مقالات مختارة

لو يتذكر «المتأسرلون» مصائر من سبقوهم

علي الصالح
1300x600
1300x600

لو يتعلم السعوديون المتأسرلون الجدد من دروسهم ودروس الآخرين، ما هرولوا نحو التطبيع مع دولة الاحتلال (إسرائيل). 


الحقيقة التي لا يعيها الكثيرون منهم، أو الأصح لا يريدون رؤيتها، هي أنه سيأتي اليوم التي ستلفظهم فيه إسرائيل وأمريكا، وربما يندمون حيث لا ينفع الندم، وإن هذا اليوم لن يكون بعيدا، والدلائل كثيرة، سواء على صعيد الأفراد أو التجمعات أو الدول.


وقد تذوق أسيادهم طعم الخذلان عندما أهملتهم إدارة أوباما وتجاهلت مخاوفهم بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران. وهذا الموقف أكيد سيتكرر كما تمليه عليهم المصلحة الأمريكية.


لو يتذكر هؤلاء أن أمريكا هي التي فتحت الباب أمام إيران للسيطرة على العراق، والتفسير الوحيد لهذه الحقيقة، لا يحتاج إلى ذكاء لإدراكه، وهو إثارة النعرات والحروب الطائفية التي امتدت إلى مناطق أخرى في الإقليم، حروب طائفية لا نهاية لها، حروب تخلط الأوراق والمفاهيم والتحالفات القائمة، وتزيل العقبات وتمهد الساحة لإجراء التغييرات في المنطقة وشرذمتها إلى كيانات طائفية، استعدادا لإقامة «شرق أوسط جديد»، وهو بالمناسبة من بنات أفكار شمعون بيريز. وستكون إسرائيل في النظام الجديد الدولة العظمى والمهيمنة، وقائدة للتحالف الجديد في مواجهة «الشيطان الأكبر» إيران. باختصار تغيير المفهوم القائم منذ خلق هذا الكيان، وهو كيان دخيل استعماري احتلالي سرطاني عنصري قائم على حساب الشعب الفلسطيني في قلب إقليم الشرق الأوسط. 


والاعتقاد السائد أن إسرائيل ستخلصهم من «الشيطان الإيراني»، هو أضغاث أحلام، لأن إسرائيل تفعل كل ما تفعله لإقحام هذه الدول، في حرب مع إيران لا تبقي ولا تذر من دون أن تورط نفسها فيها. يجب أن يدركوا أن إسرائيل لن تفرط بنقطة دم يهودي من أجلهم.


ونذكر، إن نفعت الذكرى، ولا أظنها نافعة، لأن السعوديين، ومن ورائهم الخليجيون المتأسرلون حسموا أمرهم، وحزموا متاعهم وانتقلوا إلى الجهة الأخرى، إلى جهة العدو، نذكّر هؤلاء بأن صدام حسين كان يوما حليفا للغرب، وعلى الخصوص الولايات المتحدة، التي خططت لإسقاط العراق في وحل الطائفية، بعد دعمها بالسلاح والمعلومات العسكرية والأموال الخليجية،30 مليار دولار لتسديد فاتورة السلاح الأمريكي/الغربي خلال حربه العبثية مع إيران، التي خلفت وراءها أكثر من مليون قتيل، ناهيك عن الجرحى والدمار الذي لا يزال الشعب العراقي، بسنته وشيعته وأقلياته الأخرى، يعاني منها، فماذا كانت النتيجة، إضعاف العراق وكذلك إيران ذات الزخم البشري. وجاء دور العراق لاحقا لإغراقه بحرب طائفية لا تزال قائمة رغم مرور 15 عاما على الغزو الأمريكي.


لم يتعلموا الدرس في العراق، وسقطوا مجددا في وحل الحرب الطائفية هذه المرة في سوريا، وهدروا مئات مليارات الدولارات ثمنا لسلاح لا يسمح لـ«حلفائهم» بالتفوق على النظام أو القضاء عليه، سلاح يبقي الحرب الطائفية قائمة إلى اطول فترة، من دون غالب ولا مغلوب، تبقى فيها مصانع السلاح الأمريكية مزدهرة، ويتفتت نتيحة لها هذا البلد العربي الأصيل لمستنقعات طائفية. والأدهى من ذلك أنها فتحت الأبواب على مصراعيها مجددا أمام إيران، للسيطرة عليه وهذا ما يحصل. والهدف كما في العراق إذكاء الطائفية.


إن الدول الكبرى الثلاث في المنطقة إيران وتركيا وإسرائيل، تعمل بما تمليه عليها مصالحها، إلا العرب وتحديدا الدول المستحدثة، التي تخدم مصالح هذه القوة أو تلك. ومرة أخرى أقول إن هذه الدول، إما أنها وقعت في الفخ في أحسن الحالات، أو كانت جزءا من المؤامرة الكبرى التي صنعت من أجلها، وأرجح الأخيرة.


واذَكّر أيضا بأن إيران يمكن أن تغير مسارها، وتقرر التعاون مع أمريكا وإسرائيل في الموضوع النووي، وهذا ليس مستبعدا، فقد فعلت ذلك من قبل، في توقيع الاتفاق مع إدارة أوباما، وقد يتكرر ذلك مجددا، فينقلب السحر على الساحر، ويغير الأمريكيون والإسرائيليون مسارهم ويتحالفون معها، باعتبارها القوة الإقليمية الأقوى والأضمن في المنطقة. وينتظر السعوديون إدارة أمريكية جديدة.


ما قادني إلى ما تقدم هو قصة عميل فلسطيني لحساب إسرائيل، اكتشف متأخرا حقيقة أسياده، روايته ممجوجة وهي رواية كل العملاء، جماعات وأفرادا من أمثاله «بعدما يبلعون السكين»، حقيقة أن أسيادهم يستخدمونهم حتى تتحقق مآربهم، ثم يلفظونهم. وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الدول، كما أسلفنا، كما ينطبق على التجمعات، مثل حال جيش لبنان الجنوبي، الذي وجد نفسه بين ليلة وضحاها عاريا من حماية كانت توفرها له قوات الاحتلال، قبل هرولتها من لبنان، وتركه وجها لوجه مع المقاومة، فمنهم من نجح في الهروب إلى إسرائيل، ومنهم من غيّر مساره وعرض خدماته وسلم نفسه للمقاومة.


سأنقل إليكم قصة عميلين الفلسطيني كمال حماد واللبناني فواز، والحال الذي وصلا إليه بعد نحو عقدين من الزمن في إسرائيل.


قال العميل الفلسطيني كمال حماد الذي أدى دورا جوهريا في جريمة اغتيال المهندس يحيى عياش قائد كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس الذي دوخ أجهزة الأمن الإسرائيلية لسنوات، وخطط لعدد من العمليات التفجيرية هزت كيان الاحتلال. يقول هذا العميل، الذي بقي صامتا لنحو عقدين، للتلفزيون الإسرائيلي، إن دولة الاحتلال غدرت به، وسحبت منه جميع الامتيازات بعد الانتهاء من عملية الاغتيال في 1996. ويضيف أن إسرائيل ترفض إعطاء زوجته الجنسية الإسرائيلية. وللتذكير فقط، فإن حماد هو من نقل الهاتف الجوال المفخخ إلى المهندس عياش، الذي كان متخفيا في شمال غزة، وانفجر الهاتف في رأسه. واعتبر بيريز الاغتيال، انتصارا كبيرا. 


والقصة الثانية هي لضابط أمني كبير في ما كان يسمى «جيش لبنان الجنوبي». يقول الخبر إن هذا العميل الذي عرف باسمه الأول فواز، يعيش متشردا هو وزوجته المصابة بالسرطان في حظيرة أبقار مهجورة في مستوطنة كريات شمونة، في شمال فلسطين، بعد أن تخلت عنه إسرائيل. وهو حسب صحيفة «معاريف» عميل ورث الخيانة أبا عن جد، ففي أربعينيات القرن الماضي كان والده وعمه عضوين في عصابة الهاغاناه، وشاركا بتهريب اليهود من لبنان وسوريا إلى فلسطين. ولم يشفع له تاريخه هذا لينتهي به المطاف كغيره من آلاف العملاء في سلة المهملات. وعلى الرغم من أن فواز هرب من لبنان إلى الداخل الفلسطينيّ قبل 18 عاما، فإنه حتى الآن لم يحصل على مخصصاته المالية التي وعد بها، رغم أن قصته مع العمالة بدأت قبل أن يُولد.


وقال فواز، الذي التحق بجيش الاحتلال ضمن وحدة 504 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»: «لم تعطني إسرائيل حتى قرشا واحدا، لقد استعملوني ببساطة ثم قذفوني إلى سلة الزبالة».


وأخيرا، أعود إلى حيث بدأنا أن من يزعم أن إيران بريئة هو جاهل سياسيا، فإيران تعمل لخدمة مصالحها، وفرض سطوتها ما أمكنها على المنطقة، ويمكن أن تكون تعمل لإعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية، كما قال قارئ، في رده على مقال سابق لي، وهذا ينطبق على تركيا أردوغان، التي ربما تسعى، إلى إحياء الامبراطورية العثمانية، وينطبق أيضا على دولة الاحتلال التي تريد تطبيق شعار «أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل». وهذا يقودني إلى السؤال: أين هي أحلامنا، لماذا لا تكون لنا أحلام تعيد «أمجاد» الماضي إن وجدت؟ وأقول لهذه الدول المستحدثة، الأولى بكم أن تتصالحوا مع إيران البلد الأصيل في المنطقة، لا إسرائيل الدولة الدخيلة والمارقة والقائمة على حساب شعب عريق آخر هو الشعب الفلسطيني.


وأختم بالقول للعرب وخصوصا السعوديين المتأسرلين، استيقظوا من أحلامكم، إن التحالف مع إسرائيل ضد إيران لن تكون نهاية المشكلة بل بدايتها، وستكونون أنتم الخاسرين في النهاية لأنكم الحلقة الأضعف، وخذوا العبر من مصير حماد الفلسطيني وفواز اللبناني و«جيش لبنان الجنوبي».

 

القدس العربي
0
التعليقات (0)