25 يناير. 

والجديد أنهم لم يكتفوا بإعادة الأمور إلى ما أسوأ مما كانت عليه قبل 25 يناير، بل الأسوأ أن تتصور أن مصابي حادث قطار ما من تلك القطارات التي لا تتوقف عن الانقلاب في مصر، وهم يسمعون نشيدا ما ينبعث من سماعات ما معلقة على جدران مستشفى حكومي، ثم مسؤول ما بالمستشفى يبلغهم بضرورة ترك أسرتهم؛ لعدم كفاية الأماكن، كما يحدث دائما مصر. 

لقد تحولت مصر إلى ما هو أبعد من تلك الخيالات الجامحة التي قد تصورها لك رواية ما كرواية 1984، وصار على أهلها أن يتحملوا كل ذلك القدر من المآسي اليومية وانقلابات في كل شيء، انقلاب على الرئيس المنتخب، وانقلاب قطارات بركابها، وانفلات في أسعار كل شيء، ثم على من يمرض منهم أن يستمع إلى نشيد ما.

4
التعليقات (4)
امين دمارجي...الجزاءر.
الإثنين، 16-07-2018 12:32 ص
جازاك الله خيرا اختى...والمزيد من التالق...وكان الله في عون شعب مصر الشقيق...
ليبي حر...
الإثنين، 16-07-2018 12:10 ص
آيات عرابي . شكراً لكِ.
اشرف عبد الفتاح
الأحد، 15-07-2018 10:46 ص
اصل الاعلام المصرى بياخد بالمليارات
فواز
الأحد، 15-07-2018 09:27 ص
انقلاب قطار ومن يعيش الانقلاب لا يرى شيئا صحيحا اذا كان باقى عنده بقيه من نظر -- من هنا وما ادراك ما هنا - هنا القاهره