كتاب عربي 21

نهاية هادئة للجبهة الجنوبية في سوريا

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600

منذ تحول الأزمة السورية إلى نقطة صراع وتنافس دولي وإقليمي، شكلت الجبهة الجنوبية نموذجا إرشاديا لمستقبل سوريا عبر دينامية تفاهمات التهدئة التي تراعي مصالح الدول الفاعلة وتبدد مخاوفها وقلقها إلى حد بعيد وتؤسس إلى حالة من الهدوء والاستقرار، حيث تراجعت أهمية فعالية الديناميات المحلية عبر فصائل الجبهة الجنوبية التي أصبحت رهنا للقوى الخارجية، من خلال آليات التمويل والتسليح والتحكم بدينامية العمل الميداني العسكري والمسار السياسي.

وبهذا، تتجه الجبهة الجنوبية إلى نهاية هادئة بعد تفاهمات القوى الدولية والإقليمية، الأمر الذي جعل الجبهة الجنوبية الوجهة التالية للنظام السوري، بعد أن تمكن من استعادة السيطرة على آخر المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة في ريف دمشق ومحيط حمص. وقد حشدت قوات النظام لاستعادة السيطرة على منطقة "خفض التصعيد" في الجنوب الغربي لسوريا، والتي تمتعت بحماية خاصة بموجب الاتفاق الثلاثي بين روسيا، والولايات المتحدة والأردن.

 

تتجه الجبهة الجنوبية إلى نهاية هادئة بعد تفاهمات القوى الدولية والإقليمية، الأمر الذي جعل الجبهة الجنوبية الوجهة التالية للنظام السوري


خصوصية الجبهة الجنوبية في سوريا وأهميتها الاستثنائية لدى كافة أطراف الصراع المحلي والإقليمي والدولي؛ تنبع من طبيعة موقعها الجغرافي وأهميتها الاستراتيجية، إذ يعتبر الجنوب السوري عقدة حساسة لتقاطع مصالح عدة دول إقليمية، بحدوده مع الأردن أو الجولان المحتل من قبل إسرائيل، وموقعه كخاصرة جنوبية غربية للعاصمة السورية دمشق. وكانت المنطقة قد دخلت اتفاق "جنوب غرب سوريا" الذي توصلت إليه روسيا والولايات المتحدة والأردن منذ تموز/ يوليو 2017 بغطاء اتفاق "خفض التصعيد"، للحفاظ على خالة من الهدوء وتجنب أي عمليات عسكرية.

تلخص الجبهة الجنوبية في سوريا دينامية تحول الأزمة السورية من حركة احتجاجية محلية سلمية إلى حركات مسلحة ضد النظام؛ سرعان ما انقلبت إلى نزاع إقليمي، لتدخل في أتون صراع دولي. ويبدو أن الجبهة الأكثر نشاطا مع بداية الثورة السورية منتصف آذار/ مارس 2011 تحولت إلى الجبهة الأشد هدوءا. فمنذ تشكيل غرفة التنسيق المشترك لأصدقاء سوريا صيف 2013، باتت الجبهة الجنوبية رهنا للحسابات الإقليمية والدولية، وعقب التدخل الروسي في أيلول/ سبتمبر 2015 والتفاهمات الأمريكية الروسية، إبان إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، أصبحت الجبهة الجنوبية خاملة وهادئة.

 

لحظة تاريخية فارقة دشنت تخلي الدول الغربية والعربية، ممن أطلقت على نفسها "مجموعة أصدقاء سوريا"، عن المعارضة السورية، وتركتها لمواجهة مصيرها المحتوم بالفناء


لا تنفصل الجبهة الجنوبية عن الوقائع الجديدة التي أدت إلى الاستدارة التركية عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة وتفاهمتها الروسية، والتي أدت إلى خلق وقائع جديدة حققت من خلالها قوات الحكومة السورية تقدما كبيرا توجت في كانون أول/ ديسمبر 2016، باستعادة النظام جيب المعارضة الرئيس في حلب، وهي آلية دشنت هدنا عسكرية مختلفة؛ استثمرها النظام في عمليات السيطرة التي ترتكز على تكتيكات العزل والقضم، وقادت إلى تعاظم الدور الروسي الذي استثمر دوره الحاسم بالدعوة إلى عقد اجتماع أستانة الأول في عاصمة جمهورية كازاخستان في كانون الثاني/ يناير 2017 لتثبيت وقف إطلاق النار، وقد شهدت الجولة الرابعة من مفاوضات أستانة التأكيد على وقف إطلاق النار والاتفاق على إقامة أربع مناطق لخفض التصعيد، واستدخال فصائل المعارضة المسلحة في حرب "الإرهاب" المتجسد في تنظيمي الدولة والنصرة. وهكذا، فإن تاريخ كانون الثاني/ يناير 2017 يمثل لحظة تاريخية فارقة دشنت تخلي الدول الغربية والعربية، ممن أطلقت على نفسها "مجموعة أصدقاء سوريا"، عن المعارضة السورية، وتركتها لمواجهة مصيرها المحتوم بالفناء.

نظرا لموقع الجبهة الجنوبية الحساس، ارتكزت جهود الولايات المتحدة وحلفائها، في إطار "غرفة العمليات المشتركة" في عمان، على دعم وإسناد مكونات الجيش الحر، وممثلها الأبرز فصائل "الجبهة الجنوبية"، والتي بلغ عدد أفرادها أكثر من 30 ألف مقاتل، والتي هدفت في عهد أوباما إلى أولوية التصدي للحركات السلفية السنية المصنفة كمنظمات إرهابية، ثم توسعت في عهد ترامب لمحاربة المليشيات الشيعية وحزب الله والمنظمات المدعومة إيرانيا. وبعد طرد التنظيمات السنية "الإرهابوية"، أصبحت الأولوية طرد المليشيات الشيعية والقوى والفصائل المرتبطة بإيران.

 

كان الهدف من وقف إطلاق النار والمنطقة العازلة التي وضعتها اتفاقية خفض التصعيد هو تلبية الاحتياجات الأمنية الأردنية والإسرائيلية


عندما أعلن عن التوصل إلى اتفاق خفض التصعيد الخاص بالجبهة الجنوبية، بين أمريكا وروسيا والأردن، في 7 تموز/ يوليو 2017، ثم الموافقة على إنشاء مركز مراقبة مشترك في عمان في آب/ أغسطس، وصولا إلى استكمال شروط الاتفاقية عبر "مذكرة مبادئ" في تشرين الثاني/ نوفمبر.. أسست الصفقة لمنطقة عازلة تستثني المليشيات الأجنبية المدعومة إيرانيا التي تدعم الحكومة السورية، إلى جانب الالتزام بطرد الجهاديين، وتُستمد المصالح الأمريكية في جنوب غرب سوريا بشكل أساسي، حسب مجموعة الأزمات الدولية، من مصالح حلفائها الإقليميين (الأردن وإسرائيل). فقد خشي الأردن من استئناف الصراع المسلح الذي يمكن أن يؤدي إلى موجة جديدة من اللاجئين نحو حدوده، ويمكّن الجهاديين والمليشيات المدعومة من إيران. فالجهاديون في الجنوب الغربي، وخصوصا مقاتلي "هيئة تحرير الشام" وتنظيم "الدولة الإسلامية"، رغم أن عددهم قليل نسبيا ومحدود جغرافيا، إلا أن عودة الحرب إلى الجنوب سوف تمنحهم فرصة تجديد المقاومة المسلحة ضد الجيش السوري. أما بالنسبة لإسرائيل، فإن مخاوفها تدور بشكل أكثر تحديدا حول الوجود الإيراني، سواء أكان بالقرب من الجولان أو في جميع أنحاء سوريا. وحسب مجموعة الأزمات، كان الهدف من وقف إطلاق النار والمنطقة العازلة التي وضعتها اتفاقية خفض التصعيد هو تلبية الاحتياجات الأمنية الأردنية والإسرائيلية.

على مدى الأشهر القليلة الماضية، تم التوصل إلى تفاهمات بين الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة، ولم تعد فصائل الجبهة الجنوبية قادرة على مواجهة الترتيبات الجديدة، وانحسرت خياراتها بصورة قاهرة بعد الإعلان الأمريكي عن وقف الدعم والتمويل والتسليح. وبهذا، لم تعد هذه الفصائل قادرة على فرض أي شروط، وشكلت مسألة المليشيات المدعومة من إيران محور النقاش الذي يمنع قوات النظام السوري من شن هجوم عسكري؛ خشية من التدخل الإسرائيلي. ووفقا لتقارير إخبارية ومسؤولين إسرائيليين، تحدثوا إلى مجموعة الأزمات الدولية، فإن إسرائيل وروسيا توصلتا إلى تفاهم أولي حول عودة الدولة السورية إلى الجنوب الغربي، مشروطا باستبعاد العناصر المدعومة إيرانيا من تلك المنطقة، وقد أعرب المسؤولون الإيرانيون علنا عن دعمهم لجهود روسيا لاستعادة سيطرة الدولة السورية في الجنوب الغربي، وقالوا إن إيران لن تشارك في الهجوم، إلى جانب التأكيد على رفض إيران فكرة الانسحاب كليا من سوريا، كما تطالب إسرائيل.

 

إسرائيل وروسيا توصلتا إلى تفاهم أولي حول عودة الدولة السورية إلى الجنوب الغربي، مشروطا باستبعاد العناصر المدعومة إيرانيا من تلك المنطقة


خلاصة القول، أن استعادة قوات النظام السوري لمناطق الجبهة الجنوبية هي مسألة وقت لن يستغرق طويلا، فالحملة التحضيرية التي تستهدف ريف محافظة درعا، عبر قصف القرى والبلدات براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة، تبعث برسالة واضحة لفصائل الجبهة الجنوبية، وتؤسس لاختراقات بإنجاز مصالحات مع فصائل ومناطق وشيوخ عشائر تجد نفسها مكشوفة دون غطاء أو سند في ظل اختلال ميزان القوى. ويشكل إعلان روسيا عدم مشاركة قوتها الجوية في معارك الجنوب تكتيكا للحفاظ شكليا على اتفاق "خفض التصعيد"، ويمهد في ذات الوقت لتلعب روسيا دور الوسيط في "حل النزاع"؛ عبر سلسلة مصالحات وتسويات على غرار ما حصل جنوبي العاصمة دمشق، وهي دينامية تقع في صلب الترتيبات والتفاهمات الجديدة بين الأطراف الدولية والإقليمية. ورغم إعلان فصائل الجبهة الجنوبية أنها سوف تتصدى لقوات النظام السوري، ووجود تسريبات بحصولها على بعض الأسلحة، إلا أن تلك هي الطريقة لا ستكمال إخراج الصورة على مسرح الأحداث. فخلال فترة وجيزة سوف تتكشف فصول الجبهة الجنوبية الهادئة.

التعليقات (0)