بورتريه

أنور إبراهيم ومهاتير محمد.. علاقة متقلبة ومعقدة (بورتريه)

أنور إبراهيم بورتريه
أنور إبراهيم بورتريه

عاد من جديد إلى واجهة المشهد السياسي الماليزي، بعد أن أعلن رئيس الوزراء الماليزي المنتخب مهاتير محمد موافقة ملك البلاد على العفو السياسي عنه.

مهاتير نفسه الذي كان السبب وراء سجنه ووصفه ذات يوم بأنه "غير صالح أخلاقيا لقيادة البلاد".

لكن يبدو أن الخيارات أمام مهاتير كانت قليلة ومساحة التحرك ضيقة، وكان أمام لحظة "تذوق السم"  فرضخ لشروط أنصار المعارضة، الذين اشترطوا على مهاتير كجزء من صفقة لقيادة التحالف الانتخابي أن يوافق على ضمان عفو ملكي عن أنور إبراهيم.

ووافق مهاتير على ذلك، وقال لاحقا إنه يأمل أن يسلم منصب رئيس الوزراء إلى أنور في غضون عامين.

أنور إبراهيم، المولود في عام 1947، سياسي كان حديث البلاد حين لمع نجمه مطلع التسعينيات، كواحد من أبرز القادة السياسيين في ماليزيا خاصة، وآسيا عامة.

تردد اسمه لأول مرة كزعيم لـ"منظمة الشباب الإسلامي" الطلابية التي أسست "حركة الشباب الإسلامي" في ماليزيا.

وفاجأ في تلك الفترة الكثيرين بانضمامه للحزب المهيمن على الحياة السياسية وهو "المنظمة المالاوية القومية المتحدة" (أومنو) حيث صعد السلم السياسي بسرعة ليصل إلى مناصب وزارية متعددة.

شغل منصب نائب رئيس وزراء ماليزيا ووزير المالية في عهد رئيس الوزراء مهاتير محمد، وكان متوقعا له أن يخلف مهاتير في قيادة "التحالف الوطني" الحاكم لولا الخلاف الذي وقع بين الرجلين في عام 1998.

وكان كل من مهاتير وأنور في السلطة جزءا من تحالف "باريسان ناسيونال"، وتعد قصة العلاقة بينهما مثالا للعلاقة المعقدة والمتقلبة.

في عام 1998، أقيل أنور من جميع مناصبه السياسية واقتيد إلى السجن عقب اتهامه بتهم عدة، من بينها تهمة "الفساد المالي والإداري" وتهمة "اللواط"، كما حكم عليه القاضي بست سنوات سجنا في عام 1999 بتهم "الفساد".

 

وظل إبراهيم مصمما على أن الاتهام له دوافع سياسية، للحيلولة دون أن يصبح مصدر تهديد سياسي لمهاتير محمد، لكن الحكم نقض في عام 2004 بعد أن شككت الكثير من المؤسسات والحكومات بنزاهة المحاكمة. 

لكن ذلك لم يمنع الحكومة الماليزية آنذاك من المضي في تنفيذ الحكم.

وعلى الرغم من إمضاء أنور لمحكوميته وخروجه من السجن في عام 2004، إلا أن طموحاته السياسية لم تتوقف. 

فبعد أشهر من العلاج في ألمانيا عاد لينضم صفوف المعارضة الماليزية عبر حزبه الجديد "حزب عدالة الشعب". 

وفي عام 2008، فاز حزبه بواحد وثلاثين مقعدا من أصل 222 مقعدا في البرلمان الماليزي.

ولم يستطع أنور خوض الانتخابات بسبب الحظر الذي فرض عليه رغم أن حزبه تزعم المعارضة الماليزية داخل البرلمان.

وعادت قضيته للتدحرج من جديد على أبواب المحاكم ففي عام 2009 رفضت المحكمة العليا الماليزية الاستئناف الذي تقدم به إبراهيم بغرض إسقاط تهم "اللواط" الموجهة ضده للمرة الثانية، لتقضي بالمضي في المحاكمة مجددا.

وفي عام 2010، بدأت محاكمة جديدة له بتهمة "اللواط" حيث وصف المحاكمة "بالمؤامرة"، مضيفا بأنها "ذات دوافع سياسية" و"أنها مؤامرة دبرها فاسدون".

ووجه اتهاما لرئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق وزوجته بأنهما ضالعان في المؤامرة كونهما بحسب قوله قابلا مساعده السابق محمد سيف البخاري ازلان قبل توجيه التهمة.

وبرأت المحكمة إبراهيم من الاتهامات في عام 2012 لنقص الأدلة.

وقاد إبراهيم ائتلاف المعارضة المكونة من ثلاثة أحزاب في انتخابات عام 2013، ورغم عدم فوزه فقد حقق نتائج جيدة.

بيد أن إعلان البراءة الجديد ألغي بعد عام، أثناء تحضيره لخوض انتخابات كان فوزه يبدو مرجحا فيها، وأعيد من جديد إلى السجن.

العودة من جديد

وفي تحول صادم، أعلن خصمه السابق مهاتير محمد عزمه خوض الانتخابات، مؤكدا عزمه مكافحة الفساد الذي قال إنه استشرى في عهد نجيب عبد الرازق، ممهدا الطريق بشكل غريب ومفاجئ لعودة إبراهيم للحياة السياسية.

وفاز مهاتير محمد في الانتخابات التي جرت أخيرا على رأس ائتلاف "باكاتان هارابان"، وتعهد بإطلاق سراح إبراهيم. 

وفي أول يوم له في السلطة قال إن الملك وافق على إصدار عفو "فوري" عن إبراهيم.

ولكن قد يستغرق الأمر سنوات أخرى ليصل إبراهيم للسلطة، التي يرى كثيرون أنه كان جديرا بتوليها قبل عقدين.

وتشبه وسائل الإعلام الغربية السياسة الماليزية المتقلبة بحبكة مسرحية متداخلة الشخصيات والأحداث، فمهاتير محمد، الرجل الأوتوقراطي القوي الذي انقلب على خليفته أنور، عاد ليتحالف معه ويسعى لإطلاق سراحه، وأبعد نجيب رزاق، الذي كان يوما ما من أتباعه.

وخلال تجربة انتخابات صعبة، وصف رزاق الائتلاف الجديد بأنه "تحالف توافق مؤقت" وحذر من أنه سينهار إذا ما فاز.

وفي مؤتمر صحفي، بعد يوم من فوزه التاريخي بالانتخابات، قال مهاتير إن الملك "أشار إلى أنه راغب في العفو عن داتوء سيري أنور فورا"، مستخدما لقب أنور الشرفي.

وأضاف أنه "سيكون عفوا شاملا، الأمر الذي يعني بالطبع أنه لن يتمتع بالعفو فحسب، بل يفرج عنه فورا بعد صدوره، وبعد ذلك سيكون له حق المشاركة الكاملة في السياسة".

وأنهى فوز مهاتير على رأس ائتلاف "باكاتان هارابان" أكثر من ستة عقود من حكم تحالف "باريسان ناسيونال" بقيادة حزب "المنظمة الوطنية المتحدة للملايو" الذي كان مهاتير أحد قياديه البارزين.

التعليقات (0)