صحافة دولية

فورين أفيرز: ماذا كشفت انتخابات تركيا عن مستقبلها السياسي؟

فورين أفيرز: الحملة الانتخابية كشفت زعماء المستقبل في تركيا- جيتي
فورين أفيرز: الحملة الانتخابية كشفت زعماء المستقبل في تركيا- جيتي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للباحث المتخصص في الشأن التركي هليل كارافيلي، يقول فيه إن رجب طيب أردوغان فاز بدورة ثانية رئيسا لتركيا، وحصل على أكثر من 50% من الأصوات متجنبا جولة تصويت ثانية. 

 

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن حزب العدالة والتنمية خسر قليلا في الانتخابات البرلمانية، لكنه حافظ على أغلبيته في البرلمان؛ وذلك بفضل المشاركة الفعالة لحلفائه الحزب القومي، لافتا إلى أن منافس أردوغان محرم إنجة، وهو المرشح الرئاسي عن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، حصل على 30% من الأصوات، حيث يعد ذلك أفضل النتائج لحزب ديمقراطي اجتماعي في تركيا منذ أكثر من 40 عاما، وقال إنجة بعد أن أعلنت وكالة "الأناضول" للأنباء النتائج، إن الانتخابات لم تكن عادلة لكنه قبل بفوز أردوغان.

 

ويعلق كارافيلي قائلا إنه "مع أن أردوغان حصل على ما يكفي من الأصوات ليتجنب جولة انتخابية ثانية، إلا أن الحملة كشفت زعماء المستقبل في تركيا، فلأول مرة منذ أن قدم إلى السلطة قبل 15 عاما رئيسا للوزراء، كان على أردوغان أن يتعامل مع منافسين يمثلون توجهات اجتماعية متنامية: الديمقراطية الاجتماعية واليمين القومي، وبالإضافة إلى التحدي اليساري من إنجة، كان على أردوغان مواجهة ميرال أكشنار عن حزب الخير القومي اليميني، حيث يعد ثلثا الشعب التركي أنهم إما متدينين أو قوميين أو محافظين، وأقل من الثلث يعد يساريا أو ديمقراطيا اجتماعيا أو شيوعيا، لكن تحولا قد يكون في مرحلة التكون". 

 

ويلفت الكاتب إلى أن "الأحزاب اليمينية سادت السياسة التركية لفترة طويلة، ولم يفز في الانتخابات حزب ديمقراطي اجتماعي منذ أربعين عاما في 1977، وحظي اليمين بتأييد جماهيري بإعادة صياغة الصراع الطبقي على أنه حرب ثقافية، أما الناس الذين يشكلون في بلدان أخرى قاعدة التأييد لأحزاب اليسار والوسط والفلاحين والعمال وأدنى الطبقة المتوسطة يؤيدون المحافظين الشعبويين، يجذبهم إليهم الدين والاستياء من النخبة في المدينة، وكثير من الأثرياء لهم نظرة غربية، ما سهل على المحافظين أن يلبسوا الصراع الطبقي لباس المواجهة الثقافية والدينية، وأردوغان هو آخر –وأنجح- زعيم محافظ في أداء دور المدافع عن الناس العاديين ضد سكان المدينة الأثرياء".  

 

ويبين كارافيلي أنه "قبل إنجة، فإن اليسار وقع في فخ المحافظين بتبني توجه نخبوي اعتبر المتدينين رجعيين، ولذلك عندما فاز الديمقراطيون الاجتماعيون المرة الوحيدة، كان يقودهم زعيم لم يكن مزدريا للمتدينين، ويبدو أن إنجة تعلم من التاريخ، ففي سبعينيات القرن الماضي كان مراهقا، وانضم حينها إلى حزب الشعب الجمهوري، وينحدر من بلدة صغيرة، ويصف نفسه بأنه (الابن الثائر من عائلة محافظة)، لكنه أيضا متدين ويحضر صلاة الجمعة، وليس لديه مشكلة مع الحجاب أو الآباء الذين يرسلون أبناءهم لمدارس دينية، بالإضافة إلى أنه تجنب استخدام كلمة (علمانية) خلال حملته الانتخابية، وهذا حرم أردوغان من نعته بممثل نخبة أثرياء المدينة، وبدلا من ذلك قام إنجة باستخدام سلاح الطبقات ضد أردوغان، باتهامه بأنه يمثل الأثرياء، مع أنه يدعي أنه واحد من الشعب". 

 

وينوه الكاتب إلى أن "إنجة تقدم بالتواصل مع الأكراد، وهم عادة ما أهملتهم الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية، وعندما ظهر في ديار بكر وعد بأن (يحترم) الأكراد، وأشار إلى معارضته للأساليب القمعية التي تتبعها الحكومة مع الأكراد، بالإضافة إلى أن تأييد إنجة للأكراد سبق الحملة الانتخابية، ففي عام 2016، عندما أراد البرلمان التركي أن يرفع الحصانة عن أعضاء أكراد في حزب الشعب الديمقراطي؛ لتمهيد الطريق لمحاكمتهم، رفض أن يصوت على ذلك، واختلف مع حزبه على هذا الموضوع، حيث طلب رئيس الحزب في ذلك الوقت من أعضائه التصويت مع رفع الحصانة، كما أنه بدأ حملته الرئاسية بزيارة زعيم حزب الشعب الديمقراطي المسجون صلاح الدين ديمرداش، الذي كان المرشح الرئاسي لحزبه".

 

ويفيد كارافيلي بأن "المرشحة الرئيسية المعارضة الأخرى أكشنار فهي مبغوضة من الأكراد، حيث كانت وزيرة للداخلية في أواسط تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت الأجهزة الأمنية تقوم بحرب قذرة في مناطق الأكراد، وتم خلالها اغتيال سياسيين ومفكرين ورجال أعمال أكراد، وأكسبتها قسوتها لقب المرأة الحديدية، وفي عام 2016، تركت حزب الحركة القومية اليميني المتطرف، وشكلت حزب الخير، لكنها التزمت بموقفها القومي المعادي للأكراد، وتعهدت بحل مشكلة الأكراد خلال ستة أشهر، ربما باستخدام المزيد من أساليب مكافحة التمرد القاسية". 

 

ويستدرك الكاتب بأن "القومية التي تتبناها أكشنار تختلف قليلا عن تلك التي يتبناها أردوغان في السنوات الأخيرة، التي تتناغم مع غالبية الأتراك، لكن برنامجها الاقتصادي -وهو نسخة من سياسات أردوغان- أثبت أنها غير مقبولة أقل، فهي لم تتعامل مع الرغبة المتنامية للعدالة الاجتماعية والمساواة لمحدودي الدخل، وزيادة التململ في الطبقة العاملة، وتدني الأجور، وتنامى عدم المساواة في الدخل خلال حكم حزب العدالة والتنمية، واستخدمت الحكومة قانون الطوارئ لمنع عدد من محاولات الإضراب، ومع أن أردوغان يدعي أنه يمثل الشعب ضد النخبة الثرية، إلا أن تلك النخبة في الواقع كانت المستفيد الرئيسي من سياساته".


ويجد كارافيلي أنه "من هنا، فإن إنجة استفاد من عدم الرضا عن الفجوة الطبقية المتنامية، أكثر من أكشنار ليكون المنافس الرئيسي لأردوغان، لكن إنجة مصلح وليس ثوريا، وطمأن البنك المركزي بأنه سيبقى مستقلا، وظهر على أنه ديمقراطي اجتماعي على مذهب كينز الاقتصادي؛ فدعا إلى إعادة توزيع الدخل، واقتصاد إنتاجي يخلق وظائف، ووجدت تلك الرسالة استحسانا، فالنموذج الاقتصادي التركي يقوم على الاستهلاك بشكل كبير، الذي يمول من رؤوس الأموال الأجنبية، في الوقت الذي بقي فيه الاستثمار الصناعي متدنيا، ووصل هذا النهج إلى طريق مسدود، وتظهر الاستطلاعات أن غالبية الأتراك يريدون سياسات اقتصادية تعطي أولوية لخلق الوظائف".

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "الديمقراطية التركية تحتاج إلى بديل ديمقراطي اجتماعي عن القومية، وإن بقي الصراع التركي الكردي الذي يغذي اليمين القومي يغلب على القضايا الطبقية، فإن الاستبداد سيستمر، وحتى فترة ما بعد أردوغان". 

0
التعليقات (0)