كتاب عربي 21

قراءة في تأخر الرد القطري على انتهاكات الحصار

محمد هنيد
1300x600
1300x600

أمران يلفتان النظر فيما يتعلق بأزمة الخليج اليوم. أما الأول فيتعلق بردة الفعل القطرية على إجراءات الحصار والتي تجلت في رفع السلع المصنعة في دول مجموعة الحصار من المحلات ونقاط البيع بالدولة. أما الأمر الثاني فيظهر في ردود الفعل الشعبية على تأخر الرد القطري وهي ردود سجلتها مواقع التواصل الاجتماعي أساسا.

 

السياق العام لأزمة الخليج التي انطلقت بقرصنة وكالة الأنباء القطرية يوحي بمزيد من التأزم وهو أمر لا يلاحظ فقط من خلال بقاء الأزمة على حالها وعدم بروز بوادر حل حقيقي في الأفق بل يظهر كذلك في الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها دول الحصار وخاصة منها المتعلقة بقرصنة بث قناة "بي إن سبورتس". في هذا السياق تتنزل ردود الأفعال القطرية الأخيرة التي لاقت ترحيبا شعبيا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي والتي رأت أن الأجراء جاء متأخرا على كل الانتهاكات التي مارستها دول الحصار خلال ما يزيد عن السنة. فبعد أن مارس رباعي الأزمة كل ما بحوزته من وسائل التضييق والخنق من أجل تركيع قطر جاء رد الفعل القطري بطيئا جدا بل ومتأخرا حسب قراءة الكثيرين. 


هذا العرض المختصر يستلزم إبداء الملاحظات الأولية التالية:

الردّ القطري ينقسم حسب قراءتنا إلى ثلاثة أجزاء متباينة في مستوياتها وإن كانت تشكل كتلة واحدة: المستوى السياسي الدبلوماسي والمستوى الإعلامي التواصلي ثم المستوى الاقتصادي الإجرائي.

ردّ الفعل المتأخرة التي نتحدث عنها هنا تخص الرد الاقتصادي الإجرائي لا فيما يتعلق بتحصين الدولة وبمنع انهيار الاقتصاد وإنقاذ  العملة وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتنويع مصادر الإمداد بل بما هو معاملة بالمثل لسلوك عدواني خارجي.


على المستوى السياسي الدبلوماسي حققت قطر نجاحا نوعيا في امتصاص آثار الصدمة باكرا فكان القرار السياسي يتحرك على واجهات كثيرا بشكل منع فعل الصدمة من تحقيق الأثر المنتظر منه خاصة وأن مؤامرة الحصار كشفت أن مخططات موازية منها العسكري كانت تستهدف قلب نظام الحكم في الدولة. خارجيا نشطت الدبلوماسية القطرية في تفكيك كل الألغام التي نصبتها دول الحصار محليا داخل المجموعة الخليجية وإقليميا في المنطقة العربية وجوارها المباشر وخاصة دوليا. إن عملية العزل الدبلوماسي دوليا كانت تمثل جوهر عملية الحصار فتضييق الخناق على قطر وتصويرها داعما للإرهاب وممولا للجماعات الإرهابية كان هدفا أساسيا من أهداف المؤامرة على قطر.

 

على المستوى الإعلامي التواصلي حققت قناة الجزيرة اختراقا كبيرا لجبهة الحصار عندما تمكنت من كشف حجم التزييف والتضليل الذي تضمنه خطاب الرباعي وخاصة منه ما تعلق بدعم قطر للإرهاب والجماعات الإرهابية. قناة الجزيرة كانت أيضا على لائحة الشروط التي رفعتها دول الحصار مطالبة بإغلاقها وعيا منها بخطورة هذا المنبر الإعلامي في كشف المؤامرات ومتعلقاتها. برنامج " ما خفي أعظم " مثلا حقق نقلة نوعية في فهم المشاهد العربي لتاريخية الصراع في المنطقة حيث وضع أمام أعين المشاهد تاريخ الانقلابات على دولة قطر وكشف أن الحصار الحالي هو امتداد لتجارب انقلابية سابقة.


بناء على ما تقدم فإن الردّ الاقتصادي الاجرائي تأخر قليلا ولم يستهدف دول الحصار إلا مؤخرا وهو ما يسمح بإبداء الخلاصات التالية:

 

لم يكن ردّ الفعل القطري متشنجا منذ البداية بل حافظ على سلاسته المعهودة وذلك من خلال المستويات الثلاثة السابقة. أي أن المسؤولين القطريين وأصحاب القرار لم يعمدوا إلى تفعيل سلوك انتقامي أو ثأري فوري وذلك منذ بداية الحصار وفي إطار المعاملة بالمثل. فرغم طرد المواطنين القطريين من دول الحصار بما فيهم الحجاج و المعتمرون ورغم غلق المنافذ البرية والبحرية والجوية ومطاردة كل المصالح القطرية في الخليج فإن دولة قطر لم تردّ الفعل بل وحافظت على كل الامتيازات التي يتمتع بها رعايا وشركات دول الحصار.

 

كان الموقف القطري منذ بداية الحصار مؤسسا على مبدأ ضبط النفس والتروي وترك المجال مفتوحا أمام المصالحة والحرص على وحدة الصف الخليجي والعربي المسلم. لكن الأزمة طالت وتطورت إلى رغبة جامحة من دول الحصار في الإجهاز على المنجز القطري وعلى التجربة القطرية وهو أمر أكدته كل التقارير الرسمية الداخلية والخارجية. هذه المكابرة وهذا الحرص على إنزال الأذى بالدولة والشعب هو الذي دفع القطريين مؤخرا إلى اتخاذ مواقف أكثر حزما من ذي قبل بشكل يظهر القدرة على رد الفعل ويؤكد أن خيار العقلانية لم يكن في بداية الحصار إلا مراعاة لروابط الدم والجوار والعقيدة.

 

اليوم وبعد أكثر من عام على الحصار الجائر لم تحقق دول الحصار شيئا بل إن خسائرها المعنوية والأدبية تكاد تتفوق على خسائرها المادية والاقتصادية حيث تحولت صورة المملكة السعودية وصورة الإمارات بشكل كبير في الوعي الجمعي العربي من النقيض إلى النقيض بعد الانكشاف الكبير الذي حققه حصار قطر للمتابع العربي مشرقا ومغربا. 

 

لقد فشلت كل أهداف الحصار في عزل قطر أو في منعها من تنظيم كأس العالم أو في تشويه صورتها عربيا ودوليا بل إن الدولة المحاصَرة خرجت أقوى من ذي قبل وحققت بالحصار ما لم تحققه بغيره.

 

اليوم تتحرك الدولة الصغيرة بقوة دفع أكبر بعد أن تجاوزت التداعيات المباشرة للصدمة وتحولت من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم في الوقت الذي صار فيه خصومها يتخبطون في حالة من الانعزال الاقليمي والمشاكل الداخلية التي لا تكاد تنتهي. وهي حالة فاقمها الغضب الشعبي المؤسس على الوعي بأن الحصار الظالم لم يكن في الحقيقة إلا جزءا من مشروع أكبر تمثل فيه صفقة القرن وبيع القدس رأس الهرم. إن حصار قطر ليس في الحقيقة إلا رأس جبل الجليد في مشروع القرن الجديد الذي يسعى إلى مصادرة ما بقي من السيادة العربية وخنق كل الأصوات والمنابر والقوى التي تغرد خارج سرب التطبيع والركوع وبيع الأرض والأوطان. 

1
التعليقات (1)
جزائري
الخميس، 31-05-2018 04:37 م
وماذا لو زادت درجة الحرارة وتحرك الجليد بصورة غير معهودة ؟ هل وفرت قطر أسباب النجاة كمسار متميز ؟ أمام قطر فرصة عظيمة من أجل التحول والتميز الذي لن تقدر عليه أدوات الحصار .