سياسة دولية

فورين أفيرز: تحالف الأسد نحو الانهيار وهكذا يمكن دفعه أكثر

لكن التحليل يعوّل من جانب آخر على الصدع المفترض بين حليفي النظام السوري، إيران وروسيا- سانا
لكن التحليل يعوّل من جانب آخر على الصدع المفترض بين حليفي النظام السوري، إيران وروسيا- سانا

تساءلت مجلة "فورين أفيرز" عن الكيفية التي يمكن من خلالها لأمريكا مواجهة إيران والحد من طموحاتها في سوريا.

وقالت، وفق تحليل كتبه إيلان غولدنبرغ ونيكولاس هيراس من معهد الأمن الأمريكي الجديد، إن الجواب يكمن في تفكيك التحالف الموالي للرئيس بشار الأسد.

وتوقف التحليل ابتداء عند اللهجة الشديدة التي تميز بها خطاب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حيال إيران، بجانب الانسحاب من اتفاق النووي، لكنه يعقّب بالقول إن اللغة الخطابية لم تُقرن بعد بالعمل.

لكن التحليل يعوّل من جانب آخر على الصدع المفترض بين حليفي النظام السوري، إيران وروسيا.

ويرى التحليل أن طهران تريد ترسيخ مكاسبها في سوريا، وممارسة الضغط على إسرائيل، لكن النظام السوري وحزب الله وروسيا يخشون من مواجهة عسكرية شاملة مع إسرائيل قد تقوض كل ما قاتلوا من أجله لعقود في منطقة الشرق الأوسط.

ويشير التحليل إلى أن وضع الأسد بات قويا مقارنة بعام 2012. وكان لروسيا دورها المحوري في محافظته على موقعه في الحكم، إلا أن إيران استخدمت تدخلها في سوريا لبناء سلسلة من القواعد العسكرية، ومكّنت الحرس الثوري الإيراني من إعادة تشكيل عدد من قطاعات الأمن التابعة للأسد، ووفر لحزب الله فرصة "من السماء" لينشر الآلاف من مقاتليه في سوريا، واستورد آلافا آخرين من أفغانستان والشيعة العراقيين واليمنيين للقتال نيابة عن الأسد. كما قام الحرس الثوري بتجنيد وتشكيل مليشيات محلية شملت مقاتلين من مختلف الطوائف. وأصبح الحرس الثوري منخرطا في الاقتصاد السوري، وحصل على عقود لإعادة بناء شبكات الاتصال وصناعة المناجم. وبناء على هذه المعطيات، تحاول إيران استخدام قواتها في سوريا لبناء ضغط استراتيجي على إسرائيل.

وأشار التحليل إلى مساعي الحرس الثوري لمساعدة حزب الله على إنشاء مصانع لإنتاج الصواريخ داخل لبنان وعلى الحدود اللبنانية- السورية، ولم تتوقف عن تزويده بالأسلحة المتقدمة لاستخدامها وتهديد إسرائيل.

كما قامت إيران في الأشهر الأخيرة بسلسلة من النشاطات قرب الحدود مع إسرائيل، وشنت هجوما صاروخيا على الجانب المحتل من الجولان استدعى ردا انتقاميا من إسرائيل.

ويرى التحليل أن الدافع للمواجهة يتمثل في النقطة التي تتصادم فيها أولويات إيران مع مصالح الأسد وحلفائه الآخرين. ففي الوقت الذي يقوم فيه الأسد بتدعيم حكمه يقوم مع حلفائه بمحاولات لتطبيع وجوده والحصول على تمويل لإعمار سوريا. ومع أن الأسد لن يحصل على تمويل من الدول الأوروبية، إلا أنه يأمل باستثمارات من الصين والهند والبرازيل وحتى بعض الدول الأوروبية التي تبحث عن استثمارات مثل إيطاليا، ولكل ذلك لا يبحث الأسد عن المواجهة مع إسرائيل القادرة بقوتها العسكرية على إحداث ضرر كبير داخل سوريا بشكل يعرقل جهود التطبيع وإعادة البناء. ويُضاف إلى ذلك أنه لن تكون هناك استثمارات دولية حال استبدلت بالحرب الأهلية مواجهة بين إيران وإسرائيل داخل سوريا.

ويرى التحليل أن روسيا أيضا ترغب بتجنب المواجهة الجديدة، خاصة أن الرئيس الروسي بوتين يريد إنهاء الحرب بطريقة تمنحه السمعة والمكانة الدولية التي يبحث عنها. وتريد موسكو تقوية سيطرتها على القاعدة البحرية في طرطوس والقاعدة الجوية الوحيدة في الشرق الأوسط (حميميم)، التي تقوم بتوسيعها لدعم عملياتها العسكرية المستقبلية في المنطقة. ويرغب بوتين بتأمين عقود إعمار لحلفائه، خاصة تلك المتعلقة باحتياطات الغاز الطبيعي على الشاطئ السوري والصحراء السورية في الوسط والشرق من البلاد، وأي مواجهة عسكرية مع إسرائيل ستعُرّض كل هذه الطموحات للخطر.

 

أما حزب الله، فهو قلق من حرب جديدة، خاصة بعد تقوية مكانته السياسية في الانتخابات الأخيرة، وصده محاولات تنظيمات مثل القاعدة وتنظيم الدولة بناء قواعد لها داخل لبنان وشن هجمات منها على سوريا، فحرب جديدة قد تدمر كل ما بناه الحزب منذ الحرب الأخيرة التي خاضها مع إسرائيل عام 2006.

لكن الحزب، برأي "فورين أفيرز"، يواجه تحديا في العلاقة مع الحرس الثوري الإيراني. ففي الوقت الذي كان فيه الحزب بمثابة الجماعة الوكيلة التابعة له في الشرق بحيث منحه ورقة نفوذ على راعيه، إلا أن قادة الحرس الثوري ومنذ بداية الحرب الأهلية أنشأوا عددا من المليشيات المحلية داخل سوريا. ويظل السؤال مفتوحا حول قدرة الحزب على رد طلب من الحرس الثوري المشاركة في أي مواجهة ضد إسرائيل.

ويرى التحليل أن الانقسامات هذه تعزل إيران عن شركائها في سوريا. ففي الهجمات الأخيرة التي نفذتها إسرائيل برضى أو بتعاون روسي، اختارت روسيا عدم جمع قواتها مع تلك التابعة لإيران، بشكل يمنح إسرائيل وبناء على اتفاق تجنب الصدام في الأجواء السورية فرصة ضرب الأهداف الإيرانية في أي وقت تريد. وتمثل الغارات الإسرائيلية الأخيرة تذكيرا لموسكو بأهمية ألا يمارس الحرس الثوري نشاطاته في المناطق التي يسيطر عليها النظام وتحويلها لقواعد خلفية ضد إسرائيل.

ويشير التحليل إلى الخلاف بين روسيا وإيران حول وجود القوات الأجنبية في سوريا مع انخفاض وتيرة القتال، مذكّرا بتصريح بوتين عن ضرورة مغادرة القوات الأجنبية لسوريا. وهناك تقارير عن طلب الأسد من الإيرانيين مغادرة المناطق الجنوبية في مناطق خفض التوتر قرب الحدود الأردنية. وربما فضّل الأسد العمل مع الروس من خلال عمليات مصالحة مع الجماعات المسلحة المحلية مقابل حصولها على نوع من الاستقلالية.

وإذا صحت التقارير عن سحب قوات الحرس الثوري من مناطق الجنوب، خاصة درعا، فستكون خطوة كبيرة للأردن وإسرائيل. وقد تُقدم كنموذج للطريقة التي يتم من خلالها الحد من الطموحات الإيرانية عندما تواجه بمعارضة موحدة من الأسد وحزب الله وروسيا، وبتهديد من إسرائيل.

أما عن خيارات واشنطن في التعامل مع الوضع، فيرى الكاتبان محدودية الحضور الأمريكي في مناطق الغرب، حيث الوجود الإيراني القوي يحد من نفوذ أمريكا. ومع ذلك هناك عدد من الخطوات التي يمكن لأمريكا من خلالها توسيع شقة الخلاف بين حلفاء الأسد، وبالتالي إنهاء التأثير الإيراني في سوريا.

الأولى: التخلي عن وهمِ رحيل الأسد، مع أن الاعتراف ببقائه لا يعني التعامل معه وهو المسؤول عن مقتل نصف مليون شخص وتشريد الملايين.

الثانية: يجب على الولايات المتحدة التأكيد ودون مواربة على نيتها البقاء في شمال شرق سوريا ولأمد طويل؛ فهذه المناطق بالإضافة للشمال تحتوي على مصادر البلد الرئيسية من النفط والماء والزراعة، بحيث يمنح ترامب ورقة نفوذ بشأن مستقبل سوريا. ما يعني أن تصريحاته بشأن مغادرة سوريا لا تساعد حتى لو تراجع عنها. وطالما ظلت القوات الأمريكية في هذا المنطقة من سوريا فستركز القوات الموالية للنظام على مناطق أخرى بشكل يزيد من الانقسام داخل التحالف، خلافا للحال إذا انسحبت منها وتقدم النظام وحلفاؤه نحوها.

الثالثة: هناك دور لا يزال بوسع الولايات المتحدة أن تلعبه في الجنوب بالتعاون مع الأردن وإسرائيل. وقد دعمت جماعات معتدلة هناك تسيطر على المنطقة منذ سنين. ويجب على إدارة ترامب أن توضح علانية أن المعارضة التي تسيطر على منطقة جنوب غرب سوريا يجب أن تحتفظ باستقلالها الذاتي وتواصل الحصول على المساعدات الإنسانية من خلال المعابر الحدودية مع الأردن. ولدعم هذه الأهداف يجب على إدارته رفع الحظر عن 200 مليون دولار مخصصة لتمويل عمليات الاستقرار في سوريا. ويمكن تخصيص جزء من هذه الأموال لتدريب الجماعات المسلحة، وتحويلها إلى قوة أمن محلية، ودعم مؤسسات الحكم في هذه المجتمعات. وتعدّ هذه الجهود عملية وبراغماتية، ولن تؤثر على المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة حول مستقبل جنوب غرب البلاد، وستعطي صورة أن أمريكا لا تزال تستثمر في استقرار سوريا.

وأخيرا، فتهديد إسرائيل باستخدام القوة كما بدا من الغارات الأخيرة يُعدّ ورقة ضغط ضد طهران. وبالتأكيد ستواصل أمريكا دعم إسرائيل، لكن يجب أن تحث حليفتها على ضبط النفس.

وينتهي التحليل إلى التأكيد من جديد على أن استراتيجية أمريكية ينبغي أن تقوم على استغلال الخلافات داخل التحالف المؤيد للأسد.

 

التعليقات (0)