كتاب عربي 21

أزمة الخليج: كاميرا خفية؟!

طارق أوشن
1300x600
1300x600

دون سابق إنذار ولا مقدمات، أشعلت أضواء الاستوديوهات الإخبارية واستضيف الخبراء والمحللون وبدأ بث التقارير الموثقة للجريمة النكراء: تصريحات أمير قطر التي توزعت يمينا وشمالا بلا رابط موضوعي ولا سياق تاريخي يبرر صدورها في حفل تخرج للضباط.

 

كان منسوب الصدمة يومها عاليا لدرجة أننا تصورنا الأمر مجرد بروفة (كاميرا خفية) على أبواب شهر رمضان. تسلسل الأحداث أظهر أن الموضوع جدي واليوم تبين للجميع أننا فعلا نعيش تحت طائلة (كاميرا خفية) توثق لدسائس ومؤامرات ما كان لها أن تظهر للعلن وتخرج من السر لولا عملية القرصنة المفضوحة التي تعرض لها موقع وكالة الأنباء القطرية.


لا أحد يمكنه تفسير هذا الولع ببرامج الكاميرا الخفية لدى المتفرج العربي ولا السخاء في الإنتاج الذي يصرف عليها من قبل القنوات، بالرغم من أن الجميع منتجين ومتفرجين يدركون أن العملية في غالبيتها مجرد ضحك على الذقون. ففي كل موسم تلفزيوني رمضاني تتنافس القنوات في رصد الميزانيات لهذه النوعية من البرامج التي تحقق أكبر نسب المتابعة والانتقادات أيضا.

 

وبالرغم من كل ذلك تتكرر نفس الأسطوانة في المواسم التي تلي لأننا شعوب تعيش على الكذب والوهم وتتلذذ بمشاهدة "معاناة" الآخرين ولحظات انكسارهم ولو كانت تمثيلا في تمثيل.


عندما دبرت دول حصار قطر خطتها ليلا للتأثير في الإمارة الخليجية "الصغيرة"، اختبأت وراء قرصنة خفية هدفت لتحريف التصريحات، وهو فعل كان له أن ينجح لولا اشتغال كاميرات استوديوهات أذرعها الإعلامية، على غير العادة في ذلك التوقيت المتأخر من الليل، وجهوزية التقارير والضيوف لبث التلفيقات، وهو ما أدى في النهاية لكشف المؤامرة في مهدها.

 

ولأن الفشل لا يولد غير الهروب إلى الأمام والقفز في كل الاتجاهات فقد توالت السقطات على كافة المستويات لدرجة أنها كشفت في الأخير كثيرا مما كان يحضر في الدوائر المغلقة في محاولة لإعادة ترتيب التحالفات والاصطفافات وتحديد الأولويات وفق أجندة الإدارة الأمريكية الجديدة ورؤيتها لمستقبل المنطقة وقضاياها.

 

لم يعد للقضايا القومية من مكان في الأولويات وأصبح الانكفاء على الذات شعار المرحلة بحثا عن مكرمات أقرب للصدقات، أو تغنيا بإصلاحات أقصاها حفلات غناء ورقص أو إجازة لقيادة السيارات أو دخول ملاعب المنافسات الرياضية

هكذا صار اللعب بالمكشوف لأن الأمور صارت مسندة لفاعلين مستجدين أو مخضرمين بلا شرف ولا حياء يدفعهم للاستتار. 


لقد كشفت الأزمة الخليجية الأخيرة كم الأكاذيب والأراجيف التي عاشت الأمة العربية والإسلامية على وقعها لعقود وكأنها برنامج كاميرا خفية لا يأبى الانتهاء. لكن الاكتشاف الأهم كان أن الشعوب تموقعت في دور الضحية والمتفرج في الآن بمبرر العجز عن التأثير.

 

لقد تبين للجميع كيف أن القضية الفلسطينية كانت مجرد ورقة في أيدي الحكام للإجهاز على حقوق المواطنين السياسية وتبرير الفشل في تحقيق التنمية الاقتصادية لبلدانها.

 

أما الوقائع على الأرض فتعامل مستمر مع الكيان الصهيوني واتفاقات تحت الطاولة للإجهاز على حقوق الشعب الفلسطيني وتشريده بعيدا عن أرضه المغتصبة بتواطؤ صار مكشوفا من طامعين في الحكم وراغبين في الخلود فيه.

 

ولأن الحكام في حاجة لأبواق تجعل الخيانة بطولة، فقد انبرى الدعاة والشيوخ والصحفيون والأكاديميون والفنانون ومعهم الراقصات للدفاع عن الاختيارات "الجديدة" والتبرير لها من داخل النصوص الشرعية والوقائع التاريخية وقراءة طالع المستقبل المشرق في ظل سلام "دافئ" تشهد عليه لقاءات في المنتجعات والجزر البعيدة والقريبة على حد سواء.


استعادة أنظمة الخنوع لزمام المبادرة كان يستلزم عملا في الخفاء وصرفا بسخاء على تمويل كل عميل خائن يصطف في مواجهة انتفاضات الشعوب العربية في مواجهة الاستبداد. فكان أن صار إذلال كل من خرج فيما سمي بالثورات العربية فعلا مقدسا وغاية منى الخانعين للأسياد والمستبدين بـ"الرعايا" الطامحين للمواطنة.

 

في انتظار أن تتكشف الغمامة لا يزال مسلسل الكاميرا الخفية أكبر إنتاج عربي يستدعي التعبئة في مواجهات المؤامرات الخارجية الوهمية، ويمجد قيادات على شفا المرض والخرف

لأجل ذلك، صرفت الأموال وعبئت الطاقات واشتريت الذمم في سوق نخاسة مفتوح ما شهد العالم العربي له مثيلا على مر التاريخ.

 

وكان تشجيع الانقلابات على "الثورات" نبراسا اهتدت اليه الأبواق الإعلامية ومهدت له في انتظار إشارة البدء بالتنفيذ بمباركة من شعوب تقتاد إلى مصيرها المرسوم، وهي تتراقص وتتنافس في تبجيل الحكام الملهمين وصناعة فراعنة العصر الجديد.

 

لم يعد للقضايا القومية من مكان في الأولويات وأصبح الانكفاء على الذات شعار المرحلة بحثا عن مكرمات أقرب للصدقات، أو تغنيا بإصلاحات أقصاها حفلات غناء ورقص أو إجازة لقيادة السيارات أو دخول ملاعب المنافسات الرياضية في وقت يسجن فيه الدعاة والساسة والأمراء وتسلب الأموال من "أصحابها" وتسجن الناشطات وتبنى الأحلام على مشاريع وهمية، إن تحققت فالفائدة منها لنفس الطبقات المحتكرة للخيرات.


لقد صار مقابل "الانفتاح الاستهلاكي" قهر سياسي ودولة بوليسية وقمع للحريات بعد أن كان الطموح تحرير للأرض والعرض وتملك للثروات الوطنية وثورات على الطغيان وتحقيق للعدل والمساواة.

 

سنة واحدة كانت كافية لكشف حجم المؤامرة التي تتعرض لها المنطقة بأيدي أبنائها من المحيط إلى الخليج.

 

وفي انتظار أن تتكشف الغمامة لا يزال مسلسل الكاميرا الخفية أكبر إنتاج عربي يستدعي التعبئة في مواجهات المؤامرات الخارجية الوهمية، ويمجد قيادات على شفا المرض والخرف، ويمنح الشرعية للجنرالات متقاعدين وعاملين في مواجهة إرهاب كان محتملا فصار أمرا واقعا، ويشتت الأواصر القبلية والعائلية التي كان أساس التعاون والاستقرار فتحولت لوقود لبث الفرقة وتعميق الخلافات، وتختلق أعداء وهميين لإبقاء القوات الأجنبية مسيطرة على الأرض والجو والبحار مهددة العروش التي قبلت الإهانة والإذلال، وتختلق عاصمة لكيان مغتصب في انتظار أن تلحق به أراضي عربية أخرى أهلكها الاقتتال وخرجت عن السيطرة والنفوذ. 


قبل أيام اعتقلت السلطات السعودية مجموعة من الناشطات واتهمت لجين الهذلول بأنها باعت نفسها لـ"الشيطان القطري"، على وصف جريدة الخليج الإماراتية التي بشرت الشعب السعودي بـ"انكشاف المخطط القطري لاستهداف أمن السعودية بعد كشف الخلية التي ترأسها لجين، المنضوية تحت لواء خلية الرصد والمتابعة الإعلامية برئاسة عبدالله العذبة وعضوية إيدي كوهين وغانم الدوسري"... 
الكاميرا الخفية تأبى الانحسار.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل