مقالات مختارة

عام من الحصار

حسن البراري
1300x600
1300x600

عام بالتمام والكمال مرّ على فرض دول خليجية أربع حصارا على دولة قطر، بهدف ليّ ذراعها وإجبارها على إخضاع سياستها الخارجية وفقا لأولويات سعودية متضاربة، والحق أن الموافقة على إملاءات دول الحصار تعني إلغاء للسيادة القطرية وهو أمر لا يمكن لعاقل أن يقبل به، فما بالك بالشعب القطري المتسامح والسخيّ والمعتد بنفسه وباستقلاله الوطني وبقيادته؟!


أدارت دولة قطر سياستها بشكل قلل من الخسائر التي كانت دول الحصار تأمل بأن تسببها لقطر، وتمكنت الدوحة من إيجاد بديل مجد لما كانت تقدمه هذه الدول بشكل أفشل الحصار، بدليل أن أهداف الحصار لم تتحقق، وعلاوة على ذلك ترسخت ثقافة قطرية جديدة، تستند إلى فكرة الاعتماد على الذات وتنويع تحالفات الدولة الخارجية.


الدرس الأبرز الذي يمكن أن نتعلمه من هذا الحصار المفروض، هو أن محاولات مصادرة الإرادة الوطنية للشعب القطري قد فشلت فشلا ذريعا، فمحاولات ولي العهد السعودي إخضاع قطر للقرار السعودي وصلت إلى طريق مسدود، وعليه ليس واضحا كيف يمكن للقيادة السعودية أن تنزل عن شجرة عالية دون وجود سلم، الأمر الذي لم يتوفر لغاية هذه اللحظة بالرغم من جهود الوساطة الكويتية.


فمع دخول الأزمة عامها الثاني، لا يبدو أن الجانب القطري معنيا بأي شيء أكثر من المضي في سياسة مستقلة تضمن ازدهار البلاد والعباد، فقطر ماضية في عملية التحديث وسياسة الاعتماد على الذات، وفي تحصين البلد ليكون في وضع مناسب للدفاع عنه في قادم الأيام. غير أن الجهود القطرية الرامية لترسيخ الاستقرار في الإقليم، تصطدم بمحاولات بائسة من قبل دول الحصار التي تعتقد أن سياسة "النفس الطويل" التي تتبعها، ستجبر قطر في نهاية الأمر على الامتثال للمطالب السعودية.


بؤس دول الحصار تمثل بأبشع صوره من خلال التحذيرات السعودية – أو لنقل التهديدات – بأنها ستهاجم منظومة صواريخ س س 400 التي تنوي قطر شراءها من روسيا، وكأنه لا حق لقطر في أن ترفع من جاهزيتها العسكرية للدفاع عن نفسها، في حين أن للسعودية الحق في شراء ما تريده من السلاح! أي منطق هذا؟! مفارقة عجيبة لا يمكن فهمها إلا في سياق التناقض والتخبط الذي ميّز سياسة دول الحصار إزاء قطر، والحق أن هذا التخبط شمل السياسة الخارجية لهذه الدولة، وهو تخبط يعزى إليه فشل هذه الدول ليس فقط في الحصار، وإنما في ملفات أخرى ربما تفوق أهميتها التهديد الذي تشكله استقلالية السياسة القطرية لهذه الدول.


راهنت دول الحصار على قدرتها على اختطاف السياسة الأمريكية بقوة المال ومبيعات السلاح، وبذلت جهدا كبيرا ومكلفا لخلق انطباع في واشنطن بأن دولة قطر هي من يدعم الإرهاب، بمعنى أن مشاكل الكرة الأرضية ستجد طريقها إلى الحل إذا ما تغير النظام في قطر! والحال أن هناك عددا من المبتزين في واشنطن غرروا بالسعودية والإمارات لدفع الأموال الطائلة، لعل هذه الأموال تحقق ما عجز حصارهم عن تحقيقه. لكن الشيء بالشيء يذكر، فقد بذلت قطر جهدا دبلوماسيا وإعلاميا لشرح حقيقة الأمر، واللافت أن قطر بدبلوماسيتها المتوازنة والراشدة، تمكنت من إزاحة البساط من تحت أقدام دول الحصار.


باختصار، لن تنجح هذه الدول في تحقيق ما ترنو إليه من خلال الحصار والشيطنة والحملات الإعلامية المليئة بالتلفيقات والأكاذيب، فقطر هي دولة لا تدعم الإرهاب وفيها سجل حقوق إنسان أفضل بكثير من كل دول الحصار، وشعبها يعيش حالة من الرخاء المفقود في دول الحصار، ومرد ذلك هو الاستثمار الجيد للموارد القطرية. لا يمكن التنبؤ متى ستنتهي الأزمة، غير أن قطر قبل الحصار ليست كما بعده، ومهما كانت النتيجة، ربحت قطر شعبها وقيادتها واستقلالها للأبد.

 

الشرق القطرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل