قضايا وآراء

في رسائل قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران

بلال التليدي
1300x600
1300x600
ليست هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها المغرب إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، فقد سبق له أن قطعها سنة 2009، غداة اتهام إيران بالضلوع في أجندة التشيع في المغرب، واستهداف الوحدة المذهبية للمغاربة، كما سبق للملك الحسن الثاني أن بادر إلى استصدار فتوى من علماء المغرب سنة 1980، بتكفير الخميني بعد حادثة الهجوم على الحرم المكي سنة 1979.

لكن، ما من شك أن قرار المغرب بقطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران الأيام القليلة الماضية، يأخذ طابعا خاصا مختلفا عن القرارات السابقة، لا من حيث التوقيت، ولا من حيث الأسباب، ولا من حيث مسوغات القرار وشكل تصريفه.

من حيث التوقيت، فقد جاء القرار عقب توتر حاد حول ملف الصحراء في أروقة الأمم المتحدة، بعد أن أقدمت جبهة البوليساريو، بدعم جزائري، على التوغل في المنطقة العازلة، وإقامة بنيات إدارية وعسكرية خارج مقتضيات الاتفاق العسكري المبرم بينها وبين المغرب برعاية أممية، بما يعنيه ذلك وجود أجندة سياسية بتغيير طبيعة الصراع حول الصحراء، والدفع بجبهة البوليساريو خارج الأراضي الجزائرية (تندوف)، ومحاولة دعمها وتمكينها بعناصر الدولة (الإقليم والسيادة على أرض المنطقة العازلة)، وأيضا تقوية جاهزيتها العسكرية واللوجستية لخوض حرب عصابات ضد المغرب في المنطقة.

أما من حيث الموضوع، أو أسباب قطع العلاقات، فلم يعد الأمر يأخذ طابعا دينيا أو مذهبيا طائفيا، وإنما صار له بعد سياسي، يتمثل في إثبات عداء إيراني لمصالح حيوية مغربية، وتنسيق عسكري مع خصوم المغرب بدعم جزائري لضرب الوحدة الترابية للمغرب.

أما من حيث المسوغات وشكل تصريفها، فلأول مرة تسند الخارجية المغربية الاتهامات بالأدلة والمعطيات، ولا تكتفي بوجودها، وإنما تقوم بدينامية نشطة لعرض هذه الأدلة والمعطيات على الخارجية الإيرانية ضمن زيارة مكوكية لوزير الخارجية المغربي إلى طهران، ثم عرض المعطيات نفسها على سفير إيران بالرباط، بالإضافة إلى إصدار بيان يحدد بشكل دقيق أسباب قطع العلاقات، ويحاول الإجابة والرد على أي تأويل يربط القرار بسياق إقليمي شرق أوسطي.

المثير في الموضوع، أن بيان الخارجية المغربية لم يشر إلى الجزائر السلطة بشكل مباشر بأي عبارة، سوى الحديث عن شحنة أسلحة وتدريب لحزب الله لجبهة البوليساريو داخل التراب الجزائري، وبتنسيق من سفارة إيران بالعاصمة الجزائرية، كما أن رد كل من حزب الله والسفارة الإيرانية بالجزائر والخارجية الإيرانية، لم يقدم أي إجابة بخصوص الوقائع والمعطيات الواردة في الأدلة المغربية، وإنما اكتفى بالرد المشترك والمنسق، بالحديث عن خلفيات القرار (أجندة أمريكية سعودية إسرائيلية)، ووجود نية مسبقة لاتخاذه، وبحث المغرب عن ذرائع، وصفها الرد بكونها "كاذبة" و"غير صحيحة" لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

والملاحظ أيضا أن قرار الخارجية المغربية حاول إبعاد لبنان الدولة كليا عن الموضوع، وحصر المشكلة في إيران وحزب الله، والجزائر (التراب التي حدثت فيها الوقائع التي استندت إليها الخارجية المغربية لتسويغ قرار قطع العلاقات مع إيران).

يبدو في الظاهر أن القرار المغربي يشكل إحراجا لإيران، التي تعيش هذه الأيام على إيقاع توتر حاد مع الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية الملف النووي، أيضا، ومعها ودول المنطقة على خلفية دورها الإقليمي في سوريا، ومع دول الخليج، على خلفية دورها في كل من اليمن ولبنان واستهدافها عبر الحوثيين لمنظومة الأمن السعودي والخليجي.

لكن القرار في جوهره، وإن لم يشر بشكل مباشر إلى الجزائر السلطة، فإنه يضعها في دائرة حرج غير مسبوق مع محيطها وشركائها الاستراتيجيين، ومع الدول العربية وبخاصة دول الخليج. إذ لا يمكن تصور وجود قيادات عسكرية لحزب الله داخل الأٍراضي الجزائرية، ولا وصول شحنة أسلحة إيرانية إلى تندوف، ولا حصول تنسيق أمني وعسكري بين إيران والبوليساريو عبر حزب الله داخل الأراضي الجزائرية وبوساطة سفارة إيران في العاصمة، دون أن تكون السلطات العليا الجزائرية على علم بالموضوع، أو تقف خلفه، أو تقدم الدعم له، أو توفر اللوجستيك اللازم لنجاحه.

من هذه الجهة، وبحسب نوع الأدلة التي قدمها المغرب لأشقائه من الدول العربية الشقيقة، وبخاصة دول الخليج، أو التي يفترض أن يقدمها لعدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. فالمرجح أن تقع الجزائر في دائرة حرج شديد، إذ يعتبر دخول حزب الله إلى المنطقة بموافقة أو دعم أو تواطؤ جزائري مسا خطيرا بمنظومة الأمن الأوربي والأمريكي، وسعيا نحو تغيير قواعد هذه المنظومة في الضفة الجنوبية للمتوسط، مما يعتبر تهددا بالغ الخطورة، خاصة أن الجزائر تربطها حدود واسعة بليبيا غير المستقرة.

حتى الآن، لم يصدر من الجزائر أي جواب أو تصعيد في الموقف، فقد اكتفت باستدعاء سفير المغرب في الجزائر من قبل الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، لتعرب له عن رفض السلطات الجزائرية للتصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، معتبرة إياها غير صحيحة، وأنها "أقحمت الجزائر بشكل غير مباشر في القضية"، وسط حديث عن سيناريوهات تصعيد جزائري مرتقب ضد المغرب؛ لم يتوضح شكله.

عمليا، يصعب على الجزائر اليوم أن تقوم بمثل هذا التصعيد؛ لأن عددا من الدول العربية، ومنها دول الخليج، عبرت عن دعمها للموقف المغربي، كما أن شركاءها الاستراتيجيين (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي) يحتاجون منها إلى توضيح الموقف، والرد على الأدلة والمعطيات التي سوّغ بها القرار المغربي قطع علاقاته مع إيران، التي أكد المغرب أنها استقاها من خلال عمل أجهزته الأمنية ودعم وتنسيق أجهزة أخرى شريكة، مما يعني في المرجح أن تقدم الخارجية الجزائرية في الأيام القليلة القادمة بدينامية زيارات مكوكية لعدد من العواصم العربية والغربية لتوضيح موقفها، ومحاولة الخروج من دائرة الحرج التي لم يسبق لها أن دخلت فيه من قبل مع شركائها ومع الدول العربية الشقيقة، وبخاصة دول الخليج.

ليس أمام الجزائر خيارات كثيرة للرد على القرار المغربي، فإما أن تنفي علمها بالوقائع والأدلة التي استند إليها القرار المغربي، ومن ثم تضع نفسها في حالة المخترق أمنيا، وغير القادر على الوفاء بالتزاماته الأمنية مع شركائه الاستراتيجيين في المنطقة، أو تقدم أدلة مقابلة على عدم صحة الوقائع والأدلة التي ساقها المغرب، وهو ما يصعب ترجيحه في ظل دينامية مغربية نشطة لعرض هذه الوقائع والأدلة، وتأكيد تسلسل حلقاتها في مدى زمني أخذ سنتين على الأقل، مع تأكيد وجود ما يوثق ذلك من الجانب المغربي. ولعل هذا بالتحديد ما جعل الجزائر تتأخر على غير المعهود في ترتيب ردها على القرار المغربي، رغم أن الزمن لا يخدم مطلقا موقفها.
التعليقات (0)