صحافة دولية

أتلانتك: هذا شرط نجاح الديمقراطية العربية

شادي حميد: نجاح الديمقراطية العربية شرطه القبول بالإسلاميين- الأناضول
شادي حميد: نجاح الديمقراطية العربية شرطه القبول بالإسلاميين- الأناضول

نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للباحث من معهد بروكينغز شادي حميد، يقول فيه إنه رغم ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من سيادة الديكتاتوريات، إلا أن هناك جهات فيها تحاول ممارسة الديمقراطية

ويقول الباحث في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن السؤال الدائم عما إذا كانت الديمقراطية ستنجح في الشرق الأوسط، من الصعب الإجابة عليه، مشيرا إلى أن الجواب بشكل عام هو أنها لم تنجح.

ويستدرك حميد بأنه "رغم الحروب الأهلية في اليمن وليبيا وسوريا، والديكتاتورية في السعودية ومصر، وعدم الاستقرار الاقتصادي في الأردن، فإن هناك ثلاث حالات تتحدى فكرة فشل الديمقراطية".

ويشير الكاتب إلى أن "تونس، التي عقدت أول انتخاباتها البلدية في مرحلة ما بعد الثورة، لا تزال هي النقطة المضيئة، وإن بشكل نسبي، وهناك حالتان غير محتملتين في لبنان والعراق، وتشترك هذه الحالات بمظهرين عامين: الأول هو مشاركة أحزاب إسلامية في العملية الديمقراطية، أما المظهر الثاني هو أن فيها قدرا من التشارك في السلطة". 

ويلفت حميد إلى أن "هذه الترتيبات تتسم في لبنان تحديدا بقدر من القصور العميق والفوضى، وهي مسؤولة عن ترسيخ الطائفية، ولا تزال المقاعد البرلمانية مخصصة بناء على المحاصصة الطائفية".

وتنقل المجلة عن الباحث في مؤسسة كارنيغي جوزيف باحوط، قوله: "كما هي العادة ليس هناك منتصرون أو مهزومون في الأزمة اللبنانية.. ويعتقد الكثير من اللبنانيين، على ما يبدو أن نظامهم هو الخيار الأسوأ مقارنة مع جيرانهم". 

ويورد الباحث نقلا عن الكاتب اللبناني مايكل يانغ، قوله إن كل تجمع طائفي، لا لبيرالي وانعزالي، إلا أنه من خلال التفاعل "يميلون عادة لإلغاء بعضهم بشكل يفتح المجال أمام الأفراد للعمل وبحرية نسبية". 

ويفيد حميد بأن "العراق مثل لبنان، شهد إقبالا ضعيفا على الانتخابات، لكن، كما ورد في شهادة الباحثة في بروكينغز تامارا ويتس أمام الكونغرس، فإن التجربتين الانتخابيتين قدمتا درسا مهما، قائلة: (لو استطاع كل من العراق ولبنان تنظيم انتخابات حرة) فإن هذا سيجعل من الصعوبة بمكان (أمام الحكام الأقوياء في الدول العربية الأخرى القول إنهم لا يستطيعون المخاطرة بالاستقرار والسماح لشعوبهم باختيار من يريدونه حاكما)". 

 

ويرى الكاتب أن "مجرد وجود الأحزاب الإسلامية عادة ما يقود إلى الاستقطاب، خاصة عندما تمثل مناطق انتخابية كبيرة وقوية ومحافظة، وظلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة ترى في وجود تمثيل إسلامي كبير، أو أي تمثيل إسلامي، احتمالا يحمل المخاطر".

 

ويجد حميد أنه "رغم عدم ارتياح الرئيس جورج دبليو بوش وإدارته للإسلاميين، إلا أنه كان الذي عبد الطريق أمامهم للوصول إلى السلطة، من خلال الانتخابات الديمقراطية في العراق، لأول مرة في العالم العربي، وبعد انتخابات كانون الثاني/ يناير 2005، تسلم إبراهيم الجعفري من حزب الدعوة رئاسة الوزراء، وخدم عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين العراقية في عدد من المناصب، منها وزارة التعليم العالي والتخطيط". 

 

وينوه الباحث إلى أنه "في لبنان، أصبح حزب الله لاعبا مهما في الائتلافات الحكومية، رغم معارضة الولايات المتحدة والسعودية، والنقطة هنا ليست هي أن هذه الحكومات كانت جيدة (فحزب الله مصنف بأنه جماعة إرهابية، ومشارك في عمليات القتل الجماعي التي يقوم بها النظام السوري)، لكنها تشير إلى أن الديمقراطية العربية تترافق، في المستوى العملي، مع تطبيع الأحزاب الإسلامية".

ويقول حميد إنه "حتى في تونس، التي لم يتم تطبيع الإسلاميين فيها بعد؛ لأن التجربة الديمقراطية لا تزال في مهدها، إلا أنها تقدم الملامح ذاتها، فالمرحلة الانتقالية، التي مر بها البلد منذ الإطاحة بزين العابدين بن علي عام 2011، تقدم صورة على أن التجربة الديمقراطية لا تنجو فقط، بل إنها تنتعش بشرط أن يتم دمج الأحزاب الإسلامية في العملية السياسية، وقاد حزب النهضة الإسلامي الحكومة والمجلس الدستوري في الفترة ما بين 2011- 2014، بالتشارك مع حزبين علمانيين، وقادت التجربة لما أطلق عليه مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (أكثر الأطر القانونية التقدمية والديمقراطية للمجتمع المدني في العالم العربي)، وتضم أقوى الحريات التعاونية، وحماية لحقوق الإنسان في المنطقة، وما يثير الدهشة أو لا يثيرها- بناء على وجهة نظرك- فإن هذه التحولات تتعرض للخطر من الحكومة العلمانية الحالية".

ويذكر الكاتب أن بعض المحللين، مثل إبراهيم الأصيل، يناقشون بأن تونس هي استثناء؛ لأن حركة النهضة استثنائية، فهي حزب إسلامي تخلص من ماركة "الإسلامية"، وتصالح مع فكرة الدولة العلمانية. 

ويرى حميد في كتابه "الاستثنائية الإسلامية" أن هذه التحولات هي نتاج شروط النجاة والخوف من القمع، وتعبير عن البراغماتية، وليست نتاجا لتحولات أيديولوجية.

ويذهب الباحث إلى أن "المفارقة أنه في الحالة التونسية فإن استعداد الإسلاميين لأداء دور الطيب -الذي يبدو أحيانا إيجابيا- أسهم في توجه مقلق، وهو التراجع الديمقراطي في أمور مثل إصلاح الشرطة، والتدقيق الواضح في استراتيجية مكافحة الإرهاب، وغياب المحاسبة في جرائم وفساد رموز النظام السابق، وكونه أكبر حزب سياسي في البرلمان، فإن لدى النهضة القدرة على مواجهة أولويات رئيس الوزراء يوسف الشاهد والرئيس الباجي قايد السبسي، وبدلا من ذلك فإن الحزب أكد على الحذر والإجماع والاستقرار؛ خوفا من العودة إلى أيام الاستقطاب والقمع". 

ويعتقد حميد أنه "مع أن أداء دور الشريك الصغير في الحكومة منح النهضة موقعا محميا، إلا أن هذا يعني حرمان تونس من كتلة متماسكة، كان يمكن أن تؤدي دور جماعة الضغط الفعالة القادرة على تقوية الديمقراطية الانتقالية، فالرغبة في التنازل وعدم المحاسبة تأتي أحيانا بثمن". 

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "تعد هذه التوجهات المخفية مثارا حقيقيا للقلق، وفي الحد الأدنى، على الأقل في الوقت الحالي، تقدم الممارسة الحية للديمقراطية معادلا ضد الوضع الاستبدادي الحالي، الذي يبدو أحيانا غير متسامح وقاسيا، وفي هذه الحالات كلها، فإن الديمقراطية لم تكن ممكنة دون الأحزاب الإسلامية، وهذا يمنحنا مساحة للتفكير، في وقت تظهر فيه الديمقراطيات الغربية اهتماما قليلا لدعم الديمقراطية أو دمج الإسلاميين، أو كلا الأمرين".

التعليقات (0)