مقالات مختارة

إنقاذ الأردن!

حسن البراري
1300x600
1300x600

شكلت الاحتجاجات السلمية والحضارية في الأردن على مدار ثمانية أيام نقطة تحوّل كبيرة في العقل الجمعي الأردني، فلأول مرة يشعر الأردنيون بأن بلدهم تُركت لتواجه مصيرها وحدها؛ إذ ساد إحساس كبير بين الناس بأن الأردن يدفع ثمنا؛ لقاء مواقفه من صفقة القرن على وجه التحديد. لذلك جاء الحراك الذي استهدف الحكومة وفريق الليبراليين الجدد على وجه التحديد، ليقوي من موقف الملك عبدالله في التعامل مع دول الإقليم.


اعتقد البعض بأن الأردن يمر بأصعب لحظاته، وحتى الإسرائيلي عوديد إيران كتب مقالا يطالب به الولايات المتحدة والسعودية بنجدة الأردن؛ لأن انهيار الأوضاع في الأردن سيعاني منه الجميع بمن فيهم السعودية، وأكثر من ذلك طالب عوديد إيران بأن تقوم الحكومة الإسرائيلية بالضغط على الولايات المتحدة، لتقوم بدورها بالضغط على السعودية لتقديم مساعدات للأردن في هذا الظرف الدقيق جدا. 


والقلق على مستقبل الأردن كان القاسم المشترك لدول الإقليم، فكانت الكويت الرائدة في الاستعداد بالمساعدة، وطالب الشيخ حمد بن جاسم بضرورة مساعدة الأردن، وكذلك اتصل الرئيس أردوغان بالملك، إضافة إلى بقية دول الخليج التي عبرت عن تعاطفها مع الأردن في هذه الأزمة.


في هذه الأثناء، دعت المملكة العربية السعودية إلى لقاء رباعي يضم السعودية والأردن والكويت والإمارات العربية المتحدة لمناقشة سبل دعم الاقتصاد الأردني. والجدير بالذكر أن توترا ملحوظا برز إلى السطح بين الأردن والسعودية في الأشهر القليلة الماضية؛ نتيجة لاختلاف الرؤى الأردنية عن السعودية فيما يتعلق بعدد من ملفات الإقليم. وكان هناك عدد من التحليلات التي تفيد بأن السعودية ستعاقب الأردن اقتصاديا على مواقفها السياسية، غير أن الحراك الأردني الحضاري والاستياء الشعبي من خذلان الأردن من قبل الحلفاء، قد ترجم إلى قوة بيد الملك الذي يستطيع أن يواجه الجميع من منطلق قوة الضعف.


فالدول المجاورة تخشى من أن يتطور الحراك المدني الراقي في الأردن إلى أنموذج لشعوب شقيقة، فنجاح أي حراك سلمي في دولة ملكية في الدفع بحزمة من الإصلاحات السياسية الجدية، من شأنه أن يقلق بلدا مثل السعودية، التي ربما ما كانت ستتعامل مع التظاهر الحضاري بالطريقة نفسها التي تعامل بها الملك عبدالله الثاني. لذلك يأتي القرار بالمساعدة خشية من أن يقدم الأردن النموذج الذي لا يمكن لهم التسامح مع وجوده، والذي يحرجهم أمام شعوبهم.


وعلاوة على ذلك، فإن من شأن انهيار الأردن اقتصاديا فتح صندوق الشرور على الإقليم، فالأردن يشكل منطقة عازلة تفصل بين السعودية والأخطار المحدقة بها من تهريب وتجارة أسلحة ومخدرات، كما أن الأردن يفصل بين السعودية وسوريا وبين السعودية وإسرائيل، وما من شك أن انهيار هذا العازل سيفرض تحديات كبيرة جدا على الرياض، وستكون مواجهة هذه التحديات باهظة أكثر من دعم الأردن الحالي.


هذه هي خلفيات دعوة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى لقاء مكة لمساعدة الأردن اقتصاديا، ومن المبكر الحكم على طبيعة هذه المساعدات وشكلها، لكنها مساعدات مرحب بها إن لم تكن مشروطة بشروط سياسية لا يمكن للأردن أن يقبل بها، ولعل وجود أمير الكويت – رأس الحكمة هذه الأيام – في اللقاء يطمئن الأردنيين بأن بلادهم لن تتعرض إلى ابتزاز جديد.


بكلمة إنقاذ الأردن من أزمته الاقتصادية الخانقة، ممكن بمزيج من المساعدات الخارجية النوعية والعمل على معالجة سوء الإدارة الذي طغى على الأداء الرسمي للحكومات المتعاقبة في السنوات الماضية، وعلى الأردنيين التفكير جديا باجتراح صيغ بديلة لما يقدمه صندوق النقد الدولي؛ لأنها صيغ ساهمت بما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في الفترة الأخيرة.

 

الشرق القطرية

0
التعليقات (0)