سياسة دولية

باحثون: الحرب على الإرهاب تجاهلت الأنظمة العربية المغذية له

مؤتمر باريسي
مؤتمر باريسي

نظم معهد إيريمو الفرنسي مؤتمرا بعنوان "ما الطريق إلى هزيمة داعش سياسيا بعد الهزيمة العسكرية" لطرح مقاربة موضوعية لظاهرة الأرهاب تتجاوز الخطاب "المسطح" الذي يتردد منذ سنوات على المنابر والمنصات الفكرية والإعلامية.

ويختص المعهد في قضايا الشرق الأوسط والمنطقة العربية بشكل عام كما شارك في التنظيم صحيفة "شرق 21" الرقمية الفرنسية وكذلك "التحالف الدولي للدفاع عن الحقوق والحريات بباريس".

وشارك في المؤتمر مجموعة من الباحثين المختصين في القضايا العربية وانقسمت محاوره إلى جلستين تركزت الأولى حول رصد واقع المشهد المشرقي في صناعة الإرهاب فيما تركزت الثانية بشأن حدود المقاربة الغربية لمسألة الإرهاب.

وأكد مجمل المشاركين على هزيمة تنظيم الدولة عسكريا وهو ما يتجلى في انحسار نفوذه على الأرض وتمركزه في جيوب صغيرة اليوم لكنهم حذروا من أن الهزيمة العسكرية لا تعني الهزيمة السياسية أي أن الفشل في تحقيق هزيمة سياسية ضد الإرهاب قد تعود بعواقب كارثية على الحرب على الإرهاب نفسها.

واتفق المشاركون كذلك على حدود التعامل الدولي مع المسألة الإرهابية الذي اقتصر على الحل العسكري والأمني وتجاهل بقية الأبعاد التي تمد الظاهرة الإرهابية بالحياة ولعل أهمها هو التحالف الوثيق مع الأنظمة الاستبدادية العربية.

وفي مداخلة بعنوان "الصناعة السورية العراقية للإرهاب" أكد الأستاذ بالجامعة الأمريكية بباريس زياد ماجد على تحليل الظاهرة الإرهابية بما هي ظاهرة نشأت وتطورت في المربع السوري العراقي بسبب عوامل مختلفة وهي العوامل التي ميزت بين التجربتين خاصة من جهة العناصر البشرية التي تكون منها التنظيم في البلدين. ففي سوريا تكون التنظيم أساسا من مقاتلين أجانب في حين كان التنظيم مكونا من عراقيين في الحالة العراقية.

وركزت المداخلة على الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي ترعرعت فيها الظاهرة الإرهابية والتي غذاها العامل القبلي ومدها بشروط التطور والنمو. لكن الباحث انتقد بشدة كيفية تحول مفهوم الإرهاب إلى جلباب عريض يجمع كل المكونات الاجتماعية في سلة واحدة وأصبح العالم واقعا بين خيارين فإما النظام الاستبدادي العربي أو "تنظيم داعش الإرهابي" وهو تصنيف يلغي كل المكونات الأخرى داخل المجتمعات العربية. 

وقال ماجد إن هناك شروطا موضوعية تتجاوز التسطيح الإعلامي في أوروبا وهي شروط لا بد من معاينتها وإدماجها في كل مقاربة حقيقية تهدف إلى معالجة الخطر الإرهابي.

أما الملحق العسكري السابق باليمن والباحث المختص في قضايا الأمن فيليب غيناي فقد ركز مداخلته على قراءة حالة العداء التي تظهرها دولة الإمارات للإسلاميين وخاصة جماعة الإخوان المسلمين.

 

وفي مداخلة بعنوان " الإمارات العربية المتحدة ومطاردة الإسلاميين"، رصد الباحث تحول السلوك الإماراتي من الإسلامين من مرحلة التعايش عندما كانت الدولة في طور نشأتها إلى حالة العداء المستحكم اليوم وهو موقف لا ينبني على أي تصور عقلاني للظاهرة الإسلامية.


وحذر الباحث من خطورة معاداة الحركات الإسلامية السلمية بشكل يدفع ما نسميه في أوروبا الإسلام السياسي نحو التطرف والعنف ونفقد كل الأطراف التي يمكن التحاور معها. 

من جهة أخرى تناول الباحث ستيفان لكروا الأستاذ المشارك بجامعة باريس للعلوم السياسية حرب النظام المصري على الإرهاب بمداخلة تحت عنوان " عبد الفتاح السيسي والحرب على الإرهاب" وفيها انطلق الباحث من حالة القمع المنظم التي يمارسها النظام على كل الناشطين المدنيين بما فيهم المشاركون في الانقلاب المصري بحجة الحرب على الإرهاب.

وركز الباحث على طبيعة النظام المصري باعتباره نظاما تأسس على انقلاب على الشرعية الانتخابية التي تجري لأول مرة في مصر وهو نظام تجاوز كل الأشكال الوطنية والقومية التي تأسس عليها الخطاب والممارسة العسكرية منذ بداية النظام العسكري مع جمال عبر الناصر مؤكدا على تحول كبير في بنية النظام الذي انتقل من البنية الأمنية المالية مع نظام مبارك إلى البنية العسكرية المالية في نظام السيسي.

ولفت لكروا إلى أن السيسي قام بتقريب الجهاز الأمني من سلطة القرار وأعاد عصب السلطة إلى المحور العسكري الذي تدور في فلكه منظومة الإعلام والمال في مصر.

أما الباحث غزافييه غينار فقد ركز في مداخلته على دور القضية الفلسطينية في الحرب على الإرهاب وفي فكر الجماعات المتطرفة من خارج فلسطين أو في فكر الحركة الإسلامية بالداخل الفلسطيني. وفصّل الباحث بشكل واضح بين المرجعية الإسلامية في الخطابين لكنه ركز على التماهي الجلي في الخطاب الرسمي الإسرائيلي والعربي الرسمي في توصيف الظاهرة الإرهابية.

 

وخلص إلى أن سرديات الجانب الإسرائيلي في توصيف الإرهاب والتطرف والجماعات الإرهابية لا تختلف عن الخطاب الذي يستعمله النظام الاستبدادي العربي لوصف نفس الظاهرة وهو خطاب يتأسس على مغالطات كبيرة في جوهره لأنه لا يأخذ في الاعتبار اختلاف السياقات التي تتنزل فيها الظاهرة الإرهابية.

لم تختلف مداخلات بقية المشاركين عن الخط العام للمؤتمر في إقراره بالفشل الكبير الذي منيت به مقاربة الظاهرة الإرهابية سواء على المستوى السياسي أو الفكري أو العسكري. فلئن حققت الظاهرة نجاحا ملموسا من جهة ضرب أسس تنظيم الدولة في العراق وفي سوريا فإن عناصر هذا التنظيم أو كثيرين منهم لا يزالون أحرارا طلقاء.

وخلص المؤتمر إلى أن أهم ما جرى هو حدود المقاربة السياسية والقانونية للظاهرة الإرهابية وتوظيفها في سبيل أهداف تتعارض مع الحرب الدولية المعلنة ضد الجماعات التي تمثلها. وهو موقف يدعو إلى إعادة النظر في الجذور العميقة لهذا الخطر العابر للقارات وللأحزاب لأنه يجد تربته الخصبة في المجتمعات التي تفقد شروط العدالة الاجتماعية و تغيب فيها أدنى مبادئ الحرية السياسية.

التعليقات (0)